ارشيف من :تحقيقات

خبراء اقتصاديون مصريون يتحدثون لـ’العهد’ بعد 3 سنوات على المؤتمر الاقتصادي: أين منح الخليج؟

خبراء اقتصاديون مصريون يتحدثون لـ’العهد’ بعد 3 سنوات على المؤتمر الاقتصادي: أين منح الخليج؟

أحمد فؤاد (صحافي مصري)
بعد مرور 3 سنوات على المؤتمر الاقتصادي، الذي عقده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أولى سنوات حكمه، في منتجع شرم الشيخ في مارس 2015، تمر السنوات، وتتلاشى الآمال، وتتبخر صورة الرخاء الموعود إلى سراب في صحراء قاحلة، لا يجد فيها المصري العادي سوى مطالب الصبر من حكومته، أو تهديدات بمصير سوريا والعراق عبر إعلام النظام.
المؤتمر الاقتصادي كان رهان نظام السيسي للخروج من متاعب الاقتصاد، بالإضافة إلى عدم الاعتراف الدولي. ومرر النظام عبر الإعلام الحكومي أرقامًا خيالية للمشروعات، وصلت في مانشيت جريدة الأهرام العريقة إلى 175 مليار دولار، لم يتحقق منها على أرض الواقع سوى الخيبة.
الأهداف المعلنة للمؤتمر، وعلى لسان منظميه، كانت تنحصر في توفير الكهرباء، وهو هدف تحقق بالفعل، بالاتفاق مع شركة سيمنز الألمانية على تشغيل عدد من محطات إنتاج الكهرباء بسرعة، لكن بتكاليف رهيبة على الموازنة العامة للدولة، وأنشأت "سيمنز" محطات توليد الكهرباء بقدرة 14 ألف و400 ميجا وات، ببني سويف والعاصمة الإدارية الجديدة والبرلس، بتكلفة إجمالية تبلغ 6 مليارات يورو، وتبلغ قدرة المرحلة الأولى من مشروعات سيمنز، التي افتتحت بعد 18 شهرًا فقط من تاريخ توقيع العقود، 4800 ميجاوات.
هنا قراءة في الواقع الاقتصادي المصري من وجهة نظر 3 خبراء اقتصاديين مصريين:


عيسى: أين منح الخليج؟

يؤكد الخبير الاقتصادي رضا عيسى، أن "الديون تضاعفت على الموازنة العامة للدولة المصرية، بسبب كثرة ما حصلت عليه من قروض، مشددًا على أن معظم المنح الخليجية المقدمة لنظام ما بعد 3 يوليو لم نسمع عنها إلا في الإعلام، دون أي تأثير يُذكر على الموازنة العامة"، مضيفًا: "قولوا لنا فين المنح دي؟!".
ويذهب عيسى إلى أنه "لا يمكن تحديد قيمة ما حصل عليه النظام من منح مقدمة من دول الخليج؛ بسبب غياب المعلومات عنها، وعن جهات إنفاقها"، ويقول: "لا أحد يستطيع حصر هذه المنح أو جهات إنفاقها، وكل شيء وارد".
وعن أبرز القطاعات التي قِيل إنها استفادت من المؤتمر، كقطاع الكهرباء، يقول الخبير الاقتصادي رضا عيسى إن "القطاع شهد إنشاءات عديدة وتطورًا ملحوظًا، لكن بتكلفة مُبالغ فيها؛ حيث لجأت مصر لإنشاء محطات كهرباء تعتمد على الوقود الأحفوري، التي تتكلف مليارات الجنيهات، ولم تعتمد على المحطات التي تعتمد على الطاقة الشمسية في تشغيلها التي تُعتبر أقل تكلفة في تشغيلها بكثير، كما أنها طاقة نظيفة لا تلوث البيئة".
وتابع: "سعر بيع الكهرباء سيكون مرتبطًا بالتغير في سعر الدولار ما سيجعل سعر الكهرباء مُرشحًا دائمًا للزيادة".
ويذهب الخبير الاقتصادي إلى أن "المؤتمر الاقتصادي كان مجرد "قعدة عرب"، متابعًا: "مشفناش منه أي حاجة، لأنه مناسبة اجتماعية مش أكتر".
وأردف: "تم تعديل قانون الاستثمار قبل المؤتمر خصيصًا ولم يحدث شيء، كما تم تعديله مرة أخرى وتغيير وزيرة الاستثمار من أجل تحفيز المستثمرين، ولم يحدث شيء، لأن الاستثمار لا يعرف القوانين المجردة، كما أنه لم يتم عرض أي دراسة جدوى لأي مشروع، والاقتصاد لا يعترف إلا بدراسات الجدوى".
وأوضح: "أن عددًا كبيرًا من مذكرات التفاهم لم ترقَ إلى الاتفاقيات أو العقود النهائية، ولهذا لم يكن للمؤتمر الاقتصادي أي أثر على الاقتصاد الاجتماعي، بدليل أن الرئيس السيسي اجتمع مع شركة سيمنز للكهرباء عدة مرات بعد فترات طويلة من انتهاء المؤتمر الاقتصادي، لأن المؤتمر لم يضع أي خطوط عريضة للاستثمار أو لتطوير أي من قطاعات الاقتصاد المصري".

 

خبراء اقتصاديون مصريون يتحدثون لـ’العهد’ بعد 3 سنوات على المؤتمر الاقتصادي: أين منح الخليج؟
المؤتمر في احتفالية للصحافة المصرية أنذاك


مسلسل الديون مستمر

الإصلاح تحت وصاية مؤسسات السيطرة الدولية، ممثلة في صندوق النقد والبنك الدوليين، ارتكز على مسخ الهوية وقتل الإرادة، ومنع إمكانيات خلق المستقبل، عن طريق تجريد البلد من إيمان الناس بالقدرة على الفعل، والأهم تفتيت المتبقي من الثروات الوطنية، وعرضها على النخاسين الجدد بأسعار شبه مجانية.
النتيجة الوحيدة للمؤتمر الاقتصادي، وللمسار الاقتصادي للنظام المصري، التي لا تُعد قابلة للدحض أو التأويل، هي أرقام الديون، والتي ارتفعت بشكل مذهل، لم يشهده أي عصر آخر، حيث وصلت الديون الخارجية إلى 81 مليار دولار، والدين العام الداخلي إلى 3.4 تريليون جنيه.


"الميرغني": العجز عن سداد الديون وارد

يقول إلهامي الميرغني، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي، إن "المؤتمر الاقتصادي لم يُحدث أي نقلة نوعية للاقتصاد المصري، موضحًا إن قطاع الإسكان والعقارات هو المستفيد الوحيد من المؤتمر"، مضيفًا: "ان كل الاستثمارات متركزة في هذا القطاع منذ 30 عامًا، وبالتالي لم يحدث المؤتمر أي فارق يُذكر".
وتابع: "أهدرنا مليارات الجنيهات في العاصمة الإدارية الجديدة التي أُعلن عنها في المؤتمر الاقتصادي، على حساب الصناعة والتعليم والصحة والزراعة".
وأردف: "طبقة المقاولين وتجار العقارات هي المستفيدة من نتائج المؤتمر، وكثير من المستثمرين يحصلون في العموم على قروض كبيرة من البنوك المصرية، وهذا يضيع الكثير من فرص الاستثمار على المستثمر المحلي".
ويرى الميرغني أن "ما أثير عن تحسن العلاقات المصرية مع جيرانها بعد المؤتمر بعيد كل البعد عن الصحة، فملف سد النهضة يُثبت أن علاقات مصر بقارة إفريقيا لم تتحسن كما لم تتحسن علاقاتها بمختلف الأطراف الإقليمية والدولية".
أما عن المنح الخليجية، فيقول الميرغني: "ليس هناك أي أرقام واضحة أو محددة، ومن ثم فأوجه صرفها ليست محددة هي الأخرى، ورغم هذا فلم تنعكس هذه المنح والإعانات على المواطن المصري، بل ارتفعت الأسعار بمستويات غير مسبوقة".
وتابع: "عمومًا فإن الاقتصاد المصري يعيش حالة تدهور غير مسبوقة، فالنظام يبيع أصول وممتلكات الدولة تحت راية الخصخصة، كما يتبع سياسة اقتراض منفلتة تسببت في زيادة عجز ميزان المدفوعات، وقد نعجز على المدى المتوسط (1 إلى 3 سنوات) عن سداد الديون المستحقة علينا، وهذا سيسبب مشاكل وأزمات لا حصر لها".

 

خبراء اقتصاديون مصريون يتحدثون لـ’العهد’ بعد 3 سنوات على المؤتمر الاقتصادي: أين منح الخليج؟
مؤتمرات ومعونات ولا تغيير في مؤشر البؤس

عبد الهادي: مؤتمر السيسي يلحق بمؤتمر مبارك
يقول الباحث الاقتصادي، مجدي عبد الهادي، إن "ملامح النقلة المتحققة بعد المؤتمر الاقتصادي واضحة على الاقتصاد المصري، والشعب المصري بالأخص، مع انتقال مصر من المرتبة الخامسة عشرة إلى المرتبة الثانية عالمياً على مؤشر البؤس، خلال الأربعة أعوام الأخيرة".
ويؤكد عبد الهادي أن "حل مشكلات الاقتصاد لا يكون بالمؤتمرات الدعائية ولا بالحملات التمويلية؛ لأنه ليس هنا جوهر المعضلة الاقتصادية، فمشكلتنا تتعلق بالمنظومة لا بالموارد، أي بتخطيط التنمية وكفاءة استخدام الموارد وتوزيع نتاجاتها أولاً، وهكذا فلو عُقد ألف مؤتمر دونما إصلاح تلك المنظومة بشكل كامل، وربما حتى تغييرها جذرياً، فلن يتغير شيء حقيقي، ولهذا لا غرابة في أن مصر قد عقدت خلال العقود الماضية أكثر من مؤتمر واتفاق مع المنظمات الدولية وقدمت مغريات لجذب الاستثمار الأجنبي وتلقت الكثير من المعونات (حتى أنها كانت من أكثر دول العالم تلقياً للمعونات)، دون أن تحقق أي تغيير أو انتقال تنموي. ولعل أشهر تلك المؤتمرات كان المؤتمر الاقتصادي عام 1983 بعد تولّي مبارك السلطة بعامين، والذي لشدّة نتائجه الإيجابية، كانت مصر على حافة الإفلاس بعده ببضعة أعوام لا غير".
ويضيف الباحث الاقتصادي: "وفقاً للمُعلن من جهات تنظيم المؤتمر نفسها، كانت أهم المشروعات المطروحة ضمن المؤتمر العاصمة الإدارية الجديدة وتنمية محور قناة السويس وقطاع الكهرباء والطاقة المتجددة، ولا يمكن بالطبع الجزم بالنتائج الكلية كون فترة الأربعة أعوام باستثمارات مُعلنة بحوالي 60 مليار دولار (أي تدفق إضافي بمتوسط 15 مليار سنوياً) لم تنته بعد، وإن كنا نستطيع أن نستشف اتجاهات تحققها، بالمقارنة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة الفعلية، والتي بلغت زيادتها بين عامي 2015/2016 و2016/2017 مثلاً 1.3 مليار دولار فقط، وكدليل آخر على عدم تحقق أهداف المؤتمر في جذب استثمارات أجنبية حقيقية، لم يزد معدل الاستثمار الإجمالي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات التالية على المؤتمر بأكثر من 1 % عن مستواه المنخفض أصلاً عن سنوات ما قبل انتفاضة يناير، أي من 14 إلى 15 % تقريباً".
وأوضح أن "بعض المشروعات قد تحقق فيها شيء ما، خصوصاً مع التحسّن في أداء قطاع الكهرباء محلياً، إلا أن هكذا استفادة هي حتماً محدودة؛ فالنمو الحقيقي المُستدام في أي قطاع لا يتحقق إلا على أساس تنميته في إطار عملية تنمية شاملة، تدعم روابطه الأمامية والخلفية، بحيث تتعاظم الاستفادة من النمو المتبادل للقطاعات جميعاً، وللاقتصاد في مجموعه".
وعن استفادة مصر من المنح الخليجية، أي 12.5 مليار دولار، التي أُعلن عنها خلال المؤتمر، يقول عبد الهادي: "هذا يتوقف على معنى الاستفادة، يمكنك من جهة أن تعتبر ديونك التي تجلب بها طعامك اليومي أو تسدد بها ديونك السابقة أو تدعم بها احتياطيك النقدي بشكل وهمي استفادة، كما هي عادة الحكومة المصرية في تبني سياسات "From Hand to Mouth" كما وصفها خبراء المنظمات الدولية أنفسهم، كذا يمكنك من جهة أخرى أن تعتبر ما تحصل عليه منها وتستثمره في مشروعات تولّد دخلاً مستقبليا وتشغيلاً حقيقياً استفادة، لكن ما أبعد الشقة بين الاستفادتين. والحقيقة أنه في ظل حالة عامة من عدم الشفافية لا يمكننا أن نعرف على وجه الدقة أين ذهبت كل هذه الأموال التي دخلت محفظة ديون الشعب المصري، فهي ديون حتى لو سُمّيت في الأوراق الرسمية منحاً؛ لأن صفتها القانونية شيء، وثمنها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي غالباً ما يكون أكبر وأخطر بكثير من التكلفة المالية شيء آخر".
وتابع: "المؤكد أن هذه الأموال قد خدمت مثلها مثل عشرات المليارات قبلها، كمجرد مسكنات نشتري بها بعض الوقت من أزماتنا المزمنة، تلك الأزمات الكامنة في الهيكل الاقتصادي العاجز عن الإنتاج والتشغيل بمعناهما الإستراتيجي؛ ما جعل الدولة المصرية كجهاز موارد شيئاً أشبه بالثقب الأسود، الذي يمتص أي موارد تلقي بها فيه دون أن تظهر ثانيةً أو تظهر لها نتائج حقيقية تنعكس على نمو أو حل مشاكل الاقتصاد الذي يُفترض أنها ترعاه، وهو الأمر الذي يتجاوز بالمناسبة تصوّرات الفساد التقليدية، فالمشكلة هيكلية تتعلق باقتصاد يعاني فجوة مزمنة مهولة بين العرض والطلب والإنتاج والاستهلاك؛ بسبب نمطه الرأسمالي الريعي التابع".

2018-04-04