ارشيف من :ترجمات ودراسات

4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته

 4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته

اعداد: أحمد فؤاد
أجرى المقابلات: شريف عاطف

بصرخات إعجاب تتصنع الدهشة، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ترشحه، من جديد، في الانتخابات الرئاسية المصرية، وسط حشد من المؤيدين، في ختام مؤتمر "حكاية وطن"، الذي أراده الرئيس ناقلًا لإنجازاته، خلال 4 سنوات فارقة من عمر البلد.
4 سنوات تقترب من الختام، والتحديات التي وجدت مصر فيها نفسها تتزايد وتتعمق، فمن أزمة الاقتصاد إلى كارثة السياحة، ومن مواجهة الإرهاب إلى سد النهضة، لا يبدو أن أيًّا من الملفات تم حسمه أو إنجازه بالفعل، وحوادث السنوات بددت الثقة التي كان الرئيس يحوزها من مواطني شعبه، وجاء إخراج بيان إعادة الترشح مثل كل قرارات النظام بعيدًا عن الشارع.
بيقين تام، التفرس في وجوه المصريين، في الشوارع والمواصلات، كفيلة بمعرفة الحكم القاطع والنهائي على سنوات الرئيس، الثقيلة، فالإدارة الاقتصادية للبلد تركت الوجبة الغذائية الكاملة رفاهية، لا يمتلك ثمنها النسبة الغالبة من مواطني البلد، فيما تسبب التوزيع الجائر للثروات باقتناص المليارديرات فرصًا أكبر لزيادة ومراكمة الثروات.

الإعلام المحسوب على رجال الأعمال، الذي يقود البلد في زمن تراجع الدولة وعجزها، يُغيب على قدم وساق القيمة، ويضرب كافة أركان الموضوعية، سعيًا لإنجازات وهمية، أو هدمًا لثابت القيمة ذاته، ليتحول كل عزيز إلى معروض في سوق نخاسة، سوق يجرى فيه تمزيق الوطن وبيعه، وسط تهليل المنتفعين، أو تصفيق مناضلين سابقين، سقطوا في وحل بائعي التاريخ ومزوريه، أو الإخوان، ممن يمنحهم فشل النظام قبلة الحياة.

 

بائع الوهم

"الاقتصاد"، "التعليم"، "العدالة"، "الأمن"، "تحديات الاقتصاد"، "العلاقات الخارجية".. كلها ملفات مفتوحة على سياقاتها القديمة، سياقات 46 عامًا من الضعف، دائرة فسيحة من العجز، وتطلعات تحولت لكوابيس كلما تصادمت بالواقع، ومستقبل متشح بسواد، ليس فيه أبيض إلا أكفان الأحلام.
ومن وجع السياسة لآلام الاقتصاد، يدفع المواطن المصري من أمانه ثمن خطيئة القرارات وتخبط المسارات، التبعية كانت العنوان الأبرز الذي وجه تحته النقد، والتركة الثقيلة كانت لافتة المدافعين عن استمرار الرئيس الحالي أسير علاقات تدفع البلد مقابلها الكثير، وتخسر أكثر.

 4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته
 بسيوني الى يسار الصورة مع الزميل شريف عاطف

في البداية، الدكتور محمد بسيوني، الأمين العام لحزب تيار الكرامة، يقول إن السيسي جاء بآمال ضخمة، باعتباره منقذ البلاد من هاوية الفشل، التي ابتعلت عدة دول عربية، إلا أن اعتماده سياسات العهد القديم، وبصورة أبشع، تتمثل في الاستبداد السياسي والتضييق، أدى إلى فشل مريع، مضيفًا أنه بدءًا من قانون التظاهر، أي شخص يتم القبض عليه بتهمة إبداء الرأي على "فيس بوك" يُتهم بالانتماء لجماعة محظورة، والأحكام تصل إلى 5 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه، وهذا لم نعهده في التاريخ المصري.
أضاف "بسيوني"، أن التضييق على الأحزاب والحصار بدأ مع أزمة تيران وصنافير، واستمر حتى الوقت الحالي، مثل منع الأحزاب من اللقاءات الجماهيرية أو توزيع المنشورات، وإغلاق مقاهٍ وسط البلد، التي كانت تمثل تجمعًا لشباب متحمس، أو لمجموعات سياسية تبحث عن التواصل، وفي الأطراف وصل الانسداد السياسي لمرحلة لم تصل إليها مصر من قبل.
أشار "بسيوني" إلى ما جرى خلال انتخابات البرلمان الحالي، وأن النظام لكي يضمن أغلبية تنحصر في طبقة رجال الأعمال، الذين تترابط مصالحهم من الطبقة الحاكمة، اخترع نظام القائمة المغلقة المطلقة، أي نجاح القائمة كلها أو سقوطها كلها، وهو ما لا يقيم وزنًا لأصوات الناس.

 4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته
اعتقال عنان: ممنوع التفكير في الترشح أمام الرئيس

الانتخابات الرئاسية.. ممنوع الاقتراب

تابع بسيوني: "ممنوع التفكير في الترشح أمام الرئيس، أي شخص تجرأ وتقدم للانتخابات كانت القضايا جاهزة، مثل العقيد قنصوة، والمرشح السابق شفيق، وحتى رئيس أركان الجيش السابق، الذي يخضع لمحاكمة عسكرية حاليًا".
أضاف أن الحكم الحالي مستمر بفزاعة "مش أحسن من سوريا والعراق"، التي يخشاها 10% من المواطنين، وكأنه يحكم نيابة عن الإرهاب، مؤكدًا أن معدلات الحوادث الإرهابية كانت أقل في بداية عهده، لكنها توسعت لتصل إلى استهداف القاهرة والإسكندرية، كما تم استهداف وزيري الدفاع والداخلية، منذ عدة شهور فقط.


الملف الخارجي.. "تيران وصنافير" كافية


أوضح "بسيوني" أن إدارة الملف الخارجي كانت في منتهى السوء، فمن تسليم تيران وصنافير للسعودية، التي أصر السيسي على نقل تبعيتهم رغم عدم تقديم أي دليل على كونهما جزرًا سعودية، والبطش بكل معارضي التفريط في الأرض المصرية، رسم مشهدًا سوداويًا لإدارة الدولة، خلال السنوات الأربع الماضية.
أضاف أن الموقف من سوريا ضعيف، ولا يرقي للثوابت المصرية، حيث تعد سوريا ركيزة للأمن القومي المصري، وليس الخليج، متسائلًا عن السبب في الموقف المصري، رغم أن بعض الدول الخليجية، مثل سلطنة عمان، لم تقطع علاقاتها بسوريا.

 4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته
"بيع تيران وصنافير" للسعودية رسم مشهدًا سوداويًا لإدارة الدولة

 

إعلام الصوت الواحد

وقال "بسيوني" أن النظام يعتمد على مجموعة من النماذج الإعلامية، ولم يعد يسمح بأي هامش للتنفيس عن الغضب أو المعارضة، والتي كان نظام مبارك مثلًا يسمح بوجودها على سبيل التنفيس، وأصبح أحمد موسى وعزمي مجاهد هي النماذج المطلوب الاقتداء بها، وإلا فأن سيف الإغلاق سيطال أي وسيلة إعلامية معارضة.
أضاف أن مصر مرت بالجمهورية الأولى، التي حملت لواء التحرر والاستقلال والانحياز للفقراء، في عهد جمال عبد الناصر وانتهت بعد حرب أكتوبر، وبعد مفاوضات فك الاشتباك والانفتاح الاقتصادي والعلاقة مع الأميركيين بدأت الجمهورية الثانية، ورفعت شعار الاستسلام للعدو الصهيوني والانحياز للأغنياء ضد الفقراء وضد حق التعليم والسكن وضد القضايا العربية وقضايا التحرر الدولي، وبعد ثورة كانون الثاني/يناير كان أملنا قيام جمهورية ديمقراطية إلى جانب الاستقلال بالطبع، لكن السيسي غدر بالثورة وأعاد السلطة إلى حقبة الجمهورية الثانية في أسوأ صورة.

 4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته
سد النهضة - أثيوبيا

ملف المياه.. ضياع

وعن ملف سد النهضة، قال "بسيوني"، إن الاتفاق الإطاري أو التفاوضي قِبل أن يضع مصلحة مصر على طاولة الحوار، ولا تزال العلاقات بين مصر وإفريقيا في سباتها، والعلاقات سيئة مع دول حوض النيل والسودان وإثيوبيا، ومصر لم تتقدم في إفريقيا حتى الآن.
وأضاف أن مجلس الأمن والسلم الإفريقي، والذي تتولى مصر رئاسته حاليًا، مجرد منصب لتمثيل مجلس بلا دور ولا رؤية.

 4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته
.. الا النيل


خديعة الأرقام

يحاول الرئيس طبقًا للخبراء بيع الوهم للمصريين، عن طريق عرض أرقام "ضالة"، تمثل إدعاءات نجاح الإصلاح الاقتصادي، تلك التي لم تحدث إلا في مخيلة وزراء الحكومة، والمنتفعين من ورائها، زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى أرقام ما قبل ثورة يناير 2011، أي نحو 37 مليار دولار، متجاهلًا ارتفاع الديون - داخليا وخارجيا - إلى مستويات غير مسبوقة.
الأرقام وحدها تحمل نتائج الإصلاح الاقتصادي، الذي قام به النظام على مدى سنواته الأربع، وما نجح فيه بالفعل، هو ربط كل رقم بكلمة "تاريخي"، ارتفعت الديون الخارجية إلى 80.8 مليار دولار، من 43 مليار دولار فقط، وارتفعت الديون الداخلية من 1.9 تريليون جنيه إلى 3.4 تريليون، وتجاوزت نسة التضخم طوال عام 2017 نحو 30%، طبقًا لأرقام البنك المركزي المصري، وتراجع سعر صرف الجنيه لأدنى مستوى في تاريخه.


التضخم

شهدت معدلات التضخم طوال حكم "السيسي" انفلاتًا مثيرًا، لكن عقب ضربة تعويم الجنيه، لم تقل المعدلات المسجلة عن 30%، ووصلت في أيار/مايو وحزيران/ حزيران الماضيين إلى 33 و35% على التوالي، 30 ولم تفلح إجراءات البنك المركزي، بقيادة طارق عامر في لجم التضخم، وتمثلت قرارات المركزي في رفع متتالٍ للفائدة على الإيداع والإقراض، وصلت بها إلى قرب 18%، ما مثل ضغطًا شديدًا على الأموال الموجهة كقروض للمشروعات الصناعية وغيرها.
والأثر الاجتماعي الذي لا يمكن إغفاله، هو أن الغلاء المستمر يؤدي إلى تفشي الرشوة والفساد الإداري والتكسب غير المشروع، وما إلى ذلك من معاملات فاسدة، حيث يلجأ الناس إلى هذه الأمور كخط دفاع لمواجهة التدهور المستمر الذي يحدث في دخولهم الحقيقية، ومن ثم في مستوى معيشتهم، ولهذا فليس مستغربًا أن تكون البلاد المصابة بالتضخم هي أكثر البلاد الأسيرة للفساد.
قال فلاديمير لينين، قائد الثورة البلشفية، "إن أفضل طريقة لتحطيم النظام الرأسمالي هي إفساد العملة، وإنه بعملية تضخم مستمرة تستطيع الحكومات أن تصادر- سرًا وبطريقة غير ملحوظة- جزءًا هامًا من ثروات مواطنيها".

 4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته
من شرم الشيخ بدأ السيسي مشوار الحكم والإصلاح

 

شرم الشيخ.. نهاية مبارك وبداية السيسي

أكثر المدن المصرية انعزالًا، تقع في جنوب شبه جزيرة سيناء، وتحميها إجراءات أمن مشددة، طوال الوقت غالبًا، شهدت المدينة هجرة نظام مبارك في سنوات حكمه الأخيرة، ورسخت انفصاله عن الوادي، عن قلب مصر الفوار بالحركة، وبدأ منها السيسي مشوار الحكم والإصلاح، عن طريق مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، الذي عُقد في 2015 لدعم وتنمية الاقتصاد المصري، وشهد تدفقًا هائلًا من المساعدات الخليجية، بلغت 12.5 مليار دولار.
فتح المؤتمر أفاقًا جديدة أمام الاقتصاد المصري، تمثلت في حزم الدعم المباشر، وخطابات نوايا بمشروعات، جرى تضخيم أرقامها في الإعلام الحكومي، ولم تنعكس على الواقع، إلا في قطاعي الكهرباء والبترول، وهما القطاعان اللذان شهدا طفرة، سواء بزيادة إنتاج الكهرباء، وحل مشكلة انقطاعها، أو في اكتشافات حقول الغاز بالبحر المتوسط.

التعويم.. العلاج بالقتل

اشترط خبراء اقتصاد توافر عدد من العوامل، قبل البدء في عملية تحرير سعر صرف الجنيه المصري، على رأسها توافر احتياطي نقدي ضخم، وتشغيل الصناعة المصرية بكامل طاقتها، وتقليل فاتورة الاستيراد، وضم المزيد من المصريين إلى مظلة الحماية الاجتماعية، لتلافي الآثار التي توقعها الجميع، باستثناء الحكومة والرئيس، لخفض كبير في سعر صرف الجنيه.

 4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته


صندوق النقد الدولي، صاحب القرار الحقيقي، لما جرى يوم 3 نوفمبر 2016، بتحرير سعر الصرف، خرج مسؤوليه ليعلنوا أنهم لم يتوقعوا كل هذا الخفض في قيمة الجنيه، في لطمة قوية للحكومة، التي تنفذ التعليمات بلا مناقشة، وأدت إلى كارثة لا يزال المصري يدفع أثمانها.
النتيجة غير المنطقية للتعويم، كانت الانعكاس على ثروات أغنى العائلات المصرية، ساويرس ومنصور، حيث كشف تقرير فوربس للثروات عن العام 2016، عن زيادة ثرواتهم، بما يخالف ما حدث لأغلبية المصريين، ممن فقدوا نصف قيمة مدخراتهم، وتضاعفت أسعار السلع والخدمات بصورة متتالية.
كان التعويم القرار الاقتصادي المعبر بشكل كامل عن توجهات النظام المصري، نظام لم يخرج قط من آثار التبعية، التي خطها السادات، ومشى على طريقها مبارك، حيث تصدر الأوامر من جهات السيطرة الدولية، ويدفع ثمنها الفقراء، ويراكم رجال الأعمال، من طبقة وكلاء الخارج أصفار جديدة.

الشهابي: إنجازات غير مسبوقة

من جانبه، يرى ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل، أن مصر انطلقت في سياساتها الخارجية، طوال السنوات الأربع الأخيرة، من الحفاظ على أمن سوريا ووحدتها، في مواجهة مخططات التقسيم، مؤكدًا أن النظام المصري رفض الرؤية السعودية في الحرب الدائرة والمعلنة على سوريا، وأصر على الحفاظ على الدولة السورية، ووحدة أراضيها، وبقاء مؤسساتها وجيشها.

 4 سنوات للرئيس: خاصم الشارع.. و’تأميم السياسة’ أكبر إنجازاته
 الشهابي: النظام المصري رفض الرؤية السعودية في الحرب الدائرة والمعلنة على سوريا


أشار إلى أن علاقات مصر بالسعودية جيدة، حرصت مصر فيها على استقلالية القرار المصري، وفق رؤيتها لمتطلبات الأمن القومي المصري والعربي، ولقد حرصت مصر على أن يكون اشتراكها في تحالف السعودية العسكري على اليمن محدودًا للغاية.
أضاف أن مصر حققت في السنوات الأربع الماضية نجاحا كبيرا في السياسة الخارجية، فلقد حافظت على قرارها الوطني المستقل وإرادتها الحرة، واستطاعت أن تقيم علاقات إستراتيجية مع روسيا والصين، ونسجت علاقات اقتصادية قوية مع فرنسا وألمانيا، وأقامت علاقات قوية مع تجمع "بريكس"، واستعادت علاقاتها بمحيطها العربي وعمقها الإفريقي، موضحًا أن ملف سد النهضة كان أهم العوائق الإفريقية، والتي تعمل مصر جاهدة على الوصول إلى حلول تضمن حقها، الذي يحقق أمنها المائي، بدون توتر مع دول الحوض العشر.

الشارع صاحب الحكم

رغم اختلافات الحكم السياسي على سنوات السيسي، إلا أن الشارع الذي يعاني من إصلاحات اقتصادية ضربت الأمان المجتمعي للمصريين في مقتل، ولم تزد الفقراء والطبقة الوسطى إلا معاناة، والأغنياء إلا غنى، هو صاحب الحكم الأوفى على سياسات الرئيس.
مجلة "فوربس" الاقتصادية العالمية كشفت في أحدث تقاريرها بشأن ثروات رجال الأعمال المصريين، عن زيادة مطردة في الثروات، وجاء 6 من أغنى عائلات مصر ضمن قائمة أثرياء شمال إفريقيا، سيطر المصريون على قائمة "مليارديرات شمال أفريقيا"، والتي أصدرتها مجلة فوربس الشرق الأوسط.
وضمت القائمة، والتي تأتي ضمن قائمة أكبر 23 مليارديرًا بأفريقيا، 6 أعضاء من عائلتي ساويرس ومنصور، هم ناصف ونجيب وأنسي ساويرس، ومحمد وياسين ويوسف منصور.
الحكم البات على فترة السيسي من حناجر الفقراء خصوصًا، يقول أنه فشل في كل تحدٍّ وطني.

 

2018-02-20