ارشيف من :نقاط على الحروف

القتل بروحٍ رياضية

القتل بروحٍ رياضية

كل أمر أو كلام أو تصرف من شأنه أن يؤدي إلى جريمة في لبنان. وقد تكون طبخة كثيرة الحامض أو قليلة الملح سبباً في جريمة. حتى إن بسمةً من فم شخص نحو شخص آخر، فهمها على طريقته، هي بداية خلاف لفظيّ فَيَديويّ فناريّ.

لم يعد أحد يطيق أحداً، ولم يعد أحد يصبر على كلام أحد. صار الشارع ميدان معركة متوقعة، وكذلك الجامعة والمدرسة والمؤسسة، وصولاً إلى المنزل.

الزوج المشغول البال بديونه ينفس همه في زوجته، والزوجة غير الراضية عن وضعها الماديّ تنفّس ضيقها في أولادها، والجار الذي لا ماء لديه يسطو على خزان جاره، لتبدأ معركة داحس والغبراء.

ولأن روحنا الرياضية "ضيقة" فقد نقتل لخسارة فريق من منتخبات كأس العالم، أو لحماسة زائدة لدى جارنا لمنتخب ما يزعجنا بالصراخ أو المفرقعات النارية أو بالأمرَين معاً.

الحلول الحبية للمشاكل لم تعد الموضة الحالية، الحلول الحبية جُبن، لماذا تلجأ إليها وأنت تستطيع أن تحمل سكيناً تطعن بها زوجتك أو مسدساً تردي به جارك أو من زاحمك بسيارته في عبور الشارع؟

لانعدام التربية المنزلية أو قلة اهتمام الوالدَين بها، لأسبابٍ كثيرة، دور في ما وصلنا إليه من سلوك جرميّ، وللوضع الاقتصادي الخانق دور في ذلك، وللخلافات السياسية والتعصب الديني دور، وللإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دور.

بالتأكيد نحتاج إلى دراسة نفسية اجتماعية اقتصادية، وربما دينية سياسية جغرافية كيميائية فيزيائية نووية فلكية، لمعرفة الأسباب المؤدية إلى السلوك الإجرامي المتفشي بين الكثيرين من أعضاء المجتمع، رجالاً ونساءً وحتى صغاراً. لكن هذا الموضوع يحتاج إلى وقت وجهد كبيرَين، فلا أقل من أن نتحلى ببعض الشعور بالمسؤولية، في المنزل والشارع وأمكنة العمل والدراسة، للمساعدة في التقليل من هذه الظاهرة الشنيعة، وكلنا مسؤول.

أيضاً نحتاج إلى نشر الوعي والحس بالمسؤولية في وسائل التواصل الاجتماعي، كون هذه الوسائل أصبحت في متناول الجميع، كباراً وصغاراً، أغنياء وفقراء، متعلمين وغير متعلمين. ولهذه الوسائل دوران متناقضان، فيمكن عبرها نشر خبر كاذب، عن عمد أو تسرّع أو حسن نية، يكون سبباً في نشوء خلاف أو إذكاء نار خلاف ناشئ، وفي تحشيد "الأصدقاء" و"المتابعين" ضد جهة نرى أنها على باطل تواجه جهتنا التي على حق. ويمكن عبر هذه الوسائل توعية "الأصدقاء" و"المتابعين"، بطريقتنا وأسلوبنا، إلى عدم الانجرار خلف الأخبار الملفقة، و"السكوبات" المتعجلة، والنصوص المثيرة للفتنة والخلافات، صغيرها وكبيرها.

كما لا بد من دعوة رجال التربية وعلماء الدين المالكين لحسابات وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي لأن يكون لهم دور في توجيه "الأصدقاء" و"المتابعين"، وبالأسلوب الأخويّ المحبَّب، الذي يجمّل النصيحة للآخرين، لا الأسلوب الفج، الذي يؤدي إلى تنفير الناس وهروبهم من صفحات هؤلاء التربويين وعلماء الدين.

2018-07-04