أعلام 
نجم الدين الكاتبي
600هـ ـ 675هـ


 هو علي بن عمر بن علي المعروف بنجم الدين الكاتبي من تلامذة نصير الدين الطوسي. عاصره وساعده في بناء مرصد مراغة الشهير. حصلت بينه وبين أستاذه الطوسي مراسلات فلسفية في مواضيع مختلفة، تكشف عن مكانة الكاتبي وأصالته الفلسفية وتأثره بآراء الطوسي، وكذلك بفخر الدين الرازي. وقد ذكر الطوسي تلميذه بعبارات: مولانا نجم الملة والدين علامة العصر العالم علي الكاتب القزويني أدام الله أفضاله، كما ذكره تلميذه جمال الدين حسن بن يوسف بن مطهر الحلي بعبارات مشابهة بقوله: شيخنا السعيد نجم الدين علي بن عمر الكاتبي القزويني، ويعرف بدبيران، كان من فضلاء العصر وأعلمهم بالمنطق، وله تصانيف كثيرة، وقرأت عليه شرح الكاشف.

وُلد نجم الدين الكاتبي القزويني عام 600هـ في مدينة قزوين ودرس العلوم الدينية والفلسفية. أمضى حياته في التأليف الفلسفي يرفد المكتبة الاسلامية بمؤلفات مرموقة، من بينها:

 1 ـ كتاب جامع الدقائق في كشف الحقائق.

 2 ـ كتاب المفصل في كشف المحصل.

 3 ـ كتاب الاعتراف.

 لكن أهم كتبه هو كتاب "حكمة العين"، وقد شرحه تلميذه العلامة الحلي في كتاب سماه: "المقاصد في شرح حكمة عين القواعد". كما كان له شراح آخرون من بينهم شرح قطب الدين الشيرازي وشرح مير شريف الجرجاني ومسعود الشيرازي وغياث الدين منصور وصدر الدين الجيلاني. وتبين هذه الشروح أهمية كتاب "حكمة العين" ومكانة صاحبه في الفلسفة الإلهية.

يبدأ الكاتبي كتاب "حكمة العين" بفصل في "الوجود والعدم"، يبحث فيه بداهة الوجود ووضوحه وزيادته على الماهية، أي أصالته، كما يبحث في الوجود الذهني وأقسامه.

وقد بدأ الكاتبي بالمسائل المتعلقة بالوجود، لأن العلم الإلهي هو الموضوع الذي يبحث فيه، وذلك عند البحث عن عوارض الوجود وواقعه من غير اقتران بمادة او عوارضها، كالبحث عن الواجب والممكن وغيرهما من مباحث الإلهيات. وقد طوّر صدر الدين الشيرازي هذه النظرية من خلال مبحثه في اعتبار مباحث الوجود موضوعاً للعلم الإلهي. وخص الكاتبي الفصل الثاني من "حكمة العين" للأبحاث المتعلقة بالعدل والمعلولات، وإثبات واجب الوجود. وهو يسلك في مباحثه طريق ابن سينا في اثباته وجود الواجب بالاستناد الى إبطال قاعدة الدور والتسلسل عقلاً، وضرورة انتهاء الوجودات الممكنة الى وجود واجب قائم بالذات. وبرغم استناد الكاتبي الى طريقة ابن سينا، فإنه يرد على الفخر الرازي في دليله على وجود الواجب في المباحث المشرقية، الأمر الذي يجعل من مباحث الكاتبي إنتاجاً فلسفياً تحصيلياً ونقدياً في آنٍ واحد.

ومن المسائل التي تناولها الكاتبي مسألة: الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد. وقد بنى على هذه القاعدة الفلسفية الشهيرة نظريته في الفيض في مسألة خلق العالم وتسلسل العقول التي تنتهي الى العقل الحادي عشر او العقل الفعّال، واهب الصور عند الفلاسفة الفيضيين.

يعتبر الكاتبي من الفلاسفة المسلمين الذين خصوا النفس الانسانية بمباحث مستقلة، كما جعل من الفصل الثالث في "حكمة العين" مبحثاً في النفس، مقتفياً آثار ابن سينا في موسوعة الشفاء. وبذل الكاتبي قصارى جهده لبحث تجرد النفس عن المادة، فاستعاد المباحث السينوية في هذه المسألة، لكنه أضاف اليها أفكاراً جديدة يمكن ان تتصف بالاصالة والموضوعية.

يقول الكاتبي: "ان الانسان يتألف من جسد مادي ونفس مجردة، والدليل على هذه النفس المتمايزة عن البدن هو أن القوة العاقلة التي هي من شؤون النفس تعقل البسائط.. ثم ان القوة العاقلة مدركة للوجود المطلق الذي هو مفهوم مجرد عن المادة، ومعلوم ان إدخال مفهوم المطلق يعتبر إنجازاً فلسفياً في عصر الكاتبي.

وإلى جانب مباحث النفس، اهتم الكاتبي بمسألة خلق العالم، ومذهبه القول بحدوث العالم حسب نظرية الفلاسفة الفيضيين، كالفارابي وابن سينا والسهروردي. وكان له آراء جديرة بالاهتمام تتعلق بحدوث النفس والوحي والنبوة والمعجزات وإثباتها بالطرائق العقلية، وقد استفاد في ذلك من مباحث الكندي وأضاف اليها. كما عرّج في أبحاثه على الطبيعات، وكانت له آراء في الكونيات: المكان والزمان والافلاك والظواهر الكونية، ولذلك اعتبر كتاب "حكمة العين" من الكتب الأساسية في الفلسفة العامة، وفي الفلسفة الإلهية على وجه الخصوص.

توفي نجم الدين الكاتبي في عام 675هـ.

د. طراد حمادة