ارشيف من :ترجمات ودراسات

مدريد وبرشلونة: مواجهةٌ أم سلام؟!..

مدريد وبرشلونة: مواجهةٌ أم سلام؟!..

 أوروبا ليست بحاجة إلى "مزيد من التصدعات"، جملة يختصر بها رئيس المفوضية الأوروبية جان ــ كلود يونكر، ما يحصل في إسبانيا، بين العاصمة مدريد وبرشلونا، في صراع تاريخي يمتد إلى السياسة فالثقافة والرياضة. في سنة واحدة ظهر الكثير من التصدعات في القارة العجوز، ضعف الاتحاد الأوروبي الذي ولد بعد مخاض عسير من حروب أهلية إلى حروب عالمية واستقلالات وانفصالات، بدأ ينذر بانفصاله ايضاً (تفككه).

لم ينس الأوروبيون بعد الحروب التي مروا بها منذ حرب المئة عام ـ والتي هي عبارة عن صراع طويل بين فرنسا وإنجلترا دام 116 سنةَ مِنْ 1337 إلى 1453ـ حتى الحرب العالمية الثانية، أبناء القارة تنفسوا الصعداء مع تشكيل الاتحاد الأوروبي، الذي تأسس بناء على اتفاقية معروفة باسم معاهدة ماستريخت الموقعة عام 1992، ولكن العديد من أفكاره موجودة منذ خمسينات القرن الماضي.


مدريد وبرشلونة: مواجهةٌ أم سلام؟!..
مظاهرات في كتالونيا

 

*أولاً: مخاوف أوروبية

هلع كبير يعتري أوروبا اليوم، خوفاً من توالي الانفصالات، وتداعي دول الاتحاد وصولاً إلى نشوء دويلات على أركام وحطام دول القارة الحالية بعد الدخول في حروب أهلية لم تبرأ منها معظم هذه الدول، وإن تكررت عبارات عدم النسيان معنا، إلا أن ذلك واقع يقف عنده الأوروبيون ملياً، فأوروبا التي تعتبر من أعظم القارات والحياة داخلها حلم كل شخص، قد خاضت حربًا دموية أهلية على مدى ثلاثين عاماً ايضاً. الدول الحالية لم تأت دون مخاض دموي، فقد وقعت سلسلة صراعات دامية مزقت أوروبا بين عامي 1618 و1648 م، وقعت معاركها بدايةً وبشكل عام في أراضي أوروبا الوسطى (خاصة أراضي ألمانيا الحالية) العائدة إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ولكن اشتركت فيها تباعا معظم القوى الأوروبية الموجودة في ذاك العصر عدا إنكلترا وروسيا. لكن في الجزء الثاني من فترة الحرب امتدت المعارك إلى فرنسا والأراضي المنخفضة وشمال إيطاليا وكاتالونيا.

أسبانيا لم تكن بمعزل عن الصراعات الدامية، والتي تخاف تكرارها بشدة هذه الأيام، والتي استمرت من 1936 إلى 1939 وكانت حربا بين الجمهوريين الموالين للديمقراطية، والجمهورية الإسبانية الثانية ذات الاتجاه اليساري، والوطنيين، تحت قيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو.  في الأخير، فاز الوطنيون، وحكم فرانكو إسبانيا في 36 سنة التالية، من أبريل 1939 حتى وفاته في نوفمبر 1975، وقد سقط فيها مليون قتيل.

اليوم، يعود شبح الحرب الأهلية، ليخيم  على أجواء اسبانيا، ويهدد معه كل أوروبا خوفاً من الدخول مجدداً في دوامة الحروب الأهلية، خاصة من سياسة التطويع و"تكسير الرؤوس" التي تستخدمها مدريد وبرشلونة، وكأننا في قمة المواجهة بين الفريق الملاقي والبارشا، لكن القادة ليسوا رونالدوا وميسي وبقية اللاعبين، إنما رموز السلطة في البلدين، ومع كل الإجراءات التي تتخذها مدريد، إلا أن برشلونة مصممة على الانفصال، على غرار الانفصالات التي شهدتها القارة الأفريقية، كما حصل في دولة جنوب السودان في عام 2011، وقبل في إريتريا عام 1993، لكن السؤال الذي يطرح هل لدى كتالونيا مقومات الانفصال؟

 

مدريد وبرشلونة: مواجهةٌ أم سلام؟!..
في ملاعب كرة القدم

*ثانياً: مقومات الانفصال الكتالونية

تعد منطقة كاتالونيا أحد أكثر الأقاليم الإسبانية ثراء، وهي منطقة صناعية، ذات نزعة استقلالية، وتعتز بهويتها ولغتها الخاصة.

ويمتد تاريخ الإقليم إلى العصور الوسطى، ويعتقد كثيرون من أهالي الإقليم أنهم أمة مستقلة عن بقية اسبانيا.

تقع كتالونيا في شمال شرق إسبانيا، تحدها من الشمال فرنسا وأندورا، ومن الجنوب منطقة بلنسية، ومن الشرق البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب منطقة أراغون.

تبلغ مساحة كتالونيا 32.106 كم² (سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا). وهي مقسمة إلى أربع مقاطعات: برشلونة، جرندة، لاردة وطراغونة.

تقع كتالونيا في شمال شرق إسبانيا، تحدها من الشمال فرنسا وأندورا، ومن الجنوب منطقة بلنسية، ومن الشرق البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب منطقة أراغون. ,تعد منطقة كاتالونيا أحد أكثر الأقاليم الإسبانية ثراء، وهي منطقة صناعية، ذات نزعة استقلالية، وتعتز بهويتها ولغتها الخاصة.

تعد منطقة كاتالونيا أحد أكثر الأقاليم الإسبانية ثراء، وهي منطقة صناعية، ذات نزعة استقلالية، وتعتز بهويتها ولغتها الخاصة، تقع كتالونيا في شمال شرق إسبانيا، تحدها من الشمال فرنسا وأندورا، ومن الجنوب منطقة بلنسية، ومن الشرق البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب منطقة أراغون.

وأغلب سكان الإقليم يعيشون في عاصمته برشلونة، التي تمثل مركزا اقتصاديا وسياسيا مهما، فضلا عن أنها نقطة جذب سياحية تحظى بشعبية كبيرة.

ويشتهر الإقليم أيضا بالصناعات التقليدية وصناعة الكيماويات والأغذية المصنعة والمعادن، فضلا عن ازدهار قطاع الخدمات فيه.

*ثالثا: التاريخ السياسي لكتالونيا

ظهرت المنطقة أول مرة كهوية متميزة مع صعود مقاطعة برشلونة في القرنين الـ 11 و12 م لتصبح تحت الحكم الملكي لمملكة أراغون المجاورة وأصبحت قوة بحرية كبرى فى العصور الوسطى.

وأصبحت كاتالونيا جزءا من اسبانيا منذ نشأتها فى القرن 15 عندما تزوج فرديناند ملك أراغون وإيزابيلا ملكة قشتالة ليوحدا مملكتيهما.

وفي القرن التاسع عشر تجدد الشعور بالهوية الكاتالونية التي تحولت إلى حملة من أجل الاستقلال السياسي وحتى الانفصال وشهدت هذه الفترة مرحلة لإحياء الانتماء الكاتالوني.

وعندما أصبحت اسبانيا جمهورية في عام 1931 منحت كاتالونيا حكما ذاتيا واسعا خلال الحرب الأهلية الإسبانية وكانت حينها معقلا رئيسا للجمهوريين.

وكان سقوط برشلونة في يد الجنرال فرانكو في عام 1939 بداية نهاية المقاومة الإسبانية. وتحت الحكم المتشدد لفرانكو ألغى الحكم الذاتي، وتعرضت القومية الكاتالونية للقمع، وأصبح استخدام اللغة الكاتالونية مقيدا.

مع ظهور الديمقراطية فى أسبانيا بعد وفاة فرانكو أصبح لإقليم كاتالونيا البرلمان الخاص به مع حكم ذاتي واسع النطاق.

*رابعاً: هل هناك مقوم اقتصادي فعلي؟

الاقتصاد الكاتالوني يتميز بكونه منوعاً للغاية، وببنيته الإنتاجية الأكثر توازناً بالمقارنة مع المناطق الإسبانية الأخرى، علماً بأن القطاع الأولي يعتبر صغيراً نسبياً، حيث تمثل الخدمات القطاع الأهم كما هو الحال في كل الدول المتطورة.

وتعتبر كتالونيا المساهم الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي الإسباني بنسبة تصل إلى 18.9 في المئة، وتعدّ حصة الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي أعلى من المتوسط الإسباني بنسبة 18.8 في المئة.

تتمتع كاتالونيا باقتصاد منفتح على العالم إلى حد بعيد، مع فائض في موازنتها التجارية بنسبة 11.5 في المئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي في 2015؛ حيث يشكل هذا الانفتاح الاقتصادي -جنباً إلى جنب مع فورة القطاع الإنشائي والدخول لمنطقة اليورو- السر في المعجزة الاقتصادية التي حدثت بين 1999 و2008، والتي اتسمت بنمو الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بواقع وسطي قدره 3.7 في المئة.

لكن لا يوجد حل سحري يضمن أن كاتالونيا -في حال انفصالها- ستكون قادرة على تحقيق استقرارها الاقتصادي، ولكن ثمة سمات بارزة تتشاركها عادة معظم المنظومات الاقتصادية المتطورة، وأبرزها التنويع والانفتاح على العالم مع ارتفاع مستويات الإنتاجية.

 ويخلص تقدير اقتصادي صادر عن كريستوفر ديمبيك، رئيس قسم التحليل الشامل لدى "ساكسو بنك"، إلى أنه "يمكن القول دون تردد بأن المقاطعة قادرة على مواصلة مسيرتها كدولة مستقلة، وذلك بناءً على مختلف الاعتبارات الاقتصادية، شريطة بقائها ضمن الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي؛ حيث قد تحتل هذه الدولة الجديدة المرتبة 13 من بين الدول الـ29 للاتحاد الأوروبي. وبغض النظر عمّا إذا كانت ستبقى جزءاً من إسبانيا أو ستنال استقلالها، غير أنّه يجب على كاتالونيا تعزيز استثمارها في رأس المال البشري والتعليم بهدف تجنب العودة إلى المنهجيات القديمة القائمة على المهن منخفضة الأجور، والتي أثبتت عدم كفاءتها في تحقيق النمو الاقتصادي".

لا يوجد حل سحري يضمن أن كاتالونيا -في حال انفصالها- ستكون قادرة على تحقيق استقرارها الاقتصادي، ولكن ثمة سمات بارزة تتشاركها عادة معظم المنظومات الاقتصادية المتطورة، وأبرزها التنويع والانفتاح على العالم مع ارتفاع مستويات الإنتاجية.

لكن لا يوجد حل سحري يضمن أن كاتالونيا -في حال انفصالها- ستكون قادرة على تحقيق استقرارها الاقتصادي، ولكن ثمة سمات بارزة تتشاركها عادة معظم المنظومات الاقتصادية المتطورة، وأبرزها التنويع والانفتاح على العالم مع ارتفاع مستويات الإنتاجية.

وبالتالي إن إمكانية بناء الدولة واضحة بالنسبة للكتالونيين، لكن دون ذلك عقوبات كثيرة يجب العمل على تخطيها، أهمها أمنية واقتصادية وسياسية، لكن تبقى المفاعيل السياسية لبناء هذه الدولة هي الأهم، لأن تخطي المطبات السياسية يؤشر إلى إمكانية بناء الدولة وتخطي العاملين الاقتصادي والأمني، فأية دولة لا بدّ أن تمر بمخاضات كثيرة قبل ولادتها، وأهمها يكون على الساحة السياسية من خلال الاعتراف بها بعد تخطي كل المعوقات الأخرى.

*خامساً: الاعتراف بالكتالونيين

بناء الدولة من الناحية القانونية والسياسية يحتاج إلى إقليم، وشعب وسلطة، موجود لدى كتالونيا، فالدولة هي عبارة عن مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية وتهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها.

 كما أن لديها خارطة جغرافية تمكنها من الانفتاح على محيطها سواء عبر البحر أو الجو، لكن ذلك لا يمكن إتمامه دون الاعتراف بها دولياً، فاستقرار هذه الدولة واستمرارها يعني ضرورة هذا الاعتراف من بقية دول العالم، فعناصر البناء غير كافية على الصعيد الدولي بل لا بد من اعتراف المجتمع الدولي بهذه الدولة، لإكسابها الشخصية القانونية؛ بل لا بد من إجراء قانوني من قبل هذه الدول يمنحها هذه الصفة ويطلق على هذا الإجراء "الاعتراف".

الاعتراف بالدولة هو التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود جماعة بشرية، فوق إقليم معين، تتمتع بنظام سياسي واستقلال كامل وتقدر على الوفاء بالتزامات القانون الدولي.

والحديث عن هذا الاعتراف وأهميته، يكمن في أنه تعبير عن إدارة دولة معينة، بأنّ وضعاً قانونيا أو واقعيا قد أصبح قائماً. ويعتبر الاعتراف أمراً هاماً في المجتمع الدولي المعاصر، الذي يتكون في جانب كبير منه من دول مستقلة ذات سيادة، وتملك كل دولة في هذا المجال، حرية اختيارية وسلطة تقديرية واسعة، لدرجة أنه يمكن القول أن الاعتراف هو مسألة سياسية أكثر منها قانونية. فالاعتراف بالدولة أو بالحكومة هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، يتم اللجوء إليه استناداً إلى بعض اعتبارات الملاءمة السياسية.

وللدولة أن تعترف – صراحةً أو ضمنا ً– فردياً أو جماعياً (من خلال الأمم المتحدة) بأي واقعة أو موقف قانوني أو فعلي، بل يمكن أن يصبح الاعتراف مصدراً لحقٍ أو لالتزامٍ قانونيٍّ ، إذا اتجهت النية إلى إنشاء حق أو التزام، كما أنه يمكن أن يكون برهاناً على واقعة أو مجموعة من الوقائع التي تتوقف قيمتها الإثباتية على الظروف المحيطة بها؛ وقد يلعب الاعتراف دوراً هاماً في تفسير وثيقة أو عمل قانوني أو سلوك معين.

الاعتراف بالدولة هو التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود جماعة بشرية، فوق إقليم معين، تتمتع بنظام سياسي واستقلال كامل وتقدر على الوفاء بالتزامات القانون الدولي.

وقد عرّفَ مَجمع القانون الدولي الاعتراف بالدولة بأنه "التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود جماعة بشرية، فوق إقليم معين، تتمتع بنظام سياسي واستقلال كامل وتقدر على الوفاء بالتزامات القانون الدولي".

كما أن الدول ليست مضطرة إلى الاعتراف بالدولة الجديدة لدى تكونها وظهورها وليس هناك في القانون الدولي ما يفرض عليها ذلك، فإن الدول تتمتع في هذا المضمار بالحرية الكاملة، فبدون التزام قانوني يجبرها بهذا الاعتراف فإن للدول مطلق الحرية في تقدير الظروف والأحوال التي أدت إلى نشوء الدولة الجديدة لتحدد موقفها منها، فتعترف بها، أو ترفضها، تؤجلها، كما أن الاعتراف بالدول يختلف عن الاعتراف بالحكومات.

ولكن... حتى الآن يواجَه إقليم كتالونيا برفض أوروبي وأميركي، وقد توالت المواقف الدولية والأوروبية المعارضة لإعلان هذا الاستقلال، والمشدّدة على "وحدة إسبانيا".

إذن، هذه هي الصورة الحالية لما يحصل على المستوى السياسي، وبعد أن أعلن الاقليم الانفصال، من طرف واحد، عقب تصويت سري، كان رئيس الوزراء الإسباني أن حكم القانون سيعود إلى إقليم كتالونيا، في وقت أقرَّ فيه مجلس الشيوخ الإسباني المادة 155 من الدستور، التي ستسمح للحكومة المركزية بتولي إدارة الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، وصدرت المواقف الأوروبية الرافضة، تبقى الانظار متجهة إلى ما قد يحصل في الأيام القادمة التي تنذر بخوف كبير من وقوع مواجهات عسكرية بين الطرفين، إلا في حال تدخل دبلوماسي سريع يثبت السلام بينهما.

2017-10-28