ارشيف من :ترجمات ودراسات

عقدة القدس بين العجز العربي وتصعيد المقاومة

عقدة القدس بين العجز العربي وتصعيد المقاومة

سركيس أبوزيد

لم تقدم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حججا مقنعة بشأن قراره نقل السفارة الأميركية الى القدس عاصمة "إسرائيل"، لناحية الجدوى السياسية من ھذا القرار والتوقيت والتوظيف. ومن جهة اخرى ادعت أن تأجيل نقل السفارة على مدى عقدين لم يساعد على إحلال السلام، وأن ھذا الإجراء الآن لا يعرقل ولا يسھّل عملية السلام ولن يعدّل من موقف واشنطن المعارض للأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في القدس الشرقية.

وأما الحوافز والأسباب التي دفعت ترامب الى اتخاذ ھذا القرار فأبرزھا:
- إرضاء القاعدة الإنجيلية المحافظة، ولا سيما أن نقل السفارة كان من وعود حملته الانتخابية وھو يريد تقديم صورة معاكسة لأسلافه في المؤسسة الحاكمة الذين استمروا في تأجيل مفاعيل قرار الكونغرس.
-  الھروب من مشاكله الداخلية وإرضاء اللوبي اليھودي.
-  إظھار الدعم لـ"إسرائيل " للحصول على تنازلات منھا في أي خطة أو صفقة محتملة لتسوية مع الفلسطينيين. فرغم الارتياح الظاھر الى إعلان ترامب وانعكاسه على مفاوضات السلام، وتحديدا لجھة أنه أرسى معادلة "لا مفاوضات ولا عملية سلام من دون القدس عاصمة لـ"إسرائيل" إلا أن ھناك شكوكا وھواجس في دوائر إسرائيلية لجھة أن تكون ھذه الھدية ليست مجانية وأن تكون "إسرائيل" مطالبة بإعطاء مقابل لاحقا، إن في موضوع المستوطنات أو في القدس نفسھا.
- منع وصول إيران الى حدود "إسرائيل" مع سوريا.
- إقامة حزام أمني في الجولان والاعتراف بقرار "إسرائيل" ضم الجولان الى أراضيھا.
- ضمان تفوّق "إسرائيل" العسكري النوعي في المنطقة.
نتنياھو ھو أكثر المبتھجين بـ"ھدية" ترامب الثمينة، توجه الى ترامب بعبارات ودية:"عزيزي الرئيس، أنت صنعت التاريخ. سنبقى ممتنين لك الى الأبد".

"إعلان ترامب" وحّد بين اليمين واليسار في "إسرائيل"، أما في التقييم لمضاعفات ونتائج ھذا الإعلان وللمرحلة التي تليه، فقد ركزت التوقعات والمخاوف على النقاط التالية:
١-التحسب لأعمال عنف وشغب وتظاھرات احتجاج وغضب لا ترقى الى مستوى "انتفاضة جديدة". الموعد الأكثر حساسية ھو الجمعة بعد انتھاء الصلوات في المساجد، والنقطة الأكثر حساسية ھي القدس نفسھا، ولكن ھناك تخوفات أيضا من العنف في الجليل حيث يعيش مئات المستوطنين في بيئة فلسطينية. ووفق التقييمات الأمنية، فإن جوھر التحركات في الشارع سيجري داخل المدن أمام مباني القنصليات والسفارة الأميركية.
٢-الاطمئنان الى ردة الفعل العربية المعتدلة وغير المقلقة، وحيث لا توجد الحماسة نفسھا الموجودة في الجانب الفلسطيني أو لدى تركيا ومحور الإخوان المسلمين.
الإسرائيليون يرون أن قضية فلسطين بالنسبة للعرب الغارقين في مشاكل وأزمات كثيرة، تحولت الى عبء وباتوا يريدون التخفّف منھا بأي ثمن، كما أن دول الخليج تضع في أولوياتھا العداء لإيران وتعاظم نفوذھا وخطرھا في المنطقة وتتطلع الى التعاون مع "إسرائيل" وتسرّع الخطى للانتقال الى المرحلة العلنية، في وقت تحتاج أنظمة دول الاعتدال العربي الى الولايات المتحدة والى دعمھا العسكري والاقتصادي والمالي، وھذا ما يفسر كيف أن ترامب لم يقم وزنا لردة الفعل العربية وكان مطمئنا لھذه الناحية، وبأنھا لن تتجاوز حدود الأسف والاستنكار الى خطوات عملية.

في الوقت نفسه نشطت الاتصالات الدبلوماسية على خط السفارتين الأميركية والفرنسية في بيروت لاستطلاع مدى انعكاس القرار الأميركي على الساحة اللبنانية، وكان السؤال ماذا سيفعل حزب لله؟

وإذا كانت باريس مھتمة بقياس ارتفاع منسوب التوتر على الحدود الجنوبية، كونھا تشارك بقوة رئيسية في "اليونيفيل"، وقد عبّرت عن حرصھا على بقاء الھدوء على تلك الحدود، فإن الأميركيين كانوا مھتمين أكثر بجمع معلومات حول النقلة التالية للحزب.
الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرلله حدد موقفه من "إعلان ترامب" في كلمة وجھھا مؤخراً وخصصھا بالكامل لموضوع القدس، وضمّنھا مجموعة اقتراحات وخطوات للرد على الخطوة الأميركية ومنھا:

- الاحتجاج والإدانة والتنديد ورفض العدوان الأميركي السافر، واعلان التضامن والوقوف إلى جانب فلسطين والقدس.
- التضامن عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
- إصدار البيانات والمواقف، وعقد اللقاءات والاجتماعات والندوات، وإقامة التظاھرات والاعتصامات.
- استدعاء السفراء الاميركيين في الدول العربية، وابلاغھم احتجاجا رسميا يُسجل للتاريخ.
-إجراءات للضغط من أجل تجميد القرار الأميركي.
- وقف الاتصالات السرية والعلنية مع العدو، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" وإغلاق السفارات وطرد السفراء، ووقف كل خطوات التطبيع التي بدأت في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وخليجي بالتحديد، وأي خطوة تطبيع ھي أعظم خيانة للقدس بعد الذي حصل.. وشدد على إحياء قنوات المقاطعة العربية والتشديد بتنفيذھا، ومن جملة الاقتراحات الإعلان عن إنھاء المفاوضات، حتى التراجع عن القرار الأميركي.
- دعوة جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الاسلامي الى اصدار قرار واضح وملزم باعتبار القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين، وليست قابلة للتفاوض، والدعوة الى انتفاضة جديدة وتصعيد عمل المقاومة والتوحد حول قرارھا، كأكبر وأھم وأخطر رد على القرار الأميركي.

وفيما يخص اجتماع  "القدس العربي" الطارىء الذي أقيم مؤخراً في مقر جامعة الدول العربية في القاھرة، فقد دان وزراء الخارجية العرب القرار الأميركي في شأن القدس واعتبروه مرفوضاً وباطلاً وخرقاً خطيراً للقانون الدولي.. لم يرقَ البيان الى مستوى الشارع العربي الذي انطلقت فيه تظاھرات في أعقاب الإعلان الأميركي، ووصلت الى ذروتھا في أغلب العواصم العربية، والبيان الذي انتھى إليه الاجتماع لم يأتِ فقط أدنى من مستوى الحدث ومستوى الغضب في الشارع العربي، بل جاء حتى أدنى من بعض الأصوات داخل الاجتماع نفسه، وأولھا كلمة وزير الخارجية جبران باسيل.

فقد كان لبنان المفاجأة في الاجتماع العربي، لبنان الذي اعترض على بيان الجامعة "كونه لم يأتِ على المستوى المطلوب لھذا الحدث، كسر رتابة الاجتماع وأخرج خطة عملية واضحة، مطالباً العرب بإجراءات تصل إلى المقاطعة الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة.

ومما قاله باسيل الذي رفع السقف عاليا ووصفت كلمته بـ"الثورية: "الويل لنا إذا خرجنا اليوم بتخاذل، إما الثورة وإما الموت لأمة نائمة"، ودعا إلى "قمة عربية طارئة عنوانھا القدس، لاستعادتھا إلى حضنھا العربي لأنه من دونھا لا عرب ولا عروبة.. فشرف القدس من شرفنا والتاريخ لن يرحمنا، وأولادنا لن يشعروا بالفخر مما فعلنا، فنحن ھنا لأن عروبتنا لا تتنازل عن القدس، ونحن في لبنان لا نتھرب من قدرنا في المواجھة والمقاومة حتى الشھادة. نحن من ھوية القدس لا نعيش إلا أحراراً وننتفض بوجه كل غاصب ومحتل".

أما الأوروبيون فقد رفضوا القرار الأميركي غير المنسّق معھم، ويعتبرون أن القدس مسألة حساسة جدا نظرا الى رمزيتھا وقيمتھا الدينية والتاريخية والحضارية، وأنھا تدخل في نطاق مسائل وملفات الوضع النھائي، ولا يمكن البت بھا إلا في إطار مفاوضات الوضع النھائي وحل الدولتين. فھناك عواقب وتداعيات لھذا القرار على استقرار الشرق الأوسط لأنه يتسبب بحالة من الفوضى والعنف ويرفع درجة المخاطر بما في ذلك خطر نشوب حرب.

في النهاية، يبقى أن الأيام والأسابيع المقبلة ستبيّن من جھة حجم ردة الفعل على قرار ترامب، ومن جھة ثانية الخطة التي يشتغل عليھا ومدى تورط أو تواطؤ دول عربية معه ومن تحت الطاولة.

2017-12-17