ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: الرحيل البعيد

نقطة حبر: الرحيل البعيد
كتب حسن نعيم

"أدعو رحيلاً بعيداً لمن يملكون زوارقهم".
 تحمل هذه الإشراقة الشعرية من قصيدة "وتريات ليلية" لشاعر المنافي العراقي مظفر النوّاب دعوة مباشرة لكل الذين يحتفظون لأنفسهم بمساحة من الحرية والإرادة المتحررة من قوى الأمر الواقع, ويعيشون أحراراً في صياغة نظرتهم إلى هذا الكون والوجود والمآل.
إنها دعوة لئلا يتوقفوا عند حدود في مغامراتهم الحياتية العشقية الأبعاد، والوصول في هذه التجارب إلى غاياتها ومراميها البعيدة وتخومها القصيّة.
 ولكن من تراه يملك زوارقه وأدوات الإبحار الكافية لارتياد الموانئ النائية، الملكية بالفعل وليس بالقوة، لأن الله جلّ اسمه زوّد الانسان بالوسائل الذهنية والنفسية والشرعية الكفيلة بإيصاله إلى الغاية من خلقه وهي بحسب النص القرآني عبادة الله.
يذهب حكماء العالم الإسلامي إلى أن وجود الوسائل المعرفية الكفيلة بمعرفة الخالق وعبادته لا تعني استخدامها بالشكل القويم الموصل إلى الحقيقة, إما لعدم الرغبة في الإبحار لدخولهم في "المغضوب عليهم" الذين أغواهم الله بأعمالهم وبما ران على قلوبهم من صدأ الذنوب، أو بسبب انضمامهم إلى فئة الضالين الذين يصفهم القرآن الكريم بالذين "ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً".
بين هاتين دعوة شاعر إلى الإبحار البعيد، فـ"ما لعشق رسن" كما يقول في رسالة شعرية أخرى.
فيا أحرار العالم، يا من تمتلكون زوارقكم، تحضّروا إلى سفر يومي إلى منازلكم ومقاماتكم بهدي من الله. إنه ولي التوفيق.
الانتقاد/ العدد1274ـ 19 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-19