ارشيف من :مقاومة

إنزالات بعلبك تربك القوة الجوية وتزيد من انهيار المعنويات على كل الجبهات

إنزالات بعلبك تربك القوة الجوية وتزيد من انهيار المعنويات على كل الجبهات
دار الحكمة والعسيرة وبوادي.. فشل مثلث

إنزالات بعلبك تربك القوة الجوية وتزيد من انهيار المعنويات على كل الجبهات
تستغل القيادة العسكرية في أي حرب كل فرصة تسنح لها لإثبات قدرتها على تنفيذ ضربة خارج خط المواجهة وداخل خطوط العدو، وبهذا ترفع معنويات خطوطها الهجومية والدفاعية وتزيد من تماسك الجبهة الخلفية.
رئيس أركان حرب العدو خلال العدوان قرر خوض هذه التجربة بناء على معلومات "مؤكدة ودقيقة" عن وجود الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في منطقة البقاع، وتحديداً في محيط مستشفى دار الحكمة، وربما داخلها.. لكنه لم يحسب حساب "العدو".. الماهر في اصطياد طرائده..
ففي اليوم الحادي والعشرين أمضى الإسرائيليون سبع ساعات في محاولة للهروب من الهزيمة على جبهة الجنوب فقرروا تنفيذ إنزال في مدينة بعلبك.
لكن حساب الحقل لم ينطبق مع حساب البيدر، لأنه كما عادة هذه المدينة والمناطق المحيطة بها سهلاً وجبلاً.. غلالها عامرة بالوفاء والخير.. سبع ساعات خاضت فيها المنطقة المقصودة حرباً ضروساً أطلقت خلالها الطائرات الحربية والمروحية والاستطلاع الصهيونية آلاف القذائف، ونفذت في ظل القصف العنيف عمليتي إنزال في شمال غرب المدينة وشرقها.

دار الحكمة
عملية الإنزال الأولى جرت في محيط مستشفى دار الحكمة الواقع عند مدخل بعلبك الغربي الشمالي، والذي أفرغ من المرضى والأطباء والموظفين منذ بدء العدوان، لكونه يشكل هدفاً للعدو. وفي خطوة احترازية استبق العدو عملية الإنزال بقصف للطريق الدولية من عدة اتجاهات لقطع الطريق ومنع أي إمدادات.
ثم جرى تنفيذ الإنزال لفرقة بلغ عددها حسب الرواية الإسرائيلية 200 عنصر ينتمون إلى وحدة النخبة. فجوبهت القوة وسقط لها خلال المواجهات إصابات عدة أكدتها بقع الدم داخل المستشفى، حيث أمكن للقوة أن تدخل بعد مجابهة عنيفة وغارات اعتبرت من أعنف غاراته لسحب عناصره بعد أن باءت محاولاتهم بالفشل.. فالهدف كان سراباً.
أما في حيثيات الهدف، فالعدو كان يعتقد أن قيادياً ما من حزب الله يوجد داخل المستشفى، وبالتالي فالصيد بدا ثميناً.. ومن الممكن ان يشكل رافعة لمعنويات الجيش المهزوم. لكن حتى اليوم لم يتمكن العدو من معرفة ما الذي حصل؟ وما هي نسبة دقة المعلومات التي حصل عليها؟ وهل ضُلل أم استُدرج الى فخ؟
بعدما تبين خلو المستشفى جن جنون العدو، فأغارت الطائرات الحربية على كل شيء تحرك في كل محور غربي وشمالي بعلبك، مستهدفة السيارات والفانات والأطفال والنساء والرجال الذين حاولوا أن يبحثوا عن أماكن أكثر أمناً من منازلهم، فمنهم من هرب من بيوت الخيش في سهل بلدة إيعات للاختباء في إحدى الجور المجاورة، كحال عائلة طلال الشبلي (سورية الجنسية) التي ذهب منها سبعة شهداء، وعائلتي جمال الدين ومقداد من بلدة وادي الصفاء (الجمالية)، وكانوا يحاولون الانتقال إلى مكان أكثر أمناً (سقط منهم أيضاً سبعة شهداء).
والشهداء هم: طلال شبلي (40 عاماً)، وزوجته مهى شعبان العيسى (35 عاماً)، وأولادهما محمد (3 سنوات)، اسماء (5 سنوات)، مهند (13 سنة)، مؤيد (15 سنة)، ومصعب. (كما أصيب أيضاً مثنى وبتول الشبلي بجراح خطرة).
وفي بلدة وادي الصفا استهدف قصف الأباتشي مكسيم جمال الدين (17 عاماً) ومالك جمال الدين (28 عاماً) عند محاولتهما الانتقال الى منزل عمهما، فأصيبا إصابات مباشرة واستُشهدا على الفور. وخرج عوض قاسم جمال الدين (56 عاماً) وابنه حسن لمحاولة إنقاذ محتملة، فاستهدفهما صاروخ أدى إلى استشهادهما. في حين استهدفت طائرة أخرى منزل ناجي محسن جمال الدين (45 عاماً) فاستشهد مع ابنه محمد (13 عاما) وجاره حسين يوسف المقداد، وأصيب في الغارة عوض مصطفى جمال الدين.
كما أدت الغارات على محيط المستشفى الى استشهاد ثلاثة أشخاص هم طاقم الطوارئ المولج بحراسة المستشفى: عاطف أمهز ووسام ياغي ورضا مدلج. واستهدفت الطائرات المروحية سيارة على الطريق العام ما أدى الى استشهاد المواطنة نسرين سلوم وجرح علي عبد الله سعيد وحسن ناصيف وبشير نون وعلي أحمد مرتضى ومحمد حسين سلهب ولينا حسين جمال الدين.
الجمالية وحسن نصر الله
هل انتهى دور القوة الآتية من بعيد بعد السقوط في "كمين" دار الحكمة؟ لا، ففي المعلومات ان حسن نصر الله موجود في العسيرة.
انتهز العدو الفرصة وعمد الى عملية انزال ثانية في محور العسيرة شرق مدينة بعلبك، الذي كان تعرض الى أوسع عملية تدمير للمنازل السكنية، ودخل عناصر العدو الى منزل أحمد العوطة وباغتوا سكانه والجيران الذين احتموا فيه من صواريخ الغارات واختطفوا خمسة مواطنين مدنيين هم: حسن نصر الله وابناه بلال ومحمد، وصهرهما حسن البرجي، ومحمد شكر وصاحب المنزل أحمد العوطة. بعد المسير مسافة طويلة من أجل الوصول الى نقطة الالتقاء مع القوة الجوية لنقل الأسرى ترك الصهاينة محمد حسن نصر الله وطلبوا منه العودة، ثم ما لبثوا أن أطلقوا النار عليه بغية قتله، لكنه نجا بأعجوبة.
تجدر الإشارة إلى ان جنود العدو عمدوا بعد تكبيل الأسرى الى حبس النساء في غرفة وطلبوا منهن عدم مغادرة المكان إلا بعد نصف ساعة، ولكن إخلاء النسوة المكان عند مغادرة العدو للمنزل، أنقذهن من مجزرة حقيقية، إذ عمد الإسرائيليون إلى قصف المنزل وتدميره بعد دقائق من إقلاع الطائرة المروحية.
اما الحكاية فلم تنتهِ هنا.. فالأمين العام لحزب الله في طريقه الى تل أبيب وعدسات الصحافيين تبرق بانتظار اللقطة الأولى لحسن نصرالله مكبلاً!!
ولكن كما قلنا في البداية، حسن نصر الله لم يكن حسن نصر الله.. وكان على حالوتس الدخول مجدداً الى المستشفى بسبب ألم في معدته، سببه أسر سميّ الأمين العام لحزب الله.. فالضربة لم تكن فاشلة فقط، بل كانت إخفاقاً جديداً لسلاح الجو الذي يتحدر منه قائد الأركان، وبالتالي فإن الفشل سينسحب على حالوتس.. فهل تعلم الدرس جيداً؟
إنزال بوداي
إنزالات بعلبك تربك القوة الجوية وتزيد من انهيار المعنويات على كل الجبهات
لم يتعلم حالوتس الدرس، فبعد أن أعلن وقف العمليات العسكرية في لبنان وبعد ان تكشفت هزيمة العدو خلال 33 يوما، حاول ان يعوض بعض ما فاته بإنزال دار الحكمة, فأقدم فجر السبت الواقع فيه 19/8/2006 على عملية انزال كبيرة في منطقة بوداي الواقعة غربي مدينة بعلبك وسط تحليق مكثف للطيران الحربي والمروحي، فأرسل قوة كومندوس خاصة إلى منطقة سهل بوداي ظنا منه ان المقاومين بعد وقف العمليات الحربية قد استسلموا للراحة، الا ان المجاهدين كانوا ما يزالون على أهبة الاستعداد، فوقعت القوة الخاصة الصهيونية في كمين محكم ودارت اشتباكات عنيفة استخدم خلالها المجاهدون مختلف انواع الاسلحة، سقط نتيجتها للقوة المهاجمة قتلى وجرحى، وتأكد مقتل ستة منهم, بينهم المسؤول المباشر عن عملية اختطاف الأسير المحرر الحاج مصطفى الديراني. وعندها تدخلت طائرات العدو لمساندة القوة المستهدفة ولإخراجها من ساحة المعركة.
وتحت غطاء كثيف من النيران عملت هذه الطائرات على إجلاء المصابين والقتلى، ومن ثم الانكفاء عن المنطقة مخلفة وراءها الكثير من الأدوات الطبية التي استخدمت في إسعاف جنود العدو المصابين، فيما لم يصب أي من المجاهدين بأذى.
تفاصيل إنزال بوداي
بدأ التمهيد لعملية الإنزال بعد سلسلة من الغارات الوهمية نفذتها الطائرات الحربية بدءا من الساعة التاسعة والنصف من مساء الجمعة على علو منخفض جدا شملت كل قرى غربي بعلبك، ثم ما لبثت ان أنزلت مروحيات العدو مجموعة من نخبها العسكرية في المنطقة الواقعة بين عيون السيمان وأفقا، وبقيت هذه القوة مرابطة حتى حوالى الساعة الثالثة من فجر السبت، ثم انطلقت بسيارات من نوع شيفروليه عسكرية ويرتدون لباس الجيش اللبناني, انطلقت تحت ظل طائرات الاستطلاع متخذة طريقا ترابية قريبة من مزرعة الضليل وصولا إلى بلدة السعيدة.
وعند الساعة الثالثة وخمس وأربعين دقيقة رُصدت من قبل مجاهدي المقاومة الإسلامية الذين نصبوا لها كمينا عند مثلث السعيدة بوداي العلاق، وعند وصول القوة إلى نقطة المكمن حاولت إيهام احد عناصره بأنها قوة صديقة، لكن الامر لم يلتبس على عناصر الكمين، فبادروا إلى إطلاق النار على السيارتين فأصابوهما إصابات مباشرة وأوقعوا فيهما ثمانية إصابات بين قتيل وجريح، ما أجبرهما على تغيير وجهة سيرهما. وهنا تدخلت باقي الكمائن المنتشرة في سهل بوداي وباشرت بإطلاق النار باتجاه القوة الإسرائيلية، وعلى الفور تدخلت المروحيات والطائرات الحربية بعنف وقصفت محيط القوة وأمنت حزاما ناريا حمت خلاله قوة الكومندوس من محاولات الإجهاز على من تبقى منها.
وألقت المروحيات عشرات الصواريخ على كل الأجسام في محيط وجود القوة، وبسبب كثافة النيران التي أطلقها المجاهدون باتجاه الطائرات والكومندوس لم تتمكن مروحيات الأباتشي برغم حداثتها وقدرتها القتالية من إصابة أي موقع أو أي فرد من أفراد المقاومة، برغم استمرار المواجهات ستا وأربعين دقيقة.
وبعد إفشال الإنزال الذي بحسب الظاهر كان يهدف إلى عملية أمنية, عمل مجاهدو المقاومة على الكشف على مكان الاشتباكات ومكان هبوط المروحية وسط حصيد القمح، فعثروا على تسع بقع دماء كبيرة في أماكن مختلفة وبعض الأشلاء المتناثرة وبوصلة لتحديد مكان القوات وأدوات لتركيب الأمصال وأجهزة للتنفس الاصطناعي ومخدر للألم ومضادات حيوية وضمادات جروح وأدوات متنوعة، إضافة إلى حقن وأنابيب.
مما لا شك فيه أن قصة إنزال بوداي سيرويها جنود نخبة العدو إلى زملائهم لأخذ العبر مستقبلا.
السيد نصرالله يعلق على إنزال بعلبك
إنزالات بعلبك تربك القوة الجوية وتزيد من انهيار المعنويات على كل الجبهات
سماحة السيد حسن نصر الله علق على الإنزال في بعلبك فقال: الإنجاز الثاني المهم الذي حققه العدو هو الكوماندوس الليلي على مدينة بعلبك، هذا الكوماندوس الليلي الذي عرضت علينا في التلفزيون بعض مشاهده. هم قاموا بإنزالين هناك، والإنزالان في اطراف مدينة بعلبك وليس في قلب مدينة بعلبك، يعني في جوار أو يستهدف مستشفى دار الحكمة التي هي في اطراف المدينة. والإنزال الثاني في حي في أطراف مدينة بعلبك.
الإنزال الاول استهدف مستشفى انظروا الى هذا الانجاز العظيم، قوة كوماندوس اسرائيلية عشرات الطائرات الحربية والمروحية تنزل جنودا وضباطا لمهاجمة مستشفى في أطراف مدينة بعلبك وليس لمهاجمة موقع عسكري ويدخلون الى المستشفى وهي مستشفى ويقولون انهم دخلوا الى المستشفى للحصول على معلومات مهمة مخبأة هناك، ومع ذلك هم دخلوا المستشفى وأطلقوا النار في غرفها وألقوا القنابل اليدوية في غرفها، وهذا في كل الاحوال هو اخفاق عسكري وإخفاق معلوماتي لعدة ساعات بقي هذا الانزال وبقيت المواجهة في محيط المستشفى التي بدأت بمبادرات من المقاومين او المجاهدين الذين يوجدون عموماً في تلك المنطقة، وهو إخفاق معلوماتي ايضاً.. انزال عظيم يستهدف مكان ثم يتبين ان ليس فيه احد من القياديين وليس فيه احد حتى مدير المستشفى غير موجود وليس فيه احد من جرحى المقاومة.. تصوروا إنزال ويريدون اخذ جرحى المقاومة وهم يعجزون عن مواجهة شباب المقاومة في بنت جبيل وعيتا الشعب والطيبة، ولكنهم ينزلون في المستشفى ليأسروا جرحى المقاومة. والمفاجأة كانت ان المستشفى خال إلا من كادر من أربعة او خمسة اشخاص كحالة طوارئ، لأننا كنا نتصرف على قاعدة أنه لا يوجد حرمات ولا محرمات ولا قيم اخلاقية لهذا العدو، وبالتالي هذه المستشفى كان يمكن ان تتعرض للقصف او لأي تهديد آخر.
الإنزال الثاني كان في احد الاحياء المجاورة لمنطقة جبلية في مدينة بعلبك، وهناك ايضاً قام سلاح الجو قبل الانزال بتدمير عدد من المنازل المحيطة والقريبة من المنزل المستهدف، ثم أنزل ضباطه وجنوده ليدخلوا الى منزل مدني تجتمع فيه مجموعة من العائلات ورجال ونساء وأطفال ليقوم بخطف عدد من هؤلاء الرجال وكل القصة ما هي؟ خطأ في الاسم، أنا أعرف ونحن كلبنانيين لدينا هذه المشكلة، انه أحياناً في المطار وعلى الحدود يجري توقيف احد ما يتم احتجازه، ونتيجة ان لديه اسماً مشتركاً مع اشخاص آخرين وقد يأخذوا وقتهم للتدقيق لمعرفة اسم الاب او الام وتاريخ الولادة، وهل هو الشخص المقصود، اليوم عملية عظيمة جداً وكوماندوس كبير جداً يجري في ذلك الحي من مدينة بعلبك ويستهدف رجلاً كبيراً وعزيزاً وصاحب عائلة ورجل مكب على عائلته، ذنبه الوحيد ان اسمه حسن نصر الله.
هذه هي استخبارات العدو، هذا هو موساده وعظمته الأمنية، وهذا هو جيشه العظيم وبالتالي يخطف هؤلاء المدنيين.

الشيخ يزبك
إنزالات بعلبك تربك القوة الجوية وتزيد من انهيار المعنويات على كل الجبهات
وتحدثت معلومات ان الانزالات استهدفت الشيخ محمد يزبك الذي علق في حديث لـ"الانتقاد" أيضاً:
إن العدو الإسرائيلي هو من كبر حجم الموضوع، انا لي شرف ان اكون الى جانب المقاومين، هذه رغبتي وما أحبه، مع الأسف لم أوفق في ان أكون معهم في المواجهات. الاسرائيلي حاول جاهداً ان يعمل شيئاً في هذا الباب بهدف ضرب المقاومة وحزب الله.. ولكن الحمد لله لم يوفقوا، لكن دائماً كنت مع المقاومين فقلبي وهواي معهم وكنت أدعو لهم بالليل والنهار وفي صلاة الليل، وببعض الدموع كنت أتحسر لأن أكون معهم، نحن نفهم من اليوم الأول الذي اخترنا فيه هذا الطريق، اننا في أي لحظة سنواجه العدو، وبالتالي لم يتغير بالنسبة لنا أي شيء لا الإنزال ولا المطاردة.
هل شعرت بانتصار آخر على الإسرائيلي عندما لم يستطع النيل من شخصكم؟
حقيقة لم يقدم او يؤخر شيئاً عندي بقدر ما ان المقاومة هي التي انتصرت عليه طبيعي شعرنا بأن الله معنا.
نحن كنا نخوض معركة علينا جميعاً، فالإخوان الذين سقطوا في المواجهات ان في الجنوب او في مستشفى الحكمة ومحيطها بالنسبة لي مشاعري تجاههم واحدة، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، والحمد الله الإخوة الذين جاهدوا واستشهدوا أعطونا معنويات، وفتحوا عيوننا على واقع جديد ورؤية جديدة للمستقبل، وما دام الإنسان مع الله فلا يبالي أوَقَع على الموت ام وقع الموت عليه.

تحقيق وتصوير: عصام البستاني

2009-08-15