ارشيف من :آراء وتحليلات

فاصلة: إما التأليف وإما الاعتذار

فاصلة: إما التأليف وإما الاعتذار
كتبت ليلى نقولا الرحباني
ارتفع منسوب التوقعات بقرب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ضوء المبادرة التي أطلقها العماد ميشال عون والتي كان محورها أن المضمون التوافقي لدور رئيس الجمهورية يقتضي أن يكون الوزيران اللذان سيسميهما لحقيبتين سياديتين، أحدهما مسيحياً والثاني مسلماً، وهو ما علم أنه لاقى ترحيباً من قبل المعارضة الوطنية اللبنانية بأطيافها كافة. ولم يكتفِ العماد عون بإطلاق المبادرة فقط، بل أتبعها بالاتصال برئيس الجمهورية والاتفاق على القيام بزيارة الى القصر الجمهوري، اضافة الى قيام وفد من تكتل التغيير والإصلاح من نواب جبيل بالذهاب الى عمشيت لتهنئة الرئيس يوم الأحد الفائت.
وهكذا يكون العماد ميشال عون قد قطع الطريق على الموالاة ورئيس الحكومة المكلف، الذين حاولوا استهدافه والتيار الوطني الحر مجدداً، تماماً كما فعلوا طوال السنوات الثلاث الماضية، من خلال إحراجه فإخراجه من التشكيلة الحكومية الماضية، ومن ثم استهدافه ووضع "الفيتوات" عليه، والادعاء انه يعطل انتخابات الرئاسة لأنه يريد ان يصل الى رئاسة الجمهورية. لكن المناورات الموالية ومحاولات الإحراج لن تمر هذه المرة كما في السابق، فقد رفضت المعارضة بصورة قاطعة عدم إسناد حقيبة أساسية لتكتل التغيير والإصلاح، وأبلغت هذا الأمر جلياً الى الرئيس السنيورة والنائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط، بعدما تكفل الرئيس نبيه بري بإسقاط مناورات الرئيس المكلف عبر مشاريع التشكيلات الحكومية التي أرسلها لدق أسافين بين العماد عون وحلفائه عبر طرح مقايضات في الحقائب بين تكتل التغيير وكتلة التنمية والتحرير التي يرأسها الرئيس نبيه بري. ومن هنا تلاحظ المستجدات التالية:
ـ سقطت كل محاولات الموالاة لترميم الصورة الانتخابية للقوات والكتائب وبقايا قرنة شهوان، بعدما ظهر في اتفاق الدوحة أن العماد عون والتيار الوطني الحر عمل على إنصاف المسيحيين عبر قانون انتخاب "الستين"، وإخراجهم من التهميش الذي فرضته عليهم الموالاة من خلال القوانين الانتخابية المتعاقبة، وبخاصة قانون الألفين. وبعد ان ظهر ان محاولات الترميم والتعويم قد فشلت، أعلنت القوات اللبنانية عدولها عن المطالبة بتوزير رئيسها سمير جعجع، بعدما كان أمين الجميل قد تنازل سابقاً عن رغبته بذلك.
ـ يبدو ان اسم الوزير إلياس المر قد بدأ يحترق، فإيهام الرأي العام بحيادية إلياس المر وأبيه لم "تنطلِ" على أحد، وقد تبين بالبرهان القاطع ان العقدة تكمن في الشروط الأميركية الموضوعة ومطالبة الإدارة الأميركية بحصة مهمة في التشكيلة الحكومية الجديدة. وقد ذكرت مصادر أميركية صحافية ان اهتمام واشنطن بوزارة الدفاع يأتي انطلاقاً من الأجندة الأميركية المتعلقة بالجيش اللبناني خلال الفترة القادمة، وهو الأمر الذي اعتبر تأكيداً لما سبق أن تردد في بيروت حول اشتراطات أميركية لتعيين وزير دفاع لبناني لديه الاستعداد للتوصل إلى اتفاقات تعاون عسكري مع الولايات المتحدة، التي تقول معلومات المعارضة إنها مكرسة لمحاولة التدخل في هيكلية الجيش وعقيدته القتالية لوضعه ضمن منظومة الأمن الإقليمي الأميركي المكرسة لمكافحة قوى المقاومة تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، التي تضع حزب الله في رأس قائمة أهدافها وفقا لتصريحات الرئيس بوش الأخيرة. لهذا كان إلياس المر الأوفر حظاً بسبب خدماته الكبيرة للأميركيين، وبسبب ما قيل عن التسريبات والخدمات التي أداها في الملف الأمني الأخير وكشف شبكة الاتصالات التابعة للمقاومة وقصة كاميرا "جهاد البناء" في مطار بيروت الدولي.
 وفي الحقيقة يسود اعتقاد لدى الرأي العام اللبناني بأن المعارضة الوطنية اللبنانية قد صبرت طويلا على الرئيس المكلف الذي يبقى من واجباته إما تأليف الحكومة وإما الاعتذار، اذ ان المماطلة التي تعتمدها الموالاة باتت مكشوفة، وبات جلياً ان الهدف هو تعطيل اتفاق الدوحة والهروب الى الأمام لتوتير الأجواء بغية التملص مما اتفق عليه بخصوص الثلث الضامن وقانون الانتخاب، وبانت ألاعيب الموالاة التي تريد الإبقاء على حالة تصريف الأعمال حتى الانتخابات النيابية لتمريرها بالقانون الانتخابي نفسه الذي زوّر الإرادة الشعبية وهمش المسيحيين.. لكن كل هذه الألاعيب لن تمر، والمعارضة واعية تماماً لما يحاك، وهي تحضر نفسها لمواجهة أي التفاف أو تآمر على الشعب اللبناني ومقاومته، والأيام القادمة ستظهر حقيقة الموالاة وتلاعبها وإخلالها بالاتفاقات المعقودة.
الانتقاد/ العدد1273 ـ 17 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-17