ارشيف من :مقالات

الأمن في بعلبك-الهرمل تحت عين الدولة ..فهل اقتربت ساعة الحسم؟

الأمن في بعلبك-الهرمل تحت عين الدولة ..فهل اقتربت ساعة الحسم؟

لا يختلف اثنان على أهمية الأمن في حياة المجتمعات. فالدول والشعوب تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتوفير هذه المظلّة التي سُمّيت بالنعمة. تنظيم الجيوش والقوى الأمنية منذ القدم وحتى عصرنا الحالي لا يخرج عن هذا الإطار، انطلاقاً من حقيقة ثابتة بأن لا خير في بلد خال من الأمن والأمان. الأمن بهذا المعنى لا يتعلّق فقط بحماية حياة الإنسان من القتل. إنّه قاعدة الهرم في أي بلد، إذا ما اهتزّ بنيانه انسحب ذلك على ما عداه من قطاعات اقتصادية واجتماعية وانمائية وغيرها. فكم من مجتمعات سادتها شريعة الغاب جراء اهتزاز المعادلة الأمنية، فـ"ضُربت" فيها تلقائيًّا كل أوجه الحياة. تجربة بعلبك-الهرمل خير دليل على ما أسلفنا ذكره، إذ تعاني هذه المنطقة من فلتان أمني مزمن، خرج في الأسابيع الأخيرة عن إطاره المألوف، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من يوميات سُكان المنطقة. أولئك الذين شبعوا وعوداً ورهانات وتطمينات من مراجع سياسية وقوى أمنية بسحب الغطاء عن المطلوبين، لا يريدون ضرب سيوف في الهواء، المطلوب برأيهم، قطع دابر المخلين بالأمن، مهما كان الثمن. مطلبٌ عمره سنوات، يطمح اليه قاطنو المنطقة البائسة أمنياً، والذي كما يبدو سيجد هذه المرة طريقه للتطبيق، مع الاستنفار الواسع الذي أوجدته الدولة والذي لا يُشبه سابقاته، على حد تعبير مرجع أمني لموقع "العهد الإخباري".

يُعرب المرجع عن تفاؤله بضبط الوضع الأمني مع الإرادة الجادة التي أبدتها القوى الأمنية والتي تجلّت في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى الذي عُقد في الثامن عشر من أيار/مايو، برئاسة الرئيس ميشال عون، الذي كلّف قائد الجيش العماد جوزيف عون بالتنسيق مع قادة الأجهزة الأمنية التحضير لتصوُّرٍ وخطة عملٍ تبنى على أساسها كيفية إرساء الأمن في بعلبك الهرمل. يؤكّد المرجع أنّ النوايا واضحة لجهة اجتثاث الفوضى الأمنية، ومن المرجّح أن تتظهّر أولى معالمها خلال أسبوع. وفي زحمة الحديث عن الوضع الأمني في بعلبك، تبرز نقطة هامة يتوقف عندها المرجع، تتمثّل في المطالبات التي يرميها البعض في عهدة حزب الله لضبط الأمن في هذه المنطقة، فيُؤكّد أنّ الأمن في هذه المنطقة منوط بحصرية الدولة وكنفها ويقع على عاتقها، وكل كلام ما عدا ذلك يتطلب من مجلس الوزراء الاجتماع، وتكليف حزب الله بالمهمة رسمياً بعيداً عن لعبة تقاذف المسؤوليات عشوائياً، وإلا فإنّ الأمن في البقاع حصراً بيد الدولة. 

لا يُنكر المرجع الأمني المطلع على الوضع في بعلبك-الهرمل أنّ الحالة الأمنية وصلت حداً لا يمكن للدولة البقاء على الحياد حياله. فصحيح أنّ المعادلة الأمنية في هذه المنطقة تحت المجهر "من يوم يومها"، إلا أنّ وتيرتها تصاعدت في السنوات الأخيرة، وتفاقمت عقب الانتخابات النيابية. وهنا يؤكّد المصدر أنّ الحرب التي شنت على التكفيريين عند الحدود من قبل الجيش والتي انشغلت فيها المؤسسة العسكرية بقطع رأس الارهاب، بالتوازي مع انشغال القوى الأمنية بتفكيك الشبكات الارهابية، هذه الحرب عملت على حصر الاهتمام عند الحدود، ما أعطى فرصةً حقيقية للمخالفين والمطلوبين للعبث بالامن، فانتشرت ظاهرة تهريب المخدرات والسيارات، وتفاقمت حوادث اطلاق النار، ما دفع حزب الله الى مناشدة وزير الداخلية حينذاك نهاد المشنوق فوراً بعد الانتهاء من الحرب على التكفيريين الى الالتفات الى الشق الأمني في هذه المنطقة، ومداهمة المطلوبين، فحزب الله وحركة أمل لا يؤمنان أية "خيمة زرقاء" على رأس أحد، وفي هذا الصدد، يذكّر المرجع أن محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر ترأس أكثر من اجتماع لهذه الغاية، وجرى وضع خطة لتنظيم السير ومداهمة المطلوبين، وفرض الأمن، إلا أن ما يحصل كان بمثابة ابر مورفين تُخمد الحوادث والمخالفات في وقتها، ويعود بعدها الفلتان الى ما هو عليه، ليلامس الوضع بعيد الانتخابات النيابية الخطوط الحمراء، وتعلو الصرخة جراء الحوادث المتكررة، التي بدت فيها بعلبك-الهرمل وكأنها منطقة خارج لبنان.

*المقداد

لا يُخفي عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي المقداد، وهو ابن منطقة بعلبك، أسفه للوضع المزري الذي وصلت اليه المنطقة. يأسف  في حديث لموقع "العهد" للتراخي الذي تشهده لناحية حفظ الأمن، والذي يعد حقا طبيعياً من حقوقها، أسوةً بالعديد من المناطق الأخرى. يتوقف عند نقطة جوهرية يشير خلالها الى أن منطقة بعلبك-الهرمل صنّفت بالعسكرية منذ عام 1997، ما يعني أنّ دخول الجيش اليها، لا يتطلّب إذناً من أحد للقيام بمهامه الطبيعية، وهو ما لم يُطبّق كما يجب. فهل يعقل أن خلافاً يتخلله إطلاق نار ودوريات مسلحة ويستمر ثلاث ساعات، يجري خلاله التواصل مع العديد من القيادات، لإجراء اللازم، ولا يحدث تدخلاً إلا بعد انتهاء الحادث الأمني؟. والمضحك المبكي -برأي المقداد- أنه حين يحدث التدخل لا يتم اعتقال المطلوبين المعروفين، بل يجري اعتقال أشخاص لا علاقة لهم بالحادث. 

وهنا لا ينكر المقداد أنّ القوى الأمنية تتحرّك في الكثير من الأحيان، ولكن للأسف متأخرة، مشدداً على أنّ هذا التحرك يحتم على القوى الأمنية اعتقال الرؤوس الكبيرة والتي باتت معروفة، معرباً عن الملل الذي يسود أوساط سكان المنطقة جراء المناشدات التي لم تلق آذاناً صاغية وعلى مدى سنوات. أصحاب المحلات والأسواق التجارية أيضاً ذاقوا الأمرين من الخسائر التي لحقت بهم جراء اهتزاز الوضع الأمني. سوق بعلبك التجاري على طريق الاقفال. مدينة بعلبك السياحية تعاني نقص كبير في الرواد الذين يمتنعون عن زيارتها للواقع الذي يشاهدونه في الاعلام. الوضع ينسحب أيضاً على منطقة رأس العين، وهو ما يجعل الوضع الاقتصادي والانمائي في هذه المنطقة على المحك، وفق المقداد، الذي يشدد على أنّ" الأمن هو المحفّز الأساسي للإزدهار في المجتمع".

*شربل

بدوره، وزير الداخلية الأسبق مروان شربل ينظر الى ما يجري في منطقة بعلبك الهرمل بمنطق أكثر شمولية. ينطلق في حديثه من فرضية القاء القبض على كافة المطلوبين في هذه المنطقة، فيسأل ما الذي يضمن عدم ظهور مطلوب ثان وثالث ورابع؟. الحل برأيه، يكمن في معالجة الأسباب الكامنة وراء الفلتان الأمني الذي نشهده. إنه الحرمان، بكل ما للكلمة من معنى. يُشدد شربل على ضرورة معالجة أسباب هذا الحرمان، والالتفات الى المنطقة اقتصادياً وانمائياً، ووضع حد للبطالة المستشرية فيها، كإيجاد زراعات بديلة عن الحشيش، وتطوير الانماء، طبعاً بالتوازي مع القاء القبض على المخالفين والمتورطين بأعمال إرهابية. يعود شربل ليكرّر "الحل يجب أن يطال الجذور، باجتتاث الارهاب وتنمية هذه المنطقة، وإلا فلا أمل بالنهوض بها الى بر الأمن والأمان".  


 

2018-06-01