ارشيف من :ترجمات ودراسات

الحرب إن وقعت: الحسابات الدقيقة والمعادلات المُختلفة!

 الحرب إن وقعت: الحسابات الدقيقة والمعادلات المُختلفة!

محمد علي جعفر
(باحث في إدارة المنظومات والشؤون الاستراتيجية)

يتناقل الإعلام منذ فترة، كلاماً حول حربٍ يُروَّج لها ضمن سيناريوهاتٍ عديدة. يجري الحديث فيها عن ضربة أمريكية لسوريا ستُقابل بردٍ روسي. ولن يخلو الأمر بحسب البعض، من استهدافٍ عسكريٍ لحزب الله من قبل الجيش الإسرائيلي. باختصار، يضع الكثيرون سيناريوهاتٍ عدة، لمعركة أو حرب، ويجري النقاش حول حساباتٍ قد تدفع لذلك وحساباتٍ أخرى قد تمنع. ليختَلط على من يحاول استشراف المستقبل، الكثير من الحقائق من خلال غوصه بحسابات الأطراف، وتجاهله للمعادلات الجديدة المُختلفة، والتي يجب أن تُشكِّل الحيز الأكبر من النقاش. فما معادلات الصراع الجديدة والمُختلفة بناء للواقع الحالي والحقائق التاريخية؟


الحقائق التاريخية التي يجب أن ننطلق منها لفهم الواقع الحالي
على الصعيد البنيوي نوضح مسألتين مهمتين لتحقيق الربط بين الماضي والحاضر:
أولاً: إن الواقع الحالي العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، لدول المنطقة، هو نتيجة لمسار من الصراع الطويل الهادف للهيمنة على مقدرات الشعوب من قبل الدول الغربية والذي أخذ أشكالاً عديدة وعبر أدوات مختلفة صلبة (عسكرية) وناعمة (غير عسكرية).
ثانياً: إن تطوُّر الصراع يُوضح انتقال شعوب المنطقة من مرحلة الخضوع لهذا المشروع الى مرحلة مقاومة هذا المشروع وبأشكال عديدة، ما يُبرِّر حدة الصراع وارتفاع وتيرته يوماً بعد يوم.
انطلاقاً من هذه المسائل وبالإضافة الى مسائل أخرى مرتبطة، فإن الأساس الذي يجب أن ننطلق منه، هو أن مسار هذا الصراع هو مسار قائم ومنذ فترة طويلة، وكل ما جرى ويجري هو عبارة عن معارك عديدة لأطراف مختلفة توالت على إدارة الصراع وبأشكال وأطر عدة. وهنا فإن هذه الحقائق النظرية التي قدمناها تتضمَّن عدة أمثلة عملية وحديثة في الصراع، والتي تأتي ضمن "استراتيجيات المعارك في الحروب" ومنها على سبيل المثال، استراتيجية عزل ايران ثم استراتيجية احتوائها، استراتيجية تدمير بنية العراق وقدراته، استراتيجية ضرب بنية محور المقاومة من خلال الحرب على سوريا، استراتيجية إضعاف حزب الله واستراتيجية تدمير بنية المقاومة الفلسطينية. بناء على هذه الحقائق، كيف يمكن تقييم الواقع الحالي للأطراف؟

 الحرب إن وقعت: الحسابات الدقيقة والمعادلات المُختلفة!
المناورات الاميركية - الصهيونية في السياق التهويلي

الواقع الحالي ومحاولة الأطراف إعادة صياغة معادلات الصراع
إن النظرة الى واقع الصراع الحالي وما يحصل اليوم، تحديداً على الصعيدين العسكري والسياسي، يحتاج الى رؤية المشهد الكلي للمنطقة والتركيز على القراءة الحالية للجغرافيا السياسية والجغرافيا العسكرية والجغرافيا الإقتصادية الخاصة بها، وما تعنيه من معادلات مختلفة سعت الأطراف الى ترسيخها. وهنا نُشير بإيجاز لما يلي:
أولاً: هدفت الاستراتيجيات المتعاقبة للغرب لا سيما في العقود الأخيرة الى مواكبة التحولات في المنطقة والتعاطي معها بشكل براغماتي وتحت السقف الأمريكي وهو ما توضحه مسألة ملازمة ارتفاع شدة كل من الحرب الناعمة بكافة أشكالها (الهجمة الغربية الإقتصادية على شعوب المنطقة عبر العقوبات، الربيع العربي..) والحرب الصلبة (مشاريع الإرهاب حديثاً)، مع اشتداد وتعاظم قوة أطراف مشروع المقاومة لا سيما ضد الكيان الإسرائيلي.
ثانياً: أفرط الغرب في استراتيجياته لا سيما تجاه العالم العربي مُعتمداً على تاريخ الرضوخ العربي، ورافضاً إمكانية نشوء قوة قادرة على تحويل معادلات الصراع لصالح شعوب المنطقة. ومع مرور الزمن وتسارع الأحداث أدرك المُخطط أن الانتصارات التي حققها مشروع المقاومة تحديداً الانتصار اللبناني عام 2000 والانتفاضة الفلسطينية عام 2001 وتحرير غزة عام 2005 وحرب تموز عام 2006، تُعبِّر عن مسار استراتيجي أكبر من مجرد صراع بين مشروعين، وتتخطى ذلك لهدف إزالة المشروع المناهض لخيارات ومصالح شعوب المنطقة.
ثالثاً: جاءت الحرب على سوريا، لضرب البُعد الاستراتيجي لمحور المقاومة. المحور الذي استطاع تجيير نتائج الصراع من خلال بناء بنية قوية مُوحَّدة أثبتت قدرتها على الصمود في وجه المشروع المعادي وهو ما خرجت به الحرب السورية من انتصارات وصولاً الى معارك الغوطة. واليوم يسعى المشروع المعادي الى توفير السبل التي تجعل سوريا ساحة الصراع المُحتدم والمستمر.
المعادلات الجديدة على ضوء الدروس المستفادة
بناء لما تقدم، يمكن الخروج بالنتائج التالية:
أولاً: إن الواقع الحالي لأطراف الصراع تُثبت أن الدول والأطراف المعادية التي كانت تعتمد استراتيجية الحرب بالوكالة فشلت في تحقيق أهدافها. وهي مُضطرة للنزول الى الميدان، ويأتي في مقدمتهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا على الصعيد الدولي والسعودية والأردن وقطر وتركيا والكيان الإسرائيلي على الصعيد الإقليمي. حيث أن هذه الدول والأطراف تلعب في الساحة السياسية والعسكرية نفسها، وإن اختلفت الأدوار والأحجام. تنبع هذه الضرورة من الشعور الذاتي لدى هذه الأطراف بخطر المسار الاستراتيجي الذي بات يُشكله دور محور المقاومة والذي تحوَّل الى تكتُّل موحَّد الأولويات والأهداف الاستراتيجية.
ثانياً: إن النتيجة الحتمية للواقع الحالي، والذي عبرنا عنه في النقطة السابقة يعني أن الخطر على مشروع الأعداء هو خطر وجودي ستكون أولى نتائجه بداية بناء التحوُّل الاستراتيجي في واقع شعوب المنطقة والانتقال بهم الى واقع جديد يُنهي مفاعيل الاستعمار والحروب. الأمر الذي فرض على واشنطن الإعلان عن وجودها مع الكيان الإسرائيلي في الميدان في أي حرب مقبلة (هذا ما تعنيه عملياً مسألة طرح نقل السفارة الأمريكية الى القدس)، وهو ما يجعل أيضاً، خيار الغرب التورط في هكذا حرب أمراً ممكناً.

 الحرب إن وقعت: الحسابات الدقيقة والمعادلات المُختلفة!
إن النتائج الاستراتيجية التي حققها محور المقاومة ساهمت وبشكل واضح في تحويل نتائج الصراع لصالحه بشكل بنيوي


الاحتمالات في ظل المعادلات الجديدة
لا يمكن الحسم فيما يخص المستقبل لكن السيناريوهات المحتملة عديدة. وهنا فإن احتمال الحرب وارد ما دامت مراكز القرار الأميركية مستعدة للانتقال بسياساتها وبسرعة من أقصى الدفاع إلى أقصى الهجوم وبالعكس. وهو ما يوجب الخروج عن القراءة الكلاسيكية للعقل الأمريكي الذي لم يعد يعمل بناء لقواعد السياسة الدولية المعهودة. في حين أن المخاطر الوجودية على المشروع الأمريكي تقود الأطراف التي تشعر بها، الى التصعيد وترفع وتيرة الصراع. ينتج هذا الأمر عن وجود خيارين، الإستسلام للواقع الحالي وبالتالي بقاء الخطر الوجودي أو الانخراط المباشر في المعركة.
إن النتائج الاستراتيجية التي حققها محور المقاومة، لا سيما تلك التي نتجت عن الحرب السورية، ساهمت وبشكل واضح في تحويل نتائج الصراع لصالحه بشكل بنيوي (وحدة محور المقاومة) وعملي (وحدة الأهداف). الأمر الذي يفرض بالمقابل على المشروع المعادي، بناء تكتل مُقابل لهذا المحور الجديد، يأخذ بالاعتبار المعادلات والحسابات الجديدة. وهو ما يجري بصعوبة في ظل وجود مُعضلات تتعلق بالواقع المُعقَّد والمصالح المتناقضة لأطراف هذا المشروع.
إن العقيدة الموحَّدة لمحور المقاومة على الصعيدين السياسي والعسكري، الأمر الذي تفتقر إليه واشنطن وحلفاؤها، ووجود حالة من التضامن لدى الشعوب مع أطراف هذا المحور، وقدرته على كسب الغطاء الدولي الصيني والروسي حتى الآن، مع وجود شبه إيمان بضرورة الرهان على القوة العسكرية للأطراف وليس للدول (الجيوش الكلاسيكية). كلها عوامل أساسية تُشكِّل مُجتمعة نقطة قوة محور المقاومة.
إن الحرب قائمة ومستمرة. لكن ما يُروَّج عن احتمال قيام امريكا وحلفائها بضربة، أمر يجب الوقوف عنده، خصوصاً عندما يجري الحديث عن ضربة نوعية تستهدف بنية النظام السوري، وما يعنيه ذلك من نتائج. إن العوامل التي أشرنا إليها والتي تتعلق بقوة محور المقاومة، كلها عوامل تجعل النتيجة الحتمية لأي ضربة، التدحرج نحو حرب ستكون أكبر من مواجهة عادية، وهي نفسها العوامل التي تعني حتمية الانتصار لمحور المقاومة، ويمكن أن تكون كذلك أهم اسباب تأجيل الحرب وليس منع حدوثها!
 

2018-03-23