ارشيف من :مقاومة

من دفتر مجاهد في الوعد الصادق: محيبيب 2 آب 2006

من دفتر مجاهد في الوعد الصادق: محيبيب 2 آب 2006

كتب واحد من رجال الله في حرب تموز:

قسّمنا المناوبات علينا نحنُ الثلاثة؛ ربيع، وإبراهيم، وأنا، كل فرد منا يحرس لساعتين، فجميع المجموعات على أهبة الاستعداد للمواجهات المباشرة مع العدو.

بعد مرور عدة أيام على الحرب، كانت الحياة شبه طبيعية عند أبنائها، فبعضهم كان يجتمع في الساحة تحت هدير طائرات الاستطلاع والحربي التي لم تغادر السماء، ولكن عندما بدأت صواريخُ العدو تسقطُ في البلدة، قرر جزء منهم المغادرة، وبقي البعضُ الآخر.

في تلك الليلة المُشتعلة بالقذائف، علمنا بتقدم إسرائيلي باتجاهنا، والتشويش الذي سيطر على أجهزتنا اللاسلكية أثبت ذلك. تناوبنا على الحراسة كالمعتاد، وبعد منتصف الليل أخبرني إبراهيم انه يسمع صوتا في الخارج، قمتُ بسرعة وفي بالي أنه رسول لإحدى المجموعات. اقتربتُ خلسة من الباب فإذ بي أرى جندياً يجلسُ ويحاول فتح الباب، وبالقرب منه ثلاثة جنود عكستْ ضخامتهم حجم عتادهم الكبير، ترافق ذلك مع صوت مشي سريع على السطح.

نادى ربيع المجموعات المُساندة، فيما هيأت وإبراهيم سلاحينا، وبلحظةٍ فجّر العدو الباب بعبوة ناسفة، فتح على إثرها إبراهيم النار بسرعة، وساعده ربيع بذلك، فيما أصبت أنا بقنبلة يدوية رماها العدو من الشباك.

لم يتوقف الاشتباك بيننا، حتى بعد إصابة إبراهيم أيضاً في قدمه، وبدأنا بالانسحاب عبر السطح. السلاحُ بيد، وبالأخرى نساعد بعضنا البعض حتى وصلنا إلى الجهة المشرفة على الحرج.

الليلُ أنير بالقنابل المُضيئة، وصوت طائرة الاستطلاع المنخفضة يصمُّ الآذان، والرصاصُ الغزيرُ ينتشر في جميع الاتجاهات، والجنود يلحقون بنا، ونحنُ على ارتفاع خمسة أمتار، والجرح الساخن ينزفُ بشدة.

كان هناك حبلُ غسيلٍ عليه بعض الثياب، فربطنا الثياب بعضها ببعض ومن ثم بالسلاح، وساعدنا إبراهيم بالنزول أولاً، ومن ثمّ قفزتُ وربيع وبدأنا بالركض السريع منخفضي الرؤوس، حتى وصلنا إلى شجرةٍ احتمينا بجذعها وربطنا مكان إصابة إبراهيم الذي عجز عن متابعة الطريق.

كان يجب أن نأتي بإمدادتٍ، ولكن الطريق طويل ومحاصر، فتابعنا الانسحاب إلى مكانٍ آمن يَبعد مئة مترٍ عن مكان المواجهة، حيث استطعنا الشرب وغسل الدماء. وقف إبراهيم وبدأ برصد المكان، وسرعان ما استهدف بالرصاص، فانتشرنا سريعاً، ثم أشرت لربيع أن يركض باتجاه الحرج القريب، فيما الطيران الحربي أغار على بقعة وجودنا أكثر من مرة.

توسعت دائرة المواجهات في القرية، ولم أعرفْ أي شيء عن إبراهيم الذي ركض باتجاه معاكس، والوجعُ تسّرب إلى روحي من إصابتي التي بردت، فساعدني ربيع للوصول إلى مدخل منزل، حيثُ نمتُ وهو يحرسني.

في اليوم التالي كان القصفُ قد هدأ وبدأنا نسمعُ حتى الساعة الثالثة من بعد الظهر طلقات متفرقة من الرصاص، فخرج ربيع ليجلب الماء، فوجد بالقرب من البئر غالوناً مليئاً حمله إليه، وترك معي علبة من التونا، وأعطيته درعي ليتوجه إلى القرية ويخبر الأخوة بإصابتي.

عندما لم يعد ربيع زحفتُ صوب باب المنزل وفتحته، ودخلتُ وغسلتُ جراحي. بقيت هناك ثلاثة عشر يوماً لا أعرف شيئاً عمّا يدور في القرية.

سبعة أيام مرت كنتُ أعجز خلالها عن الوقوف. وقسمتُ طعامي وهو عبارة عن أوقية واحدة من اللوز، فكنتُ آكل في كل يوم قطعتين صغيرتين جداً، وأبلل شفاهي بالماء.

وفي صباح أحد الأيام، استيقظتُ على صوت سيارة بعيدة، وقفت بالقرب من النافذة فكانت لرجل مدني يتجه إلى البلدة، فعرفتُ حينها ان الحرب انتهت، خرجت من المنزل على عجل، فهالني ما رأيتُ، كانت البلدة قد جرفتْ، والبيوت تهدمت.

بقيتُ هناك لمدة يومين، عرفتُ أن ربيع قد احتجز أيضاً في مكان لم يستطع الخروج منه، وساعدتُ المجاهدين بسحب الشهداء... كان أحدهم صديقي؛ إبراهيم خلف.


2009-08-15