ارشيف من :ترجمات ودراسات

واشنطن تتخلى عن أمضى أسلحتها الناعمة

واشنطن تتخلى عن أمضى أسلحتها الناعمة

منذ بدء ظهور الولايات المتحدة الأمريكية كوجه عالمي للاستعمار الجديد في النصف الأول من القرن العشرين  استثمرت امريكا مجموعة من القضايا لتبرر تدخلها في شؤون عشرات الدول المستقلة واستخدمت بعض المفاهيم والقيم كإيديولوجيا راحت تبشر بها لنفسها باعتبارها زعيمة لما أسمته العالم الحر و دفعت واشنطن على رأس هذه المفاهيم والقيم بقضية حقوق الإنسان إلى الواجهة واستخدمتها كسوط للهيمنة على مناوئيها في أرجاء المعمورة .
ورغم السجل السيء لأمريكا في انتهاك حقوق الانسان والذي رافقها منذ تأسيسها بمحو حقوق سكان أمريكا الشمالية الأصليين عبر قتلهم واحتلال ومصادرة اراضيهم وتذويب هوياتهم ومحو تراثهم وتاريخهم فقد اعتمدت الولايات المتحدة في سياساتها الدولية منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى على اسلوب الحرب الناعمة في تغطية تدخلاتها في شؤون الغير مستعملة قفازاً حريرياً إسمه (حقوق الانسان ) وربطته بسلسلة من المصطلحات والقيم كالخير والعدالة والمدنية والسلام . وتحت هذه الذريعة استخدمت في آب/ أغسطس 1945 القنبلة النووية مرتين في هيروشيما وناغازاكي وقتلت هاتين القنبلتين ما يصل إلى 140،000 شخص في هيروشيما، و80،000 في ناغازاكي بحلول نهاية عام 1945، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم في أقل من 10 دقائق من انفجار القنبلتين واستمرت الولايات المتحدة على هذا المنوال من التدخل المباشر وغير المباشر حتى اليوم وقد ميز سياسة الولايات المتحدة الامريكية الخارجية بعد انتهاء الحرب الباردة  ثلاث ثوابت رئيسية  وهي :  
1- محاولة الابقاء على زعامة امريكا الأحادية للعالم في ظل وجود أقطاب متعددة منافسة .
2- حماية الكيان الصهيوني وضمان بقاؤه واستمراره وهو من أولويات الأمن القومي الأمريكي في الشرق الاوسط
3- حماية التدفق الحر والآمن للنفط من الخليج وطرق ملاحته والمحافظة على الانظمة الخليجية الحليفة التي تؤمن هذه السلعة الحيوية .
عانت مصداقية وصورة الولايات المتحدة في العالم من عملية المحافظة على سطوتها في وجه القوى المنافسة ومن حماية وتغطية (الكيان الصهيوني والخليج ) طوال العقود الماضية ونتيجة لطبيعة هذه الانظمة والكيانات ومخالفتها للانظمة للقوانين الدولية ولحقوق الانسان فقد  شكل ذلك مصدر ازعاج دائم لواشنطن خاصة وأن هذه الدول والكيانات المدعومة منها تقع في منطقة الشرق الاوسط الساخنة والتي تضطرم فيها الحروب والاحداث ومع استعصاء الانتصار الامريكي أو الحل الذي يؤمن مصالحها وهيمنتها الكاملة وصل انزعاج واشنطن إلى ذروته في ظرف كانت فيه قوتها تتضاءل في الشرق الأوسط .
إلا أنه ومع وصول إدارة جديدة إلى الحكم ونتيجة لطبيعة رئيسها ترامب وبرنامجه وفريق عمله والذي وصفه المراقبون بمجموعة المجانين والصقور تغيرت السياسة الناعمة إلى محاولة استخدام السياسة الخشنة من جديد ذاتياً من خلال القدرات الصاروخية الامريكية أو عبر الوكلاء الاقليميين ولكن ذلك لم يحقق أي نتيجة بل أدخل المعسكر الامريكي في حرب استنزاف طويلة ومكلفة استراتيجياً .  
جاء انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، بعد حملة انتخابية مليئة بالكراهية والتعصب، والتزمت ادارته ببرنامج عمل متطرف حتى بالاعتبارات الامريكية حيث أكد خططه للقيام بعمليات ترحيل واسعة للمهاجرين، والحد من حقوق المرأة وحرية الإعلام، وتشجيعه لاستخدام التعذيب فضلاً عن حماية الانظمة الاستبدادية التي استباحت حقوق الانسان تحت المظلة الامريكية .  
وتكشف التقارير الموثقة أن انتهاكات حقوق الانسان في أراضي الولايات المتحدة الأمريكية بلغت خلال ادارة ترامب منسوباً مضاعفاً بعدة مرات عن أسلافه وخصوصاً إدارة جورج بوش الابن التي شهدت بدورها بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 ارتفاعاً كبيراً في الانتهاكات ولكنها لم ترق في 8 سنوات من عمر الادارة " البوشية "إلى 10%  مما اقترفته ادارة ترامب في 18 شهراً .
فدونالد ترامب الذي أدى اليمين القانونية كرئيس في 20 كانون الثاني/ يناير 2017 لم ينتظر أكثر من 5 أيام ليبدأ في حملته التي مست بحقوق الإنسان على مجال واسع .
تعرّض المجتمع المدني القوي والمؤسسات الديمقراطية في الولايات المتحدة للاختبار الشديد خلال السنة الأولى من إدارة الرئيس دونالد ترامب. وتراجعت الولايات المتحدة في مجموعة من القضايا الحقوقية في الداخل والخارج عامي 2017- 2018، فقد استهدف ترامب اللاجئين والمهاجرين ووصفهم بالمجرمين وبأنهم يشكلون تهديدا أمنيا؛ وتبنت إدارته سياسات سببت تراجعا في حصول النساء على الرعاية الصحية الإنجابية؛ عملت على إقرار تغييرات في التأمين الصحي من شأنها أن تحرم أعداداً كبيرة إضافية من الأمريكيين من الرعاية الصحية بأسعار معقولة؛ وقوضت مساءلة الشرطة عن الانتهاكات. كما أعرب ترامب عن استهتاره بوسائل الإعلام المستقلة والمحاكم الاتحادية التي منعت بعض إجراءاته. وعزز السياسة العنصرية من خلال ترسيخ القومية البيضاء؛ ودافع باستمرار عن الأفكار والسياسات المعادية للمسلمين ودعم انظمة استبدادية كالسعودية والكيان الصهيوني وأبدى اهتماما ضئيلا بالضغط من أجل احترام حقوق الإنسان في الخارج، أو لم يقد مثل هذه الجهود.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها العالمي الذي صدر في نيسان/ أبريل  2018، إن السنة الأولى لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تميزت بانحدار حاد في جهود الحكومة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، وفي رصدنا لهذه المخالفات اعتمدنا على تقارير موثقة صادرة عن مصادر معتبرة كالأمم المتحدة ومنظمتي الامنيستي والهيومان رايتس واتش ومصادر إخبارية في أمريكا نفسها  حيث أمكننا تصنيف وتسجيل الانتهاكات التالية :

أولاً : مخالفات ترامب الشخصية لحقوق الانسان

1- تقاعس ترامب في رفض مجموعات الكراهية تسبب في تأجيج السلوك التمييزي والعنصري، والتخلي عن مسؤولياته كرئيس لدعم المبادئ الأساسية للمساواة وعدم التمييز.
2- شجب ترامب المتكرر للصحفيين على أنهم مخادعين ومنحازين ضده، بالإضافة للتعليقات ومقاطع الفيديو التي تسيء لهم، أثارت مخاوف فورية بشأن تأثيرها المرعب على حرية التعبير.
3- فصل ترامب المفاجئ لجيمس كومي، مدير "مكتب التحقيقات الفيدرالي" من عمله، ونقده للقضاة الذين منعوا بعض قرارات إدارته، هدّد بتقويض سيادة القانون ورقابة السلطة الرئاسية.
4- تكثف العمل بتنفيذ عقوبة الاعدام منذ تسلم ترامب سدة الرئاسة فأعدم 23 سجيناً خلال العام 2018 في ثماني ولايات، ليبلغ العدد الإجمالي لمن تم إعدامهم، منذ أقرت "المحكمة العليا للولايات المتحدة" قوانين جديدة لعقوبة الإعدام في 1976، إلى 1,465. وصدر نحو 39 حكماً جديداً بالإعدام. وبحلول نهاية السنة 2017 ، ظل ما يقرب من 2800 شخصاً تحت طائلة عقوبة الإعدام. ونفذت ولاية أركنسو أحكاماً بالإعدام للمرة الأولى منذ 2005. بينما استأنفت ولاية أوهايو تنفيذ أحكام الإعدام عقب توقف دام أكثر من ثلاث سنوات. ونفّذت ولاية فلوريدا أحكاماً بالإعدام للمرة الأولى منذ كانون الثاني/ يناير 2016، عندما قضت "المحكمة العليا للولايات المتحدة" بأن قوانين الولاية الأساسية لعقوبة الإعدام غير دستورية. وأتاح قرار صدر عن "المحكمة العليا لفلوريدا"، واعتبر الحكم الصادر عن المحكمة العليا الاتحادية لا ينطبق بأثر رجعي إلا على نحو نصف المحكوم عليهم بالإعدام لسلطات الولاية بأن تبدأ بتنفيذ أحكام الإعدام فيمن لم يستفيدوا من قرار المحكمة الاتحادية. وصدرت خلال السنة أولى أحكام الإعدام المستندة إلى النظام الأساسي الجديد لعقوبة الإعدام.
5- مماطلة ترامب بمراجعة قرار استخدام هجمات الطائرات بدون طيار خارج مناطق الحرب التقليدية، سمح بالاعتداء على المشتبه فيهم بالإرهاب في مزيد من البلدان، في ظل تراجع الرقابة وزيادة السرية.
6- منح التراخيص لأنبوب نقل النفط عبر داكوتا للقيام بأعمال الحفر والتنقيب تحت نهر ميسوري شمال "ستاندينغ روك"، ما يتهدد مصادر المياه في "ستاندينغ روك" لقبائل شعب "السايوكس" وغيرها من قبائل السكان الأصليين
7- تتبع الولايات المتحدة أسلوبها الخاص فيما يتعلق بقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان. حتى اليوم، وترفض الاعتراف بأن الحق في التنمية هو حق من حقوق الإنسان.

ثانياً : التعذيب الممنهج والمس بالحريات الفردية :

8- في أي يوم في الولايات المتحدة، هناك 2.3 مليون شخص في السجون ومراكز التوقيف التابعة للولايات والسلطات الاتحادية، ما يشكل أكبر سجن في العالم. بسبب الإفراط في الأحكام الطويلة .
9- تعتبر الولايات المتحدة بلاداً تعج بالأسلحة النارية. وتحدث فيها جرائم العنف بشكل متكرر ما يهدد الحقوق المدنية للمواطنين. فقد أظهرت الإحصاءات بأن استخدام الأسلحة النارية في الولايات المتحدة الأمريكية كان وراء 69 بالمئة من جرائم القتل.
10- تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية أساليب تعذيب قاسية دون تمييز، ولا سيما تلك التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) للحصول على معلومات استخباراتية من المشتبه فيهم بالإرهاب والتطرف، حيث استخدمت وكالة المخابرات المركزية أساليب وحشية، مثل الحرمان من النوم، والحبس الانفرادي طويل الأجل، وطرق رؤس السجناء بالجدران، والجلد، والتهديد بالموت بما في ذلك ظروف الاعتقال الرهيبة للمدانين في انتظار المحاكمة، وإساءة استخدام أساليب وحشية، والاحتجاز السري، والاحتجاز التعسفي إلى أجل غير مسمى، والتصنت غير المشروع الذي انتهك خصوصية المواطنين. وعليه دعت هذه المؤسسات الولايات المتحدة لإجراء تحقيقات سريعة وفعالة وعادلة في جميع التصرفات الوحشية وإساءة استخدام القوة من قبل قوات الشرطة .
11- أعرب ترامب، في مقابلة أجراها في 25 كانون الثاني/ يناير 2017، عن دعمه للتعذيب في معرض حديثه عن أنه سوف "يعتمد" على وزير الدفاع ومدير "وكالة الاستخبارات المركزية" وآخرين في تقرير ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ينبغي أن تلجأ إلى التعذيب. ولم تُتخذ أية إجراءات لوضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب على الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان، بما فيها التعذيب والاختفاء القسري، التي ارتكبت في إطار برنامج الاحتجاز السري الذي اعتمدته "وكالة الاستخبارات المركزية" عقب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
12- سمّى ترامب ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص زُعم أنهم قد تورطوا في برنامج الاحتجاز السري لإشغال مناصب حكومية رفيعة: وهم جينا هاسبل، التي اختارها في شباط/ فبراير 2017  للقيام بدور نائبة مدير "وكالة الاستخبارات المركزية"؛ وستيفن برادبري، الذي رشحه ليشغل منصب مستشار عام في "وزارة النقل"؛ وستيفن إنغل، الذي سميّ ليرأس "مكتب المستشار القانوني" في وزارة الدفاع.

ثالثاً : التمييز بكافة أشكاله

13- تعتبر الولايات المتحدة بلداً مُحبطاً فيما يتعلق بمشكلة التمييز العنصري. فالتمييز المؤسسي ما زال يُمارس ضد مجتمعات الأقليات العرقية. كما يستمر التحيز العنصري بشكل مُنحرف في نظم الشرطة والعدالة. فمجموعات الأقليات والسكان الأصليين تتعرض للإجحاف في مجالات البيئة، والانتخابات، والرعاية الصحية، والسكن والتعليم وميادين أخرى. ففي آب/أغسطس عام 2014، انتقدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، انتقدت الولايات المتحدة في ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري للولايات المتحدة بشأن تنفيذ الاتفاقية ذات الصلة، بسبب انتهاك حقوق الأقليات العرقية والسكان الأصليين، والمهاجرين والأقليات الأخرى. كما انتقدت حقيقة اعتقال الأقليات واحتجازها وسجنها بشكل غير متناسب .
14- يعتبر التمييز العنصري مشكلة مزمنة في سجل حقوق الإنسان في الولايات المتحدة منذ أمد بعيد. فالأقليات العرقية تواجه التمييز في فرص العمل والدفع، كما إنها محاصرة في فقر مدقع.
15- يعتبر التحيز العنصري في إنفاذ القانون والنظام القضائي أمراً ملفتاً جداً. فبالمقارنة مع غيرهم من الجماعات العرقية، يعتبر الأمريكيون من أصل أفريقي الأكثر عرضة ليكونوا ضحايا لإطلاق النار من قبل الشرطة. فارتكاب جرائم القتل على أيدي الشرطة بحق الأمريكيين من أصل أفريقي خلال إنفاذ القوانين أصبح عملاً "طبيعياً" في الولايات المتحدة.
16- إن التمييز الديني في مجال الوظائف يعتبر خطيراً أيضاً. فأصحاب العمل لا يرغبون بتوظيف المسلمين ما جعل المسلمين الأقل تفضيلاً من قبل أصحاب العمل
17- تتركز وظائف العمال السود في مهن منخفضة-القيمة والأجور وقد بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى بتبني وجهة نظر تدعي بأن السود والمنحدرين من أصل لاتيني غير مؤهلين إلى حد كبير للعمل في صفوفها. إذ أن الأمريكيين من أصل أفريقي أو من أصل لاتيني مفقودون في فرق إدارة شركات التكنولوجيا الرئيسية. وقد وجدت دراسة استقصائية أن من بين 307 من كبار المدراء التنفيذيين في 22 شركة، يوجد ستة من السود، وثلاثة من أصل لاتيني. وهذا يشكل أقل من 3 في المائة
18- يعاني المواطنون من أصل لاتيني، أو آسيوي، أو الأمريكيين من أصل أفريقي من التمييز في المرتبات. حيث كشف تقرير صادر عن المعهد الأمريكي "للبحوث الاقتصادية" أن أجور المنحدرين من أصل لاتيني أقل بمقدار 16353 دولارا أمريكيا سنوياً في المتوسط من زملائهم الذين ليسوا من أصل لاتيني. وفي الوظائف التي تتطلب مهارات عالية مثل مبرمجي الكمبيوتر ومطوري البرمجيات، يقل أجر من هم من أصل آسيوي 8146 دولارا أمريكيا عن نظرائهم البيض، فيما تقل أجور السود 3656 دولارا أمريكيا عن البيض. "وفي كل مرحلة من عملية التوظيف هناك تحيز خفي يتغلغل في هذا المجال.
19- يبذر التمييز العنصري بذور جرائم الكراهية ذات الصلة بالعرق. فوفقا لمركز قانون الفقر الجنوبي، ارتفع عدد جماعات الكراهية المحلية من 602 في عام 2000 إلى 1100 في عام 2017. كما وجدت دراسة استقصائية سنوية لوزارة العدل حول ضحايا الجرائم ارتكاب أكثر من 293000 جريمة كراهية في في نفس الفترة مما يعني 800 جريمة كراهية يوميا.
20- فيما يتعلق بالمرأة الأمريكية والأطفال، فتعتبر حقوقهم غير محمية بشكل كامل. فالنساء تتعرضن للتمييز في أماكن العمل، فضلاً عن العنف الأسري السائد. وكل سنة، يتم الاعتداء على 2.1 مليون امرأة أمريكية وسطياً من قبل الرجال، فثلاث إناث تُقتلن يومياً على أيدي شركائهن، بينما تموت أربعة إناث يومياً جراء الاعتداءات. أما في الجيش الأميركي، فهناك تزايد في حجم التقارير التي تشير إلى تعرض المجندات للمضايقات، وتواجه المزيد منهن تداعيات نتيجة الإبلاغ عن الاعتداءات. وهناك الملايين من الأطفال الأمريكيين الذين لا مأوى لهم. فثلاثة أطفال يموتون كل يوم جراء الاعتداءات.
21- على الرغم من كون الولايات المتحدة الدولة الأكثر تقدماً في العالم، إلا أنه من الصعب ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها. فخلال انتعاش اقتصادها، استمر التفاوت في الدخل بالتوسع، وتدهورت الأحوال المعيشية الأساسية للأشخاص الذين لا مأوى لهم، فيما عمل نظام الرعاية الصحية بشكل مريع، وانتُهك حق التعليم للمواطنين العاديين. وفي كانون الأول/ديسمبر من العام 2014، انتقد المقررون الخاصون في الأمم المتحدة، السابقة المتمثلة بقطع الماء بشكل غير مناسب على الناس في ديترويت ممن يعتبرون الأكثر ضعفا وفقراً، في انتهاك لحقهم في الوصول إلى مياه الشرب، وحقوق الإنسان الدولية الأخرى.
22- ألغت مبادرات للمساواة في الأجور كانت ستساعد النساء على معرفة ما إذا كن يتقاضين أجوراً أقل من زملائهن الذكور.
23- اتخذت الهجمات على المكتسبات الصحية والحقوق الإنجابية للمرأة أشكالاً شديدة الشراسة. فبذلت الحكومة و"الكونغرس" جهوداً متكررة لسحب التمويل المخصص لبرنامج "تنظيم الأسرة"- وهي منظمة صحية تقدم خدمات إنجابية وصحية أخرى حيوية، ولا سيما للنساء المتدنيات الدخل.
24- أعلن البيت الأبيض أيضًا أنه سيلغي مبادرة المساواة في الأجور، التي كان من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ عام 2018، وكانت المبادرة ستطلب من أرباب العمل والمقاولين الاتحاديين الكبار تقديم معلومات عن تعويضات الموظفين موزعة حسب العرق والإثنية والجنس لوكالات إنفاذ الحقوق المدنية.

رابعاً : اشاعة السلاح وتفلته

25- تعتبر المشاكل المتعلقة باحترام وحماية الحقوق المدنية في الولايات المتحدة مشاكل جسيمة. فالبلاد تعج بالأسلحة المنتشرة، وتكرار وقوع جرائم العنف، والاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة بشكل ينتهك الحقوق الشخصية للمواطنين، إلى جانب الانتقادات الواسعة للتنصت غير المشروع الذي ينتهك حقوق الخصوصية للمواطنين.
26- في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، استخدم رجل مسلح "ترسانة معززة"- شملت معدات للتطوير تسمح باستخدام الأسلحة النارية كبنادق آلية سريعة- ضد جمهور من هواة الموسيقى في لاس فيغاس، بولاية نيفادا، فقتل 58 منهم. ورداً على المجزرة، تدارس "الكونغرس" تشريعاً وأنظمة تحظر مثل هذه المعدات، ولكن لم توضع أي تدابير فعلية لتنفيذ ذلك. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ، طُرح على "الكونغرس" تشريع يهدف إلى الوقاية من العنف باستخدام الأسلحة النارية، إلا أنه لم يحظ بالأغلبية اللازمة.
27- لم يحسم القرار حتى الساعة تشريعان اتحاديان يسهِّلان حصول الأشخاص على كواتم صوت للأسلحة النارية وحمل أسلحة مخفية، قيد النظر. وظل ساري المفعول تشريع أُقر منذ 1996 ويحول دون حصول "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" على التمويل اللازم لإجراء أبحاث بشأن أسباب العنف المسلح وطرق الوقاية منه.
28- تدارست إدارة ترامب تخفيف القيود على تصدير الأسلحة الصغيرة، بما فيها البنادق والذخائر الهجومية، بنقل المسؤولية عن المبيعات الدولية غير العسكرية من الأسلحة النارية من "وزارة الخارجية" إلى "وزارة التجارة". ومن شأن هذه الخطوة أن تضعف الرقابة على مبيعات الأسلحة، وأن تزيد كثيراً من مخاطر تدفق الأسلحة النارية إلى بلدان تعاني من مستويات عالية من العنف المسلح.

خامساً : التنصت

29- زادت السلطات الأمنية بصورة غير قانونية من التصنت والتعدي على خصوصية المواطنين والمقيمين . وخلص مجلس مراقبة الخصوصية والحريات المدنية، وهو هيئة رقابية فيدرالية مستقلة إلى ارتفاع نشاط برنامج وكالة الأمن القومي (NSA) بمراقبة سجلات المكالمات الهاتفية غير قانوني .

سادساً : إشاعة الفقر والبطالة

30- وعلى الرغم من الانتعاش التدريجي الذي شهده الاقتصاد الأمريكي ، ما زالت البطالة والفقر يهددان الحق الأساسي للبقاء على قيد الحياة للشعب الأمريكي. كما تدهورت الأحوال المعيشية للناس الذين لا مأوى لهم باستمرار؛ فيما تواصل فجوة الدخل والممتلكات الناجمة عن عدم المساواة في التوزيع، اتساعها؛ وفضلا عن ذلك فإن حقوق المواطنين العاديين في الصحة والتعليم ليست مضمونة بشكل جيد، حيث تم استخدام الموارد بشكل نسبي لخدمة الأغنياء بشكل متكرر.
31- تهدد البطالة الحق الأساسي للشعب بالبقاء على قيد الحياة. فوفقا للأرقام الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل (BLS)، فقد بلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة 5.7 في المائة، مع حوالي 9 ملايين عاطل عن العمل ومنهم 2.8 مليون عاطل عن العمل لـ 27 أسبوعاً أو أكثر .
32- ما تزال نسبة الفقر عالية. فقد أظهرت الأبحاث أن أكثر من 14.5 في المائة الأميركيين (حوالي 45 مليون) كانوا يعيشون تحت خط الفقر وتدهورت الأحوال المعيشية الأساسية للأشخاص الذين لا مأوى لهم. حيث أظهرت الإحصاءات أن عدد السكان الذين لا مأوى لهم وصل إلى أكثر من 610,000 شخص بما في ذلك مستويات عالية من المشردين من الأطفال والشباب والجنود القدامى ووصلت نسبة التشرد في مدينة نيويورك إلى أعلى مستوياتها منذ "الكساد العظيم" في الثلاثينيات من القرن الماضي.
33- يتزايد باستمرار التفاوت في مستوى الدخل. فعلى مدى العقد الماضي، نما دخل الأغنياء الأميركيين بنسبة 86 في المائة، مقابل أقل من ستة بالمئة فقط لأي شخص آخر، وسجل الفارق في الدخل بين الأغنياء والفقراء في الولايات المتحدة أعلى مستوياته في نحو 80 عاماً.

سابعاً : سوء الرعاية الصحية والتعليم

34- لم يستطع نظام الرعاية الصحية حماية الحق في الصحة للمواطنين على نطاق واسع. فوفقا لآخر نتائج صندوق الثروة العام، سجل نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة أسوأ النتائج في الفعالية والكفاءة بين 11 دولة نظيرة شملها الاستطلاع . فلدى الأميركيين أعلى معدل للوفيات، وأعلى معدل لوفيات الرضع والرعاية الصحية لمن هم في سن ال 60. ومع ذلك ما زال الأميركيون يدفعون أكثر من ضعف ما يدفعه الناس في هذا المجال في الدول الأخرى
35- يعتبر الحق في التعليم بالنسبة للمواطنين العاديين غير محمي بشكل فعال، فوفقا لدراسة قامت بها مؤسسة نيو أمريكا، هناك 69 بالمئة من الكليات الخاصة التي تطلب من الطلاب الذين تكسب أسرهم 30 ألف دولار فما دون أن يدفعوا أكثر من نصف هذا الدخل من أجل الدراسة وتوفر الكليات الفرص فقط بالنسبة لأولئك الذين يكونون أغنياء بما يكفي لتحمل تلك النفقات نظيراً لنفقات الدراسة وأظهرت الإحصاءات بأن 29 بالمئة من الأمريكيين الشباب يتلقون تعليماً أقل من نظرائهم. وفي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يحصل متوسط 70 في المائة من الأطفال البالغة اعمارهم 3 أعوام على البرامج التعليمية، بينما في الولايات المتحدة، كان المعدل هو 38 في المائة فقط .

ثامناً : الإهمال المتعمد لاجهزة الأمن

36- استمر تقاعس السلطات عن تعقب وتحديد العدد الصحيح للأشخاص الذين قتلوا على أيدي أعوان الأمن في مختلف أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية. وطبقاً لما جمعته صحيفة "واشنطن بوست" من بيانات إحصائية، بلغ إجمالي عدد الأفراد الذين قتلوا أثناء السنة على يد أعوان الأمن استخدموا الأسلحة النارية 987 فرداً. وبحسب البيانات، مثَّل الأمريكيون من أصول أفريقية ـ الذين يشكلون 13%  من إجمالي السكان ـ ما نسبته 23% تقريباً من الضحايا في 2017. وكان 24% ممن قتلوا من الأفراد الذين عرف عنهم معاناتهم من مشكلات في صحتهم العقلية. ولم يكتس مقترح قدمته "وزارة العدل" لإنشاء نظام لتعقب هذه الوفيات بموجب "قانون الإبلاغ عن الوفيات في الحجز" صفة الإلزام لأجهزة تنفيذ القوانين، ولذا ظل يحمل في طياته خطر أن يؤدي إلى عدم الإبلاغ بصورة كافية عما يقع من حوادث. ولم ترد معلومات عما إذا كان قد بوشر بإجراءات للإبلاغ خلال العام.
37- فارق ما لا يقل عن 40 شخصاً الحياة في 25 ولاية جراء استخدام الشرطة أسلحة الصعق الكهربائي ضدهم، ما يوصل عدد من قتلوا بهذه الطريقة منذ 2001 إلى ما لا يقل عن 802، ولم يكن معظم الضحايا مسلحين، ولم يبدُ أنهم كانوا يمثلون أي تهديد لأحد بالقتل أو بالإصابة الخطيرة عندما استخدمت أسلحة الصعق الكهربائي ضدهم.
38- في أيلول/ سبتمبر 2017 ، أشعلت تبرئة رجل شرطة سابق من تهمة قتل أنتوني لامار سميث، إثر إطلاق النار عليه في2011، شرارة احتجاجات استمرت لأسابيع في مدينة سانت لويس، بولاية ميسوري، وأدت إلى القبض على المئات. وادعت منظمات محلية لحقوق الإنسان أن الشرطة قامت باعتقال محتجين بصورة غير قانونية وأن استخدامها للقنابل المسيلة للدموع وقنابل الغاز ضد المحتجين بلغ مستوى الاستخدام المفرط للقوة. واستعملت شرطة سانت لويس في مواجهة المحتجين معدات مكافحة الشغب الثقيلة وأسلحة ومعدات لا يجوز استعمالها إلا للأغراض العسكرية.
39- في آب/ أغسطس 2017 ، ألغى ترامب القيود التي فرضتها إدارة أوباما على نقل بعض المعدات ذات الطبيعة العسكرية لاستخدامها في الأعمال الشرطية.
40- خفضت وزارة العدل والبيت الأبيض جهود مراقبة إدارات الشرطة المحلية المتورطة في انتهاكات منهجية، بما فيه وقف التحقيقات ومراقبة إدارات الشرطة المحلية التي أفادت تقارير أن لديها أنماط وممارسات من القوة المفرطة والانتهاكات الدستورية.
41- وزير العدل في الإدارة الأمريكية جيف سيشنز، ألغى مبادرة "سمارت أون كرايم " (the Smart on Crime initiative)، التي أعطت الأولوية للملاحقات القضائية الاتحادية للمتهمين بارتكاب جرائم مخدرات عالية المستوى، وخفضت التفاوتات العنصرية في إصدار أحكام المخدرات الاتحادية، وحسّنت فرص إعادة الإدماج للأشخاص الذين يغادرون السجن.

تاسعاً : سياسات الاضرار بالمهاجرين

42- تبنّت الإدارة الأمريكية تغييرات في السياسات أضرّت باللاجئين والمهاجرين، أدت إلى تقويض مساءلة الشرطة عن الإساءات وتدهور حقوق المرأة، والحصول على الخدمات الصحية الهامة.
43- جعلت سياسات ترامب من جميع المهاجرين القابلين للترحيل هدفًا لها. وسعت الإدارة لتنفيذ إجراءات الترحيل التعسفية السريعة والمحاكمات الجنائية المتعلقة بالهجرة، وعمدت إلى زيادة الاحتجاز المطول للمهاجرين،
44- ألغى ترامب برنامج "تأجيل الترحيل للوافدين الأطفال"، الذي وضع مئات آلاف المهاجرين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة في سن الطفولة تحت خطر الترحيل، وكذلك أصدر البيت الأبيض في أكتوبر 2017 مبادئ وسياسات للهجرة تضعف حماية الأطفال المهاجرين واللاجئين.
45- فصلت السلطات الأمريكية 3700 طفل من أبناء المهاجرين عن آبائهم وأمهاتهم على الحدود، ووضعتهم في مراكز للاجئين بصورة غير نظامية يصرخون وينتحبون طلبًا لعائلاتهم، في انتهاك صريح لأبسط حقوقهم في ظل سعي ترامب لتحويل مسار اللوم عن هذه الممارسة التي تعرضت للانتقاد على نطاق واسع وصارت السياسة المميزة له في جدول أعماله المعادي للهجرة.
46- أصر المسؤولون في الإدارة على عدم الكشف عن هويتهم كي يشرحوا سياسة الرئيس وينكروا الكثير من القصص المضرة التي ظهرت في الأيام الأخيرة. شمل ذلك حكاية عن طفلة تبلغ أربعة أشهر أخذتها السلطات المعنية بالهجرة من والدتها التي كانت ترضعها، وقال أحد المسؤولين إن الوزارة حاولت التحقق من تلك الواقعة دون جدوى.
47- أصدرت الإدارة إجراءات جديدة وقاسية خاصة بفحص اللاجئين، وحددت الحد الأعلى السنوي لقبول اللاجئين لعام 2018 بـ 45 ألف لاجئ، وهو أدنى حد سنوي منذ إصدار الكونجرس لـ "قانون اللاجئين" عام 1980.

ختاماً :

يمكننا اعتبار انسحاب ادارة ترامب من مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة  الاسبوع الماضي نهاية مسار لاسترتيجية الابتزاز بعنوان حقوق الانسان كأهم عناصر الإيديولوجيا السياسية التي بشرت بها أمريكا لنفسها باعتبارها زعيمة ما يسمى بالعالم الحر والتي اعتمدتها الادارات الاميركية المتعاقبة منذ بداية القرن العشرين داخلياً وخارجياً كذريعة  في تدخلها بشؤون الدول.
وقد نتج القرار الأمريكي الجديد وبشكلٍ مباشر من عدم قدرة واشنطن على الإجابة عن أسئلة دوليّة حول الإجراءات التي اتخذتها مؤخراً في مجال حقوق الانسان إن بحق اللاجئين أو فيما يخصّ سياستها المرتبطة بفصل أطفال المهاجرين المخالفين عن ذويهم عند الحدود مع المكسيك.
أما كلمة السر والسبب الرئيسي والمباشر للخروج من مجلس حقوق الانسان فكان "إسرائيل" ،
وينوه ماكس فيشر في صحيفة "نيويورك تايمز"  إلى أن "ترامب استغل حالة الاستقطاب بشأن إسرائيل لتحفيز مؤيديه ، فقام باتخاذ خطوات أحادية الجانب بهذا الشأن، ".  
خُلاصة القول إنّ أمريكا كانت تعمد إلى الفيتو في مجلس الأمن عندما يتعارض أيُّ قرارٍ مع مواقفها ، أما في بقية المجالس التابعة للأمم المتحدة فكانت تتجاهل تلك القرارات طالما أنها غير مصيرية بالنسبة لها أو لـ "إسرائيل"، أما اليوم وبعد تزايد الضغوط الدولية والنفوذ الدولي وعدم استطاعتها  فعل شيء فؤثر لمصالحها فقد  قررت واشنطن الانسحاب من تلك المجالس، لتصبح أيُّ قرارات تُتخذ فيها غير ملزمةٍ لها، وعلى هذا الأساس من المتوقع أن يواصل ترامب الخروج من بقية مجالس الأمم المتحدة خصوصاً بعد سياساته التي أراد لها أن تجعل أمريكا تعيش مكتفية بنفسها، راميةً بمصالح العالم أجمع عرض الحائط.

2018-06-25