ارشيف من :آراء وتحليلات

بقلم الرصاص: الفيل "والبورسلان"

بقلم الرصاص: الفيل "والبورسلان"

كتب نصري الصايغ

على اللبناني أن يستعجل الأمل دائماً، إنما عليه أن يتروّى كثيراً في تحقيقه، أو في إمكان تحقيقه، لقد عوّل كثيراً على "اتفاق الدوحة"، وأمل بأن ينتقل إلى صفحة جديدة، لكتابة نص لبناني سياسي مختلف عن حال التطاحن التي سادت، كامنة ومعلنة، طوال دهر من سنة ونصف السنة.
خاب فأل اللبنانيين.
كأن رئيس الجمهورية اللبنانية الذي مضى على انتخابه شهر، بات ينظر اليه، أنه قد انتخب من دهر، فما الجديد الذي حصل؟ امتلأ المركز، ولكن العافية استحالت، وربما، إلى أجل غير مسمّى.
وخاب فأل اللبنانيين مراراً.
كأن حكومة تصريف الأعمال، بإدارة الرئيس السنيورة، هي الثابت السياسي حتى الآن، أما حكومة الوحدة الوطنية، فهي تعرج على باب الحقائب السيادية والخدماتية والمحاصصة والطائفية والانتخابية، وبات على اللبنانيين أن ينتظروا مفاجأة تأتيهم من تحت رداء ساحر أسود، يتقن صنع المعجزات البائسة والمفلسة.
باختصار شديد: هذا ليس جديداً.
اللبنانيون، في قواهم السياسية الراهنة، مختلفون على كل شيء، أؤكد بالقلم العريض، على كل شيء، وإذا تم الاتفاق الشفهي على أمر، لا يدوم، وإذا تم تسجيل الاتفاق بالجد وصدّق عليه بالتواقيع المحلية والعربية، يصار إلى تجويفه وإبطاله.
إنهم مختلفون على كل شيء.
فلنفرض، وبتفاؤل قد ينتج وزارة في القريب الآجل، أن الحكومة قد التأم نصابها، فما الذي يمكن أن يحدث، داخل حكومة، شهدت ولادتها، تطاحناً، وما قبل ولادتها، عنفاً كاد يطيح بالسلم الأهلي برمته، إلى يوم القيامة المذهبي.
لنفترض أنهم دخلوا بعد التأليف إلى ردهة البيان الوزاري، سيختلفون، على المقاومة وسلاحها، وعلى الخصخصة وأدواتها، وعلى الميزانية وانتفاخها، وعلى هلم جراً، وكالعادة، يصار إلى تدوير الزوايا، فلا يبقى من المواد المختلف عليها، الا نص مائع، ذا تفسيرين متناقضين، أو استعمالات متناقضة.
ولنفترض أنهم اتفقوا على البيان، فكيف يطبقونه، من سيكون القائد الجديد للجيش، ومن معاونوه، من يملأ المراكز الأمنية الحساسة، ثم من يتولّى رئاسة الصناديق، من سيوضع في الاستيداع، ومن سيدعى من الحرمان الوظيفي إلى معاودة وظيفته، وسيختلفون ما شاء ربك، وقد يصل الخلاف إلى تعيين المدراء ورؤساء الأقسام والحجّاب.
ولنفترض أن الفترة التي ستقضيها هذه الحكومة هي تقريباً تسعة أشهر، فإنها، في خلال الشهر الأول، مدعوة لانتاج قانون انتخابي.. تم وضع عنوانه في الدوحة، إلا أنه سيخضع لمناقشة تطيح به، كما أطاحت بنود الدوحة الخاصة بالحكومة والتأليف.
ولنفترض أن العكس قد حصل.
فلا مفاجأة أبداً، لأن اللبنانيين، مختلفون على كل شيء، وبحدة، وصلت إلى حدود التخوين المتبادل.
باختصار: ليس لدى اللبنانيين آلية مكرّسة في الدستور لحل خلافاتهم، ليحكموا أنفسهم بأنفسهم، ليقرروا مصيرهم بأيديهم.
مساكين، يظنون أنفسهم أنهم أذكى الشعوب على الإطلاق، وسقطوا في امتحان السياسة بلا هوادة، لم يتعلموا حرفاً واحداً من دمائهم، لم يتعلموا أبداً من دموعهم، لم يتعلموا أبداً من تحول وطنهم إلى رصيف يودعه أبناؤهم، لم يتعلموا أبداً، أن الطائفية أقوى من الوطن (رجاءً لا تبكوا، وطننا غير موجود) وان الطائفية أقوى من الدولة، وأن التعصب والتجييش الطائفي، قتل منا الكثير، ويكاد يقتل أنصع ما أنتجه هذا الشعب، بنضاله ضد الاحتلال.
عندما يدخل الفيل، قاعة البورسلان، لا تسألوا عن جراح الفيل، بل عن الركام الذي خلفه..
الأفيال الطائفية جاهزة، فاخشوا على ما غلا ثمنه من الشهادة والفداء والعطاء.
خافوا من الطائفية على المقاومة..
هذا هو الخوف الشرعي الوحيد وكل خوف آخر، هو من التراث اللبناني المتبادل.
الانتقاد/ العدد1274ـ 19 حزيران/ يونيو 2008

2008-06-19