كشف تقرير لمنظمة أبحاث النزاعات المسلحة “كار” صدر أول أمس الخميس أن معظم الأسلحة التي استخدمها ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية ـ "داعش" في سوريا والعراق كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد قدمتها إلى جماعات المعارضة المسلحة التي تقاتل الرئيس بشار الأسد.

وتستند النتائج التي توصلت إليها منظمة "كار"، وهي منظمة بحثية مستقلة متخصصة في تتبع الأسلحة في الصراعات، إلى ثلاث سنوات من توثيق دقيق للأسلحة التي تم استردادها من "داعش" في ساحات القتال في العراق وسوريا.

وذكر التقرير ـ الذي نقلته شبكة قنوات NBCnews الأمريكية ـ أن بعض الأسلحة التي اشتراها الجيش الأمريكي في عام 2015 ـ من بينها صاروخ مضاد للدبابات ـ كانت في أيدي مقاتلي تنظيم "داعش" في غضون شهرين.

استخدمت منظمة "كار" الأرقام التسلسلية أو العلامات الرئيسية على الأسلحة؛ لتتبع مصدرها الرئيسي، ومحاولة جمع المعلومات؛ لمعرفة كيف وصلت إلى أيادي مسلحي "داعش".

إلى جانب الأسلحة أمريكية الصنع، تشير الأدلة التي جمعتها المنظمة إلى أن الولايات المتحدة قد حولت أيضًا أسلحة وذخائر أوروبية الصنع إلى مجموعات المعارضة في الصراع السوري، وقد حصلت قوات "داعش" على كميات كبيرة من هذا العتاد، سواء في ساحة المعركة بالقوة، أو من خلال تغيير الولاءات والتحالفات داخل مجموعات المعارضة السورية.
وقالت "كار" إنها تتبعت على نحو مماثل العديد من القطع التي استخدمتها "داعش"، ووجدت أنها تعود إلى صادرات من بلغاريا إلى السعودية.

ونقلت NBCnews عن داميان سبليترز، الباحث لدى منظمة "كار" في العراق وسوريا، قوله: "هذا الوقت القصير للغاية يعني أنه لا يوجد وسطاء كثيرون في سلسلة الإمدادات هذه".

وفي إطار برنامجين مختلفين، قامت الحكومة الأمريكية بتزويد جماعات المعارضة المسلحة في سوريا بالأسلحة، أولاً لمحاربة نظام الأسد، ومن ثم مساعدة تحالف قوات سوريا الديمقراطية في قتاله ضد تنظيم "داعش".

ويعتقد أيضًا ـ وفقًا للتقرير ـ أن بعض أسلحة "داعش" تم نهبها من المخازن العسكرية للجيشين العراقي والسوري، بينما تم شراء البعض الآخر بطريقة غير مشروعة.

وأفاد تقرير "كار" أن الشرطة العراقية عثرت على أنبوب صاروخ بلغاري الصنع، وهو جزء من نظام لإطلاق صواريخ موجهة مضادة للدبابات ـ خلال معركة الرمادي في 9 شباط/ فبراير عام 2016.

وقامت "كار" بتوثيق هذه القطعة، وتتبعت مصدرها، وصولاً إلى الشركة البلغارية المصنعة. وأكدت الشركة لباحثي المنظمة أن هذا السلاح قد تم تصديره إلى الجيش الأمريكي من خلال وسيط أسلحة في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2015.

ومع ذلك، نشرت جماعة مسلحة سورية تسمى "جيش النصر" مجموعة من الصور في 21 كانون الاول/ ديسمبر 2016، تظهر مقاتلين في منظر طبيعي ثلجي. ويتبين من الفحص الدقيق أن إحدى أسلحتهم المضادة للدبابات تحمل رقمًا متطابقًا ومتسلسلاً مشابهًا للقطعة التي ضبطت في العراق.

وهذا يشير، كما يقول التقرير، إلى أنهم كانوا جزءًا من سلسلة التوريد نفسها. وذكرت "كار" أن الولايات المتحدة لم تستجب حتى الآن لطلب تتبع للسلاح. كما رفضت شركة “Kiesler Police Supply”، التي قالت "كار" إنها توسطت في بيع الصواريخ المضادة للدبابات إلى الجيش الأمريكي، التعليق على التقرير.

واستنادًا إلى أنبوب الصواريخ المضادة للدبابات الذي عثر عليه في الرمادي وغيره من الأمثلة على الأسلحة التي تم شراؤها من قبل الموردين الأمريكيين من الشركات الأوروبية، تقول "كار" إن هناك أدلة على أن العديد من الأسلحة التي حصلت عليها جماعات معارضة سورية مختلفة مدعومة من الولايات المتحدة، وصلت إلى "داعش".

وقال "إريك باهون"، المتحدث باسم البنتاغون، عندما طلب منه التعليق على موضوع الأسلحة التي اشترتها الولايات المتحدة والتي يحتمل أنها وصلت في نهاية المطاف إلى أيدي "داعش": "أن أي ادعاء بسوء استخدام أو تحويل الدعم الأمريكي سوف يؤخذ على محمل الجد، وسيؤدي إلى تقليص محتمل للدعم، إذا تم التحقق منه "، وأضاف أنه لم يطلع على تقرير منظمة "كار".

وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ـ "CIA" تدير برنامجًا سريًّا لتسليح بعض الجماعات المعارضة التي تقاتل قوات النظام السوري، إلى أن أفادت التقارير أن إدارة ترامب خفضت تلك الإمدادات في تموز/ يوليو. ورفض المسؤولون الحكوميون والعسكريون في الولايات المتحدة التأكيد على وجود مثل هذا البرنامج، على الرغم من أن الرئيس دونالد ترامب كتب عنه في حسابه على تويتر هذا العام.

ومن جانبه، قال "تشارلز ليستر"، الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن "جيش النصر" كان واحدًا من أهم المجموعات “التي تتلقى الدعم في إطار هذا البرنامج الأمريكي”، مضيفًا أن الجدول الزمني المقترح من قبل منظمة "كار" بشأن تتبع السلاح يبدو منطقيًّا، حيث إن المجموعة كانت تقاتل داعش خلال تلك الفترة الزمنية.

على نحو منفصل، بدأت إدارة ترامب هذا العام تسليح تحالف قوات سوريا الديمقراطية ـ وهو تحالف مسلح معارض من العرب والأكراد ـ على الرغم من أن وزير خارجية تركيا ادعى الشهر الماضي أن الإدارة أنهت برنامج التسليح، بعد أن تم دحر "داعش" من معظم الأراضي التي كانت تسيطر عليها.

وقال "باهون": "كلما كان الأمر ممكنًا، سيقوم مستشارونا بمراقبة استخدام الأسلحة والإمدادات التي نقدمها لتحالف قوات سوريا الديمقراطية؛ لضمان استخدامها فقط ضد داعش".

وقال الباحث البارز في معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام، "بيتر ويزمان"، إن "تقرير كار يظهر المخاطر الهائلة المصاحبة لتوريد الأسلحة إلى مجموعات غير مهيأة وغير مدربة بشكل جيد".

وتوضح "كار" أن إدخال أسلحة جديدة في النزاع السوري قد أدى إلى تطور كبير في "كمية ونوعية الأسلحة المتاحة لداعش".
في عام 2015، عثرت منظمة "كار" على سيارة أمريكية الصنع طراز M-16 في كوباني، سوريا، وتحمل اسم أحد قادة تنظيم" داعش".
كما وثق التقرير وجود أسلحة صينية وروسية ـ التي من المفترض أنها إمدادات روسية للنظام السوري ـ استخدمها تنظيم داعش في سوريا.

وقال التقرير إن "هذه النتائج تدعم افتراضاتنا بأن داعش استولت على جزء كبير من عتادها العسكري من القوات الحكومية العراقية والسورية".

روسيا هي الحليف القوي لبشار الأسد، وقامت بشن ضربات جوية في سوريا منذ أيلول/ سبتمبر، ونجحت بالفعل في تحويل دفة الصراع لصالحها.

كما يسلط التقرير الضوء على اتساع ترسانة "داعش"، حيث وجد باحثو "كار" صواريخ مصنوعة في يوغوسلافيا السابقة، وكذلك أسلحة وذخائر تم تصديرها من بلجيكا منذ أكثر من 30 عامًا. كما وجد باحثو المنظمة أسلحة تعود إلى قبل عام 1990، وهو العام الذي فرض فيه حظر توريد الأسلحة إلى العراق.

ووجد "جيمس بيفان"، مدير منظمة "كار"، بندقية مصنعة في فترة ألمانيا النازية عام 1941 في مخبأ لـ"داعش" في بغداد، إلى جانب 150 قطعة سلاح أخرى متفجرات يدوية.

وختم  "داميان سبليترز" إن "حقيقة استخدام داعش لأسلحة قديمة تدل على مدى طول الفترة الزمنية التي يمكن أن تعيشها قطعة السلاح، وتنتقل إلى ملاك مختلفين، وتستمر في إطلاق النار والقتل".