ارشيف من :نقاط على الحروف

حسناً فعلت واشنطن..ففاقد الشيء لا يعطيه

حسناً فعلت واشنطن..ففاقد الشيء لا يعطيه

"من وجهة النظر القانونية، هناك ما يكفي من الأدلة لاتهام كل الرؤساء الأميركيين منذ نهاية الحرب العالمية بأنهم مجرمو حرب، أو على الأقل متورطون بدرجة كبيرة في جرائم حرب". كلمات صاغها المفكر الأميركي نعوم شومسكي، كفيلة للدلالة على تاريخ هذه الدولة المتخم بانتهاكات حقوق الانسان. حقيقة، يُصبح معها خبر انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أمس عادياً وبديهياً. فانضمام هذه الدولة الى هذا المجلس لم يكن سوى بالإسم، وبشكل يصح معه القول "فاقد الشيء لا يعطيه". 

لواشنطن سجل حافل في مجال الانتهاكات، وارتكاب المجازر. تبرز "شطارة" هذه الدولة وبراعتها في الحديث عن حقوق الانسان. تُخصّص في سبيل ذلك بيانات بالجملة. لا تكل ولا تمل من صياغة التقارير السنوية التي تستخدمها كشماعة تتدخّل عبرها في سياسات الدول الأخرى وتنشر شرها في كل مكان. فهي لا تجد حرجاً في بيع الصواريخ لقتل المدنيين العزّل، كما يحصل في اليمن. تماماً كما لا تجد حرجاً في دعم الارهابيين أمثال "داعش" وأخواتها على غرار ما حصل في سوريا والعراق. هذا في التاريخ الحديث، أما في الماضي البعيد، فحدّث ولا حرج. صيت هذه الدولة قد ذاع في ارتكاب المجازر وانتهاك الحقوق الانسانية واتباع سياسة العنصرية ضد السود، حتى وصفت بأكثر الامبرطوريات دموية في التاريخ.

لدى الحديث عن ارتكابات أميركا لحقوق الإنسان، تطول القائمة، وأحياناً لا تتسّع. فالدولة التي تنصّب نفسها وصيةً على حقوق البشر في العالم، وقاض يحكم بين الناس بالعدل، لها باع طويل في القتل والتدمير والتهجير وانتهاك خصوصية الأفراد. كُتب التاريخ تحفل بالأحداث التي تُوثّق ديدن واشنطن في هذا الإطار. أساس هذه الدولة بُني على باطل. امبراطوريتها أقيمت على جماجم ودماء الهنود الحمر (سكان أميركا الأصليين) الذين ارتكبت بحقهم المجازر. ومن منا لم يُطالع في الجرائم التي ارتكبتها أميركا في اليابان، والتي لا تزال أصداء القنابل الذرية التي ألقيت فيها تتردد في مدينتي هيروشيما وناكازاكي. حرب الفيتنام التي خاضتها واشنطن أيضاً أحد الشواهد على ما سبق، وهي التي استمرت على مدى أكثر من عشرة آلاف يوم، وشهدت  تطبيقا منهجيا لممارسات التعذيب الوحشي المنافي للإنسانية، والذي وصل حد قطع الرؤوس. الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان أيضاً وما حمله من تدخلات أميركية، لا يمكن وضعه سوى في سياق النزعة الاستعمارية والسيطرة التي لطالما اقترنت باسم هذه الدولة. 

ومن المفيد في هذا الصدد، استحضار كتاب " 500 عام من السجون في أميركا" للكاتب الأميركي سكوت كريستياتسون، الذي يؤكّد فيه أن واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى اليوم قادت أكثر من 70 حرباً وتدخلاً عسكرياً ودعماً لانقلاب عسكري في مناطق شتى من العالم، وكلها لا علاقة لها بالدفاع عن حقوق الإنسان. ويكفي هنا التذكير بالدعم اللامحدود الذي تقدمه أميركا لربيبتها "اسرائيل" في الكثير من المواقف، والتي لم يكن آخرها الانسحاب الأميركي من مجلس حقوق الانسان أمس بذريعة  أنه لم ينفذ ما طلبته واشنطن من إصلاحات، خاصة في ما يتعلق بـ"إسرائيل". الانحياز الأميركي لتل أبيب واضح وضوح الشمس. فكم من المجازر التي ارتكبها كيان العدو في لبنان وفلسطين ومرّت عليها واشنطن مرور الكرام بلا أية إدانة أو حتى استنكار. وكم من القرارات الدولية التي أصدرها البيت الأبيض كرمى لعيون "اسرائيل". انسحابه من منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) بسبب ما وصفه بالموقف المعادي لـ"إسرائيل" وإيقافه تمويل صندوق الأمم المتحدة للإسكان خير دليل على ذلك، فيما تطول اللائحة في هذا الإطار. 

حسناً، فعلت واشنطن بانسحابها من مجلس حقوق الإنسان، فوحشيتها لا تليق بالمكان الذي وجدت فيه. 
 

2018-06-21