استشهاد مهندس أول عملية إستشهادية في فلسطين
بيت ليد شبح يطارد الاحتلال

 


غزة - صالح المصري

محمود الزطمة "أبو الحسن" صرخة انطلقت من كربلاء لتعانق وتحضن المقاومة في فلسطين. صرخة فارس جعل المخيم الفقير يشكل تهديداً استراتيجياً ـ حسب تعبير رابين بعد عملية بيت ليد ـ للدولة العبرية وللسلام الأميركي الصهيوني المدنس، لذلك فإن دمه المسفوح سيبقى رمزاً لدم الشهداء الذي سيسفح حتى ينتصر على السيف، سيف "بني إسرائيل" وحلفائهم وأتباعهم.

 

على أبواب الوجع وعند أحلام الوطن الملتهب بالدم والنار والغضب يقف أبو الحسن المهندس لجهازي حركة الجهاد الإسلامي، القوى الإسلامية المجاهدة (قسم) و سرايا القدس ـ الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.. بعث عشرات الاستشهاديين وجهزهم وتفانى في الدفاع عن وطنه.. وكان احد رموز المقاومة في فلسطين إلى ان كتب الله له الشهادة بعد عدة سنوات من المطاردة في قلب مخيم رفح الصمود جنوب قطاع غزة. ولد الشهيد القائد محمود الزطمة (أبو الحسن) عام 1960م ونشأ وترعرع في بيت مجاهد وعائلة تحافظ على تعاليم الإسلام، هجّرت من أرضها في بلدة يبنا الفلسطينية عام 1948م، بعد أن داستها سنابك الأعداء.. ولجأت كآلاف الأسر الفلسطينية إلى مخيمات اللجوء والشتات.

تتكون أسرته من سبعة أخوة، وهو الثامن، وترتيبه بينهم الثاني وإخوانه هم (محمد - خالد - زياد - ادم - إبراهيم - عيسى - موسى ).

تلقى الشهيد محمود دروسه في المراحل الابتدائية والإعدادية في مدارس رفح للاجئين. أنهى الدراسة الثانوية في رفح ثم سافر إلى الجزائر ليدرس الهندسة حيث حصل هناك على شهادة في الهندسة الكيميائية ومن ثم درجة الماجستير.

وقد تزوج الشهيد أبو الحسن من امرأة جزائرية تعيش معه في غزة هي وأولاده الثلاثة وبناته الثلاث، وأصغرهن طفلة لم تتجاوز الخمسة أشهر.

 

قائد عسكري كبير

تبنى الشهيد القائد محمود الزطمة المشروع الإسلامي المجاهد، ليكون من أوائل الملتحقين بحركة الجهاد الإسلامي، ومن أوائل مؤسسي وأحد قياديي (القوى الإسلامية المجاهدة "قسم") الجناح العسكري السابق لحركة الجهاد الإسلامي.

عاد الشهيد إلى ارض الوطن بطريقة غامضة، وقد يكون عاد عن طريق الحدود المصرية الفلسطينية في عام 1994م ليشارك إخوانه طريق الجهاد والمقاومة، ومنذ ذلك الحين أصبح قائداً عسكرياً مرموقاً فذاً قاوم الطغاة الغاصبين، وأصبح احد أهم المطلوبين للاحتلال "الإسرائيلي" بعد إشرافه وتوجيهه للعديد من العمليات الاستشهادية، وتعرض لمحاولة اغتيال فاشلة عندما جاءت مجموعة من الوحدات الخاصة الإسرائيلية  لاغتياله في منزله في رفح، ومنذ ذلك الحين اختفى عن الأنظار إلى أن اعتقلته الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية عدة مرات في سجونها.

مع اندلاع انتفاضة الأقصى شمّر القائد الزطمة من جديد عن ساعديه ليكون أحد قياديي (سرايا القدس) الاسم الجديد للجناح العسكري لحركة الجهاد،الذي اخذ على عاتقه العمل العسكري، واخذ مع إخوانه في المقاومة الفلسطينية بالعمل على مقاومة الاحتلال بكل ما أوتي من قوة. 

 

تاريخ مشرِّف

وتنسب قوات الاحتلال إلى الشهيد الزطمة عدة عمليات قام بتجهيزها منذ تأسيس الجهاز العسكري القديم لحركة الجهاد الإسلامي (القوى الإسلامية المجاهدة "قسم") حيث نفذ في حينه عدة عمليات مزلزلة ابتداءً من أول عملية استشهادية في فلسطين التي نفذها الاستشهادي "أنور عزيز" في العام 1993م والذي ينتمي للقوى الإسلامية المجاهدة "قسم" ـ الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وقتذاك، ومن ثم من عملية الشهيد هشام حمد الذي كان يقود الدراجة النارية التي انفجرت في حاجز عسكري صهيوني على مدخل مستوطنة نتساريم فقتل ثلاثة من الجنود الموجودين على الحاجز وأصاب أربعة، وذلك في الانتقام الأول لاغتيال الشهيد القائد هاني عابد من قياديي حركة الجهاد، بالإضافة إلى عملية بيت ليد الاستشهادية المزدوجة التي نفذها الشهيدان صلاح شاكر وأنور سكر وقتل خلالها 24 جندياً صهيونياً وأصيب أكثر من ثمانين، وزلزلت العملية في حينها الكيان الصهيوني حيث كانت وما زالت من اكبر العمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية، واستهدفت عسكريين وجنوداً صهاينة، وعملية كفار داروم التي نفذها خالد الخطيب على طريق صلاح الدين، وقتل فيها قرابة 16 جندياً ومستوطناً صهيونياً، وعملية ديزنغوف البطولية التي نفذها رامز عبيد وقتل فيها 24 صهيونياً وجرح 120 آخرين.

منذ عملية بيت ليد الشهيرة والجريئة اعتبرته قوات الاحتلال الصهيوني المسؤول الأول عنها فقررت تصفية كل من له علاقة بها، فأقدمت على عملية اغتيال جبانة للقائد محمود الخواجا أحد أبرز قادة ومؤسسي الجهاز العسكري "قسم"، وأتبعت ذلك باغتيال الدكتور فتحي الشقاقي الأمين العام الأول والمؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وجناحها العسكري وقتذاك القوى الإسلامية المجاهدة "قسم". بعد خروجه من سجون أمن السلطة مع بداية انتفاضة الأقصى عاود الشهيد عمله مع الجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي "سرايا القدس" فحاولت أجهزة أمن السلطة اعتقاله مجدداً في رفح -مسقط رأسه. لكنه تمكن من الإفلات منهم والتخفي عن أعينهم فانتقل وأسرته للعيش في مدينة غزة.

 

يقول احد رفاقه في سجون السلطة التي مكث فيها قرابه 3 سنوات "قام ضباط من الاستخبارات الأميركية (C.I.A) وضمن اتفاقيات (واي ريفر) الأمنية بمقابلة الشهيد "أبو الحسن" في سجون أمن السلطة الفلسطينية كإجراءات تفتيشية على السجناء وأبلغوه خلال المقابلة أنه يمارس (الإرهاب) ضد (المواطن الإسرائيلي) وأنه يعارض عملية السلام ومثله لا يجب أن يرى الشمس.

وكان الشهيد محمود تعرض لتعذيب شديد في سجون السلطة الفلسطينية ما تسبب بتعرضه للإغماء في الساعة الأولى لبدء التحقيق معه، ما أجبر المحققين على نقله للعيادة للعلاج. وعرف الشهيد بعناده وصموده في التحقيق، فلم ينبس ببنت شفة للمحققين، رافضاً التعاون معهم في أي حديث يتعلق بعمله ونشاطه أو أي شيء عن اخوانه، وبقي الحال على ذلك حتى خروجه من المعتقل. وبرغم أن المحققين قد واجهوه بأدلة وإثباتات اعتبروها حجة عليه ولكنه أنكر كل ذلك وبقي صامداً وصامتاً حتى النهاية. وقد أمضى أكثر من ثلاثة أشهر في الزنازين صلباً لا يلين، جسوراً لا يهاب، ثابتاً، مؤمناً بقضيته، متفانياً في حماية حركته.

 

والد للاستشهاديين

كان الشهيد محمود "أبو الحسن" والد للاستشهاديين الذين يعد لهم العبوات والأحزمة الناسفة، ليقدم لهم النصيحة والتعبئة المناسبة، والتدريب الكافي قبل التوجه لتنفيذ العملية الاستشهادية. وأكثر من ذلك لم يتعامل مع الأمر من الناحية التقنية، بل كان مجاهداً ملتزماً يعي دوره ومسؤوليته فيتأكد بنفسه من أن الاستشهاديين إنما يرغبون في تنفيذ العملية مرضاة لله سبحانه وتعالى، وبرغبة واختيار قد أقدموا على هذا العمل الاستشهادي والجهادي الفذ الذي يحتاج إلى أناس فريدين ومتميزين وغير عاديين ولا يقعون تحت أي تأثير أو ضغط أو إكراه.

 

الاغتيال

يقول شهود عيان كانوا في منطقة الحدث ان أربع طائرات أباتشي صهيونية ـ أميركية الصنع ـ حلقت على علو مرتفع في سماء مدينة غزة خلال رصدها للشهيد المجاهد الذي كان في سيارة من نوع "سوبارو"، وأطلقت هذه الطائرات في تمام الساعة الرابعة وعشر دقائق عدة صواريخ أصابت السيارة التي كانت تقل الشهيد وعدداً من إخوانه إصابة مباشرة ما أدى إلى إصابة الشهيد الزطمة بجراح بالغة نقل على اثرها إلى مستشفى الشفاء لكنه فارق الحياة قبل تلقيه العلاج اللازم وذلك لخطورة إصابته.

وجدير بالذكر أن نحو عشرة مواطنين أصيبوا في تلك الجريمة الصهيونية البشعة ومنهم إخوان الشهيد الذين كانوا معه بداخل السيارة. وتؤكد مصادر طبية في مستشفى الشفاء أن حالة ثلاثة من الجرحى خطيرة، وأن باقي المصابين حالتهم مستقرة.

 

انتظروا الرد الموجع

وفي رد سريع على عملية الاغتيال هددت (سرايا القدس) برد موجع ومزلزل في قلب الكيان الصهيوني. وقال أحد مسؤولي السرايا في غزة ان الشهيد أبو الحسن أفنى حياته كلها في خدمة الإسلام وفلسطين، وكان يتمنى الشهادة في كل لحظة. وأضاف "لطالما أعدّ القائد الشهداء، وها هو اليوم يلحق بهم". وتوعد القائد الميداني برد مزلزل في قلب الكيان، وأكد أن الكيان الصهيوني سيندم على فعلته الجبانة. كما توعدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وسرايا القدس ـ الجناح العسكري للحركة، بأن جريمة اغتيال القائد الزطمة لن تمر دون عقاب. وقالت سرايا القدس في بيان لها إن الزطمة "ارتقى إلى العلى شهيداً جراء عملية اغتيال صهيونية إرهابية جبانة".