ارشيف من :ثقافة

بين الكتب الورقية والالكترونية..جيل لا يقرأ؟!

بين الكتب الورقية والالكترونية..جيل لا يقرأ؟!

لطالما كان الكِتابُ إرثًا تغزل به كبار الأدباء والمُفكرين. حتّى فضَّلهُ بعضهم، وإن من بابِ المُبالغة، على النُّقود. حيث قال جون لايلي "خيرٌ لك أن تزخر مكتبتك بالكتب مِن أن تمتلئ محفظتك بالنقود". إلا أن موضوع اقتناء الكتاب الورقي لاحَظ تراجُعًا ملحوظًا مع ظهور الكُتب الالكترونيّة. فما رأي القرَّاء بذلك وهل سيَحلُّ هذا النُّوع من الكتب محل الكتب الورقية؟ 

ورقي أم الكتروني من وجهة نظر القرّاء

ثمّة اختلاف كبير بين نوعي الكتب بالنسبة لـ "سحر موسى". فطالبة العلوم اجتماعية ترى في قراءة الكتب الورقية "لذة خاصة" على حد تعبيرها. "كل ما هو ورقي جميل، الرواية الأدبية، الرسالة التي تحتفظ برائحة كاتبها، وحتى الجرائد. فعلاقة القارئ النفسية بالورق لا يمكن أن تقدمها الكتب الموجودة على الشاشات". وتتابع "رغم هذه الثورة التكنولوجية الهائلة التي أثرت حتّى على الكتب، لا زال الكثير من الكتّاب يفضلون نشر مؤلفاتهم الورقية وإقامة حفل توقيع لها، وهذا ما شهدناه في معرض الكتاب في البيال من فترة وجيزة. "وتختم متعجبة "هل هناك أجمل من كتاب هدية! أو من رسالة مؤلف لك على الصفحة الأولى من ديوانه أو روايته؟".

يتفق الدكتور في الجامعة اللبنانية والأستاذ المحاضر بمادة التاريخ "حسن سلهب" مع رأي "موسى" فيما يتعلّق بالجانب النفسي المتعلّق بالكتاب. إلاّ أنّه يضيف على ذلك، جوانب ايجابية يراها من وجهة نظره تميّز الكتاب الورقي. فمن الناحية العمليّة "الكتاب الورقي مريح أكثر لما يخص وضعية القراءة، حيث أستطيع حمله كما شئت، كما أنّه يبقى أفضل بما يتعلّق بسلامة النظر." يعلّق على كلامه "لقد حاولت استخدام الكتب الالكترونية لفترة، لكنني تضايقت، وتفاجأت لاحقًا بزيادة ضعف بصري".

سلهب الذي ألّف خمس كتب نشر آخرها منذ شهرين، يجد أنّ الكتاب الالكتروني أيضًا يتمتع بمميزات أخرى، "فالوصول إلى المعلومة من خلاله تبقى أسرع وخصوصًا للباحث والمتقصي، هذا بالاضافة إلى الحجم الصغير الذي يحتوي هذه الكتب والذي لا يتعدّى شريحة ليزرية واحدة تضم مكتبة كاملة وبكلفة زهيدة" ويضيف تتميّز الكتب الالكترونية بالتقنيات الحديثة والألوان المستخدمة فيه ما قد يشدّ انتباه المتصفح". إلاّ أنّه يستدرك كلامه "هناك مخاطر موجودة بالكتاب الالكتروني غير موجودة بالكتاب الورقي مثل القرصنة وغيرها".

أصحاب المكتبات: هل المصلحة إلى زوال؟

يعمل "أحمد طراد" موظفًا في مكتبة "النسيم الجديدة" منذ أكثر من 20 سنة. بناءً على ملاحظته، فشراء الكتاب الورقي بدأ يتراجع خصوصًا في هذا الوضع الاقتصادي الصعب، في حين أن الكتب المدرسيّة وحدها لا زالت تحافظ على نسبة مبيعها. يقول وهو يشير بإصبعه على الجرائد الموجودة على الرف أمامه: "صرنا نص النهار وما في بيع جرائد، ما عم تشتري العالم". ويتابع كلامه مجيبًا عن إمكانية أن تحل الكتب الالكترونية محل الكتب المدرسية "برأيي لن ينجح الكتاب الالكتروني في ما يخص التدريس على الأقل بالمدى المنظور، لقد جربت ذلك احدى المدارس في الجنوب معتمدة على الكتب الالكترونية الموجودة على الـ IPAD  إلا أنها لم تنجح بذلك فعادت للكتب الورقيّة".

على بعد أمتار من مكتبة "النسيم" تقع مكتبة "دار الرسول الأكرم"، برأي صاحبها الحاج "محمد قشمر": "تراجع القراءة أدّى إلى اقفال أكثر من دور نشر كنا نتعامل معهم". يقول الرجل الخمسيني متحسرًا وهو يرتب الكتب، "التهت الناس بمواضيع أخرى للأسف، لكن مع ذلك فالقارئ الحقيقي لا يستخدم إلاّ الكتاب". يختم متمنيًا على الناس العودة لقراءة الكتب الورقية "خير جليس في الأنام كتاب علينا قراءة الكتب ولو صفحة واحدة في اليوم".

النظرة التشاؤمية التي تنتاب أصحاب المكتبات يعارضها "مازن مغنية" صاحب "مكتبتنا" التي افتتحت حديثًا في حارة حريك. من وجهة نظره "فالقارئ يتشجع عند اطلاعه على الكتب الالكترونية بجلب نسخة كتاب ورقي منها، وهذا ما لامسته بناءً على تجربتي". عائلة "مغنية" التي تتوارث مصلحة بيع الكتب منذ 70 عامًا، فرعها الأساسي في منطقة بحمدون. يقول "مغنية": "قد تحاول الكتب الالكترونية أن تحل محل الكتاب الورقي، لكن من يحب الكتاب سيعود لشرائه لا محال" يختم كلامه. 

احصاءات لواقع الكتب في العالم العربي

بحسب تقرير التنمية البشرية للعام 2015، فإن جميع الكتّاب والمفكرين والأدباء العرب، وحتى الهواة منهم ينتجون أقل من 1% مما ينتجه العالم، مع العلم أن العرب يشكلون 5% من سكان العالم. ووفقا لدراسة لجنة "الكتاب والنشر" فإن العالم العربي ينشر ألفا و650 كتابا سنويا بينما تنشر الولايات المتحدة وحدها حوالى 85 ألف كتاب سنويا. 

معدلات انتاج الكتب التي انخفضت في العالم العربي ليست وحدها ما يدل على تراجع الثقافة فيه. فنسب القراءة في الوطن العربي إن كان بالكتب الورقية أو الالكترونية، تثبت وجود هوّة واسعة بين الثقافة العربية والغربية. حيث تشير الدراسة التي خلصت إليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) عام 2014، أن نصيب كل مليون عربي لا يتجاوز 30 كتابا، مقابل 854 كتاباً لكل مليون أوروبي، أي أنّ معدل قراءة الشخص العربي ربع صفحة في السنة مقابل معدل قراءة كبير للفرد الأميركي الذي يصل إلى 11 كتابا في العام الواحد.

إذًا، فأزمة الكتب الورقية ليست وحدها ما يعاني منه العرب، فللقراءة أزمة أخرى تزيد الطين بلّة. وهذا ما يجعلنا نستدرك المفاضلة بين نوعي الكتب.. كتاب ورقي أو الكتروني المهم أن تقرأ أمّة اقرأ!

2017-12-20