ارشيف من :ترجمات ودراسات

المرجعية السياسية السعودية وأهليَّتُها.. في خطر؟!

 المرجعية السياسية السعودية وأهليَّتُها.. في خطر؟!


باحث في إدارة المنظومات والشؤون الاستراتيجية

على وقع التغيُّرات الداخلية والخارجية، كلامٌ كثير في الآثار والدلالات. هو النظام السعودي التقليدي يعيش مخاض التغيير الذاتي. انقلابٌ يقوده محمد بن سلمان وبغطاءٍ غربي، لا يهدف فقط للقضاء على النظام الوهابي الذي انتهى دوره مع انتهاء داعش، بل يهدف أيضاً للحرب على الأسباب التي كانت وراء فشل المشروع الغربي ككل. لذلك فأعداء اليوم هم إيران وحزب الله. ويوماً بعد يوم، يبدو واضحاً فقدان السعودية لأهليتها في كونها مرجعية السياسية. وهو ما سيكون له نتائج عدة على الساحة اللبنانية. فماذا في التغيُّرات الداخلية التي يُجريها ابن سلمان وآثارها؟ وكيف تطورت التوجهات الخارجية مع التغيُرات الإقليمية؟ وما دلالات ذلك؟

 المرجعية السياسية السعودية وأهليَّتُها.. في خطر؟!

 

التغييرات الداخلية

التغييرات الداخلية التي يُجريها محمد بن سلمان تطال كل مفاصل الحُكم الأساسية عبر تبديل ركائزها وتركيباتها. يهدف هذا التغيير الى استبدال الأصول والتقاليد الموجودة في الحكم حالياً الى أصول وتقاليد غربية. وبالتالي تحويل النظام السعودي الى نظام شبيه بالنموذج الإماراتي. لكن المشكلات التي ستنتج عن ذلك تتخطى حدود البيت الحاكم. ولها العديد من الآثار، نُشير لها في التالي:
أولاً: على الصعيد السياسي الداخلي وهو الأهم لارتباطه بالحكم وبالتالي مفاصل الدولة، أنهى محمد بن سلمان التركيبة السياسية التي رسَّخها الملك عبد الله الراحل. وبالتالي أنهى كافة الأجنحة السياسية الموجودة والتي تتفرع من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود (آل عبد الله، آل طلال، آل فيصل...) وتضم في طبقة الأحفاد ستة آلاف شخص يحملون لقب أمير. كان لهذه التركيبة السياسية الفضل الأساس في تأمين الاستقرار السياسي للمملكة عبر تمكينها من إدارة التوازنات وتوزيع السلطات.  
ثانياً: على الصعيد العسكري وهو المُرتبط مباشرةً بالتوزنات السياسية الداخلية، اعتمدت سابقاً تركيبة الجيش أو ما يُعرف بـ "الحرس الوطني" على نتائج التفاهمات السياسية الداخلية. وبالتالي أنهى ابن سلمان قوة الجيش بعد أن ضرب هذه المعادلة من خلال إحداث تغييرات لا تراعي قاعدة التوافق بين أبناء القبائل.
ثالثاً: على الصعيد الاجتماعي، يهدف ابن سلمان لتحجيم المرجعية الدينية وأثرها على الحياة الاجتماعية. وبالتالي طوى صفحة طويلة من سلطة آل الشيخ والبيت الوهابي على الحكم ومتفرعاته لا سيما الدينية والاجتماعية والسياسية. وهو ما سيُحدث فجوة كبيرة بين الواقع الحالي والواقع المنشود لا سيما اجتماعياً.

 المرجعية السياسية السعودية وأهليَّتُها.. في خطر؟!


رابعاً: على الصعيد الاقتصادي، وهو المرتبط بالأوضاع كافة، اعتمد ابن سلمان على فرض تنازل أكبر المستثمرين من الأمراء عن ودائعهم لصالح الدولة كأصول. وهدف من ذلك لكسر كل أصحاب النفوذ الإقتصادي من الأمراء لا سيما في القطاع الخاص والذي يسعى لتأميمه. لكنه بالنتيجة أفقد ثقة المملكة بالمستثمرين، على الرغم من رفعه للأصول المالية للدولة بشكل كبير.
إذن، أنهى ابن سلمان اللعبة الداخلية التقليدية القائمة على التحالفات لصالح تفرده بالسلطة. وأنهى معها تقاسم النفوذ ليُصبح النافذ الوحيد. وبالتالي أدخل السعودية في إشكالية ركاكة النظام البديل ومدى فعاليته في تأمين تماسك الحكم وإدارة الدولة وتوجهاتها كافة.

التوجهات الخارجية: المرحلة الأولى من التصعيد

 المرجعية السياسية السعودية وأهليَّتُها.. في خطر؟!

يُمكن تقسيم التوجهات الخارجية الى مرحلتين. مرحلة تتعلق بالفترة التي وصل فيها محمد ابن سلمان الى الحكم عام 2015، والفترة التي تلت تعيينه كولي للعهد خلال العام الحالي.
فيما يخص الفترة الأولى اتخذت السعودية خيارات إقليمية بنيوية، حيث تم التراجع عن كل التوجهات الخارجية التي كان يعتمدها الملك عبد الله والقائمة على تحديد مصلحة السعودية مع العدو والصديق. وهو ما حصل من خلال:
أولاً: تفعيل الصراعات العسكرية في المناطق التي تعاني من أزمات (سوريا، العراق...) وتراجع الخيارات السياسية بعد أن كسرت سياسات الرياض إمكانية التوافق مع أي طرف يُمثل قوة إقليمية لا سيما إيران.
ثانياً: أنهت الصراعات العسكرية والميدانية دور الرياض بعد فشلها في كافة الرهانات. وخلا المشهد الإقليمي من أي دور للسعودية ميدانياً سوى التصعيد الإعلامي. وبقيت ساحة اليمن نتيجة استمرار العدوان، الساحة الوحيدة التي لم يُحسم فيها المشهد والصراع على الرغم من تحول قوة اليمن الى كابوس للسعودية.
بالنتيجة أيقنت السعودية خلال الفترة الماضية فشل خياراتها وانتهاء دورها السياسي في عدة ساحات.

المرحلة الثانية والانقلاب على الأسس محلياً وإقليمياً

منذ انتهاء المرحلة الأولى وحتى قبل انقلاب محمد بن سلمان الحالي، ساد السعودية ترقُّب للمشهد الإقليمي لم يُخفِّف من عداونية المشهد اليمني. تسارعت التطورات في كل من العراق وسوريا وتبيَّن أن النتائج أنهت الدور السعودي. حينها قرَّر محمد بن سلمان وبتغطية غربية واضحة، التوجه نحو خياراته الأخيرة. فلم يعد صمت الغرب وتحديداً أمريكا عما يجري في الرياض غامضاً. إتُخذ القرار بتغيير النظام السعودي الذي استخدم الوهابية أداةً لتعزيز نفوذه الإقليمي. الوهابية التي بقيت لسنوات تخدم المصلحة الغربية في تأجيج الخلافات في الشرق الأوسط وعلى أُسس مذهبية. انتهت بخسارة داعش وبالتالي انتهى معها نظام الحكم الوهابي الذي أتى بها من رحم القاعدة. واليوم يجري التساؤل عما يعنيه ذلك إقليمياً؟ وهل تتجه الأمور الى حربٍ أم إلى تسوية؟
من خلال العودة الى الأحداث الأخيرة، يمكن القول أن ما يجري اليوم هو امتداد لمسارٍ سياسيٍ بدأ منذ ما سُمي بالربيع العربي.

 المرجعية السياسية السعودية وأهليَّتُها.. في خطر؟!

حينها أراد المُخطط تأجيج الصراعات في المنطقة لصالح الكيان الإسرائيلي عبر تدمير محور المقاومة، وتحديداً إيران وحزب الله. ظن المُخطط حينها أن استنزاف المنطقة سياسياً وأمنياً وما تلاها من حرب الاستنزاف العسكري في سوريا والعراق ستؤتي ثمارها. فكانت النتيجة معاكسة تماماً. إيران أقوى إقليمياً ودولياً، وحزب الله أقوى عسكرياً وسياسياً وارتفع دوره المحلي والإقليمي. تطورت الأحداث، وتسارعت النتائج. انتهى رهان المشروع الأمريكي في سوريا، والصورة التي تحكم المشهد الإقليمي اليوم، حلفاء أمريكا لا سيما السعودية غائبون عن المشهد الإقليمي في ظل تعاظم الدور الإيراني. فيما يُمثل حزب الله المشكلة التي لا يمكن حلَّها. خرجت اجتماعات رؤساء أركان دول التحالف العربي والأمريكي في الرياض بداية العام ثم في واشنطن منذ أشهر، لاعتبار حزب الله وإيران الخطرين الأساسيين. لم يكن شيئاً جديداً لكنه أوحى بشيءٍ جديد.
اليوم يُشكل الحدث السعودي بداية تحولٍ بدأ بإنهاء نظام آل سعود الوهابي، بعد أن انتهت أدواره مع انتهاء داعش. لكن ذلك لا يعني السكوت عن أسباب أزمات المشروع الأمريكي. هم إيران وحزب الله. يحتاج الأمر الى إعادةٍ لخلط الأوراق وبشكلٍ يُحدث صدمةً للجميع. والمطلوب هو انتظار كيفية تدحرج الأمور، مع مراقبة الأحداث بدقة. وانتظار هفوات الأطراف في ردات فعلها ودلالاتها كنقاط ضعف. فقد يكون التصعيد السعودي محاولة لكسب أوراق في السياسة، لكن ذلك صعب في ظل تعارض المواقف وتراجع القواسم المشتركة بين الأطراف. وقد تؤول الأمور الى حرب لم يتم تحديد شرارتها حتى الآن حيث يرفضها الجميع.
وبين الاحتمالين تعيش الساحة اللبنانية اليوم نتائج استقالة الرئيس سعد الحريري، والتي يبدو أنها جاءت ضمن مسار تصفية الحسابات السعودية محلياً وإقليمياً فيما لم تُفلح السعودية في إخراجه. لتكون الحريرية السياسية بحسب ما يبدو ورقة تتمايل مع التوجهات السعودية داخلياً وخارجياً. لكن الخطر يكمن في قلة الوعي السياسي للأمور، ورهان البعض على الدور السعودي.
إذن تعيش الأمة اليوم مرحلة تبدو أكثر وضوحاً من سابقاتها من المراحل. وعلى قدر وضوحها تبرز صعوبتها. فلبنان البلد الصغير المُنخرط بسبب جغرافيته السياسية في لُعب الإقليم، لم يعتد أن يُدير شؤونه بنفسه. ومن العار أن يكون توصيف المشهد السياسي اللبناني الحالي، انتظارٌ لمن لا يملك قرار. ومن التفاهة أن يكون لدى البعض، خيار الإيمان بالمرجعية السياسية للرياض.
المشكلة أن المرحلة تتطلَّب جرأةً في المواقف. افتقدها الكثير من الساسة اللبنانيين، بل لم يحتاجوا إليها أيضاً، لوقوفهم خلف غطاء المرجعية السياسية.
اليوم، قررت السعودية رفع الغطاء، والمعركة باتت معركة صريحة. فهل يملك أحدٌ في لبنان جرأة أخذ القرار ضد مرجعيةٍ قررت الانتحار وفقدت أهليتها؟ هكذا أنهى ابن سلمان أهلية المرجعية السياسية للسعودية.

 

2017-11-11