ارشيف من :تحقيقات

ما هو رأي الدين بالعلاج النفسي؟

ما هو رأي الدين بالعلاج النفسي؟

الأمن نقيض الخوف، وهو مطلب إنساني لا يقل أهمية عن المطالب الأخرى في الحياة. ولا شك أنه يصعب على المرء أن يعيش حياته بشكل طبيعي في ظل غياب أمنه المجتمعي وتهدد حياته دائماً، وقد أتت الأديان السماوية لكي تنظم هذه الحياة المجتمعية وتحفظ أمن الإنسان.

ويعتبر الدين أحد أهم ركائز البناء والتغيير في المجتمعات، لأن هدف الدين إصلاح الأفراد الذين وصلتهم الرسالة السماوية، وهنا تبرز شريعة الإسلام ودعوة الرسول الأكرم محمد "ًص"، إذ اهتمت بوضع نظام متكامل لبناء المجتمعات وتعايشها آخذةً بالاعتبار تطورها واختلاف ظروفها.

حرمة القتل

لقد حرم الدين الإسلامي قتل الإنسان والإفساد في الأرض حيث قال الله جل جلاله، في القرآن الكريم "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" المائدة 32.

والإفساد يأتي من عوامل متعددة تخص الجرائم التي تنتشر في الأرض، وهي لا تقتصر على القتل فقط إنما قد تكون مقدمة له وتتوج به لتتحول إلى الإفساد الذي تحدثت عنه الاية الكريمة الآنفة الذكر، ويتبع الإسلام إجراءات متعددة لمنع تلك المقدمات المبنية على الرذائل والمحرمات والتي تؤدي إلى القتل، سواء من خلال الترغيب بالابتعاد عنها أو من خلال العقوبات التي ذكرها الشرع المقدس، من أجل نزع فتيل تلك الجرائم، حيث قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى" سورة البقرة: 178، وقد قال تعالى "مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، سورة النساء 93. كما قال جل جلاله "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ"، سورة الأنعام 140. وقد ترك الله باب العفو مفتوحاً للتائب عن جريمته، فقال تعالى قدره  ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ سورة البقرة 237.

تكامل الخطاب الديني والدور الإعلامي

ويعتبر الخطاب الديني من أبرز الأمور المؤثرة ببناء المجتمع لا سيما في فئة الشباب، حيث يلعب عالم الدين دوراً بارزاً في تغيير بنى المجتمع من خلال الأسس الصالحة التي يضع من خلالها الخطاب الديني، حيث يساهم في تغيير عقول افراد المجتمع واخفاء الضلالة عنهم ليعيشوا في سلام. فالخطاب هو رسالة ذات مضمون فكري وديني واجتماعي له اهدافه وغايته ودلالاته المؤثرة على الفكر الانساني وبالتالي على الفعل الانساني، لذلك يجب أن يكون خطاباً مواكباً لكل التطورات المتجددة والمتطورة التي تؤثر بالأفراد حيث يجب العمل على نظم مفرداته حسب وجهة النظر المتجددة، التي من المفترض أن تتكامل في دورها مع وسائل الإعلام التي يقع على عاتقها مهمة كبيرة في نشر هذا الخطاب وتظهير تأثيراته الاجتماعية وكيفية تعاطيه مع الواقع الاجتماعي من أجل تكوين رادع ديني مجتمعي عن القيام بالفعل المنكر، وهذا ما يكون من خلال نشر العلم وتعليم الافراد والجماعات التعاليم الدينية، وتنمية روح الأخوة.

المعالجة النفسية ضرورية ومباحة

ما تقدم يتكامل مع معالجة كافة الأسباب التي قد تؤدي إلى ارتكاب الجريمة والانتحار، ومنها الأمراض النفسية التي أخذت تنتشر بشكل كبير في الآونة الأخيرة، نتيجة ما يمر به الشعب اللبناني لا سيما الشباب من صدمات وظروف صعبة، ومع أن هناك كثرا يعانون من الأمراض النفسية إلا أنهم لا يذهبون إلى الطبيب النفسي حيث يعتبرون أنها منقصة بحقهم أو بها سمعة غير أخلاقية أو يظنون أن الدين لم يشرعها. إلا أن الدين ينظر إلى الأمر بعين التأييد عندما يتطلب المرض المعالجة كسائر الأمراض، لا بل يوجبه على المريض إذا كان المرض سيؤدي به إلى ارتكاب المحظورات، وفي هذا السياق يقول الأستاذ في جامعة المصطفى العالمية فضيلة الشيخ كميل شحرور إن "الدين الإسلامي ينظر إلى اي مسألة من مسائل المعالجة والشفاء نظرة ايجابية، فكما يحتاج الجسد إلى علاج، فإن النفس تحتاج احياناً الى ذلك، واذا كان هذا الأمر يتطلب أن يتوجه الانسان الى الطبيب فإن الشرع يؤيد ذلك لا بل مع الضرورة يوجب ذلك حيث يجب على الانسان المريض بمرض نفسي أن يذهب إلى معالج نفسي حتى لا يصل مثلا إلى الانتحار أو أن يكون مرضه مثلا مقدمة لأمور أخرى"، مشيراً إلى أنه "ليس هناك أية سلبية في هذا الإطار بل يجب أن لا يخجل الإنسان بالذهاب إلى طبيب نفسي لكي لا يقع بالمحظور".

ويؤيد فضيلة الشيخ عامر كوثراني الأستاذ في الحوزة العلمية ما يقوله الشيخ شحرور، إذ يلفت إلى أن "الذهاب إلى الطبيب النفسي لا يوجد به أي مخالفة للحكم الشرعي، بل على العكس فإن الطبيب النفسي إذا كان إنساناً يخاف الله وضليعا في اختصاصه ويعلم بالحالة التي يتعرض لها الإنسان من نكسات نفسية وما شابه ذلك ولديه القدرة على معالجتها فلا مانع شرعيا من ذلك ابداً لأن المرض النفسي هو كغيره من الأمراض له علاج محدد ولا يعلم به إلا الطبيب النفسي الذي هو الأقدر على المعالجة لهذه الحالات"، مشدداً على أنه "ليس هناك أية مشكلة شرعية او اخلاقية في هذا الإطار، بل إن هناك الكثير من الناس يحتاجون للذهاب إلى الطبيب النفسي وأخذ الأدوية التي تساعد على الشفاء على أن يكون الطبيب أهلا للحفاظ على الشرع، وبالتالي فإن ذلك يعزز عدم الوقوع في المحظورات التي تحصل نتيجة هذه الأمراض".

2018-07-04