ارشيف من :نقاط على الحروف

الاجتياح الإسرائيلي في ذكريات قائد الميغ 17.. والمقاتلين

الاجتياح الإسرائيلي في ذكريات قائد الميغ 17.. والمقاتلين

لم تعد خفية أهداف الزيارة السرية التي قام بها آرييل شارون إلى واشنطن قبل غزو لبنان في 6 حزيران/ يونيو من العام 1982، وتتلخص بما يلي: إسداء ضربة حاسمة وشاملة لسوريا، وثانياً فرض خريطة تقسيم جديدة للمنطقة وتقضي بأن لبنان "مسيحي" والضفة الغربية إسرائيلية والأردن فلسطيني. من الواضح، أن سوريا رفضت في ذلك الوقت مشروع التقسيم. ففي حديث وثقه علي بيضون في كتابه "بيروت... ناس ومقاومة"، مع جاره نبيل أبو حسن الحكيم، وهو ابن رئيس وزراء سوريا الأسبق حسن الحكيم. تحدث فيه الأخير عن مشروع الـ "كوندومينيوم، Condominium"، والذي يعني "السيادة المشتركة". ويقضي المشروع إضافة إلى التقسيمات التي تحدث عنها شارون في واشنطن قبل الغزو، والتي جاءت على شكل اقتراح في مقال كتبه "أموس برلتمور" صديق شارون في صحيفة "وول ستريت جورنال" في تموز/ يوليو 1982، والذي يدعو الإدارة الأميركية إلى مراجعة سياستها في الشرق الأوسط واعتماد سياسة رعاية أميركية تعمل على مصالحة ما بين سوريا و"اسرائيل" تحقق "وصاية مشتركة" لهما على لبنان، مقابل استعادة سوريا للجولان المحتل وحصولها على جزء من البقاع اللبناني. أما "اسرائيل" فلها الجنوب اللبناني.

في روايته لملاحم التحام الدم العربي في الدفاع عن بيروت في العام 1982 يروي علي بيضون قصصاً جمعها من المقاتلين آنذاك ومنهم "يونس راحم" من قوات الردع العربية والذي أصيب في قصف البوارج الإسرائيلية، والذي حدًث بيضون عن حنينه لعائلته التي لم يرها منذ زمن، وهذا الحنين لم يكن قادراً على فصله عن تعلقه بقضيته النضالية في سبيل الواجب والولاء للوطن. كما أصيب في قصف البوارج "سعيد خليل" من جيش التحرير الفلسطيني وبترت ساقه. كذلك أصيب جراء انفجار في منطقة الفنادق "أحمد داوود"، وهو أيضاً من جيش التحرير الفلسطيني؛ داوود من المشفى الميداني الذي أقيم في "جريدة السفير" كان يحيي صمود ونضال الجماهير العربية في لبنان، والتي صمدت حتى ذلك اليوم شهراً كاملاً دون أن يستطيع الإسرائيلي قهر صمود بيروت والجنوب في حين استولت "اسرائيل" على أراض عربية شاسعة في حرب 1967 خلال ستة أيام.

أما المقاتل أبو جودة من القوات المشتركة فقد قال أن العدو المتفوق بالتكنولوجيا فيجب استدراجه إلى قتال قريب، الذي سيطلق معادلة ميزان القوى ويفقد العدو صوابه. ويوضح: "لقد كنا نذهب إلى الأرض المحتلة من أجل زرع عبوة صغيرة بعد عناء كبير، أما الآن فهم هنا وأهلا بهم في مقبرتهم الواسعة". وأقد أوصى يومها المقاتل ابو جودة باتباع حرب الشوارع في بيروت كلها لأنها الحرب الوحيدة التي ترعب العدو. ويضيف: "نحن أصحاب قضية وهم مرتزقة، نحن نحمل حلم الشهادة وحلم الحرية ومن يبادر أولاً يكسر حاجز الخوف وينتصر".

وكان الوجود السوري مستهدفاً بقوة، إذ قامت الطائرات الإسرائيلية بضرب قواعد بطاريات صواريخ سام السورية في البقاع وسقط خلالها طائرة إسرائيلية وأسر طيارها. وفي محاولة من أجل فرض الاستسلام على المقاومة في بيروت ودفع الفصائل الفلسطينية للمغادرة تمت محاصرة بيروت الغربية والضاحية الجنوبية ومنع دخول الطعام إليهما وقطع الماء والكهرباء عنهما. وابتدأ عمل فليب حبيب المبعوث الأميريكي في الشرق الأوسط بالوساطة من أجل إعادة الكهرباء والماء إلى بيروت كنوع من الإبتزاز من أجل فرض الإستسلام على بيروت، حتى أن وليد جنبلاط دعاه آنذاك بـ "السمكري".. وأدخل شرط إعادة الطيار الإسرائيلي الأسير من أجل كسر الحصار الإسرائيلي.

بعد مرور سنين على الاجتياح الإسرائيلي للبنان. عاد الطيار عبد الوهاب خيرات من عمله في ليبيا، حيث انتدب ليعمل كمدرب للطيارين الحربيين بعد إصابته البالغة في ظهره. إذ أسقطت طيارته فوق راشيا الفخار في العام 1982. جاء عبد الوهاب في زيارة وكانت تجلس إلى جانبه والدته، التي كانت تمتلئ عزاً وفخراً بولدها. حدثنا يومها قائلاً: "أصيبت طائرتي، ميغ 17، في ذنبها، لم أشعر في البداية أين أتت الضربة ولكن عندما نظرت إلى الخلف كانت النار قد هبت في مؤخرة الطائرة. حاولت قذف المقعد للخروج من الطائرة ولكن بسبب الحرارة علق باب الطائرةً. ابتدأت الطائرة بالهبوط سريعاً، حتى بدا لي أنها ستنفجر بي حتماً. باتت الطائرة على ارتفاع منخفض وكان هناك خطر ألا تفتح المظلة، وحتى لو قذف المقعد وفتحت المظلة، فإنني سأقع بالتأكيد أسيراً، لأنني عندما نظرت نحو الأسفل رايت أرتالاً من الدبابات الإسرائيلية المتجهة شمالاً نحو بيروت والبقاع. دفعت باب الطائرة بقوة بيدي، لأعود وأقذف المقعد، ولكن ما إن فتح غطاء الطائرة حتى دخل الهواء إليها وسحبها قوياً إلى الأمام والأعلى. ورأيت في ذلك سبيل النجاة من الوقوع في الأسر. وفعلياً دفع الهواء الطائرة إلى الأمام، واستمر بدفعها حتى أنها عادت وارتفعت ورأيت في ذلك الحل المناسب لقذف المقعد، خصوصاً وأنني ابتعدت الى مسافة آمنة بعيداً عن العدو. وقذف المقعد وفتحت المظلة، ولكن وللأسف لم يكن الارتفاع يكفي بما يناسب الهبوط، لقد وقع ظهري فوق الصندوق المعلق بالمظلة. وهو الصندوق الذي يحمل العدة وبعض الطعام ومسدساً من أجل النجاة في أرض المعركة. ما إن لامست الأرض حتى سمعت فرقعة الفقرات السفلى في ظهري تتحطم. وركض أهل راشيا باتجاهي، اذ يبدو أنهم كانوا يراقبونني منذ أن قصفت الطائرة. وجاء قسم منهم يريد أن يساعدني على النهوض أو يحملني إلى أقرب مشفى. ولكني طلبت منهم أن يتريثوا وأن يحضروا لي لوحاً من الخشب لأنقل فوقه، في محاولة لحماية فقراتي التي انكسرت. خلع أحد القرويين باباً من منزله وجاء به، ثم رفعوني وبقوة رجل واحد ووضعوني برفق فوق الباب، وأرادوا أن يحملوني إلى المستشفى القريب في راشيا. ولكنني رفضت ذلك، وطلبتم منهم التوجه بي شرقاً نحو الحدود السورية. حاول البعض نصحي ولكنهم في النهاية ساروا وفقاً لما طلبته منهم. وأوصلوني إلى أقرب نقطة عسكرية من سورية".

ويضيف: " في تلك الأثناء كانت الاتصالات تجري بين القيادة في دمشق والقيادة الميدانية من أجل العثور علي ومنع أخذي أسيراً. وجاءت سيارات الإسعاف التي نقلتني إلى المستشفى العسكري في دمشق، ولكن وبينما كان الأطباء والممرضون يركضون بي نحو غرفة العمليات، صرخت بأن يتوقفوا وأن يطلبوا لي قائد العمليات لأمر ضروري قبل أن أدخل في غيبوبة البنج، فيكون الوقت قد فات". جاء القائد وأخبره عبد الوهاب عن أرتال الدبابات التي كانت تعبر الجنوب باتجاه الشمال. يومها أرسل سرب من الطائرات الحارقة التي قصفت أرتال الدبابات، ومن المؤكد أن أحداً لم يعرف حتى اليوم سوى أم عبد الوهاب وبعض من الجيران أن هذه الحادثة كانت من الأسباب التي قسمت ظهر الإسرائيلي في العام 1982.

2018-06-09