ارشيف من :مقالات

الأزمة الحكومية إلى أجل غير مسمى

الأزمة الحكومية إلى أجل غير مسمى

تُذًكِّر الأزمة الحكومية التي يمر بها لبنان اليوم بالأزمة الرئاسية التي عاشها البلد في العام 2007، حيث بقي لمدة تجاوزت الستة أشهر دون رئيس للجمهورية. وبقي لبنان يدار يومها من خلال حكومة تصريف أعمال، مع فارق، أن أزمة اليوم حكومية. واليوم لا يبدو أن حل هذه الأزمة يلوح في الأفق، فمبدئياً كل من الرئيسين بري والحريري قد غادرا الى خارج البلاد لقضاء عطلتهما السنوية ولن يعودا لمزاولة مهامهما قبل نهاية تموز.

 

وكما جرت العادة في لبنان، فإن صعوبات تشكيل الحكومات محكومة بأزمات داخلية وأزمات خارجية. يؤكد أحد المسؤولين المطلعين على مسار التأليف لموقع "العهد" أن الحكومة لن تشكل حتى آخر تموز على أقل تقدير مع وجود كل من الرئيس بري والرئيس الحريري في خارج البلاد. هذا بالإضافة إلى أن الوزير جبران باسيل سافر أيضاً لقضاء عطلته السنوية أيضاً. ويكمل المسؤول أن من المفترض أن تكون هذه الحكومة، هي حكومة العهد، ولذا فمن المقدر أن تستمر حتى نهايته. ويضيف أن العقد الداخلية التي تمنع تشكل الحكومة مختلفة. فهناك العقدة السنية، التي تتمثل بتصرف الرئيس الحريري وكأنه ما يزال يمثل الأحادية السنية في لبنان ويرفض الإعتراف بإنتهائها والتعاطي مع نتائج الإنتخابات الحالية، التي أفرزت قوى سنية أخرى تتمثل اليوم في مجلس النواب.

العقدة الثانية، هي العقدة الدرزية، والتي تتعلق بمطالبة جنبلاط بالحقائب الوزارية الدرزية كاملة، ورفض إعطاء واحدة للوزير طلال أرسلان من الحصة الدرزية. والسبب يكمن في حسابات جنبلاط المرتبطة بالساحة الدرزية في الجبل، والتي يسعى للقبض على زمام الأمور فيها، كما أنه يريد أن يكون ممسكا بنواب الجبل جميعاً.

العقدة الثالثة، التي يراها المسؤول، تتمثل في الصراع المحتدم بين الوزير جبران باسيل ورئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع، والذي قد وصل إلى حد القطيعة. كما أن تمثل القوات اليوم بـ 15 نائب، ومطالبتها بحقيبتين وزاريتين، إحداهما سيادية قد زاد الأمر تعقيداً. وهذا الصراع المحتدم له تداعيات ممتدة حتى نهاية العهد، سيتحول إلى صراع حتمي على كرسي الرئاسة في المرحلة التي ستأتي ما بعد الرئيس ميشال عون.

هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فيرفض المسؤول أن يربط عرقلة تشكيل الحكومة بالوضع الإقليمي في المنطقة. فالوضع الإقليمي وإن كان لا يشكل أية مخاوف بالنسبة لحزب الله على صعيد تشكيل الحكومة، كما أكد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير. غير أن السيد نصرالله يرى أن الوضع قد يكون كذلك في مكان آخر حيث يراهن البعض على تغيرات اقليمية. وهذا ما يعني أن هناك من يراهن على تغيرات لها علاقة بالتأكيد بإيران والحرب على سوريا وبنتائجها التي ستظهر خلال الأشهر القادمة. وكذلك في الترقب المنتظر إلى ما ستؤول إليه الأوضاع بالنسبة للإنسحاب الأميركي من الإتفاق النووي، والذي ستتبعه تداعيات كبيرة، اذ أنه رغم عدم انسحاب الأوروبيين من الإتفاق، إلا أن مصالح الشركات الأوروبية التي تعمل في إيران قد باتت مهددة بسبب المقاطعة الأميركية لها. وهذا ما سيكون له تبعاته على المستوى الإقليمي وبالتالي على توزع التحالفات في لبنان، وبحسب "البعض" على تشكيلة الحكومة القادمة التي ستفرضها الضغوطات الاقليمية المستجدة.

اليوم وبحسب التسريبات، فإن لبنان سيكون حاضراً في قمة الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. المؤكد أن الحكومة لن تبحث ما بين الرئيسين، بل إن ما يهم أمريكا اليوم أمرين: صفقة القرن وأمن الكيان الاسرائيلي، وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الروسي في هذا الإطار.

أمن الكيان الاسرائيلي لا يمكن أن يتحقق دون محاولة الضغط على المقاومة من بوابتي ايران وسوريا للتوقف نهائياً عن دعم حركات المقاومة والتحرر في كل من لبنان وفلسطين، ومحاولة إيجاد مخرج لأزمة الجولان القادمة بعيداً عن بوابة المقاومة من خلال العودة إلى اتفاق هدنة 1974 ما بين سوريا والكيان. يبدو أن الأزمة الدولية ستزداد خطورة بعد اعلان إيران احتمال إغلاق مضيق هرمز بسبب القرار الأميركي بخفض صادرات إيران من النفط إلى الصفر. وبالتالي محاصرة إيران كقوة اقليمية فاعلة في منطقة الشرق الأوسط.

تأتي الأزمة الحكومية بحسب المسؤول في وقت يشهد فيه لبنان أزمة اقتصادية كبيرة وأوضاعا حرجة، مشيراً الى أن بعض الناس قد بدأت بسحب الدولارات من البنوك خوفاً من تفاقم هذه الأزمة. هذا النوع من الأزمات بات يعرفه اللبنانيون وقد خبروه عندما سحب المال الفلسطيني من لبنان في العام 1982 مما تسبب ذلك بانهيار الليرة اللبنانية وهبط سعرها من 3.81 مقابل الدولار إلى أكثر من 397 ضعفاً مقابل الدولار ليعود ويستقر سعر الصرف بـ 1500 ليرة مقابل الدولار.

في ظل الوضع الإقليمي الراهن، وفي حال كانت الأطراف المختلفة تنتظر تغييراً ما في المشهد الإقليمي، يبدو أننا لن نشهد حكومة قبل أن تتكشف نتائج قمة "هلنسكي" القادمة في الأمد القريب، أو ربما تنتظر انجلاء المشهد السوري وخاصة في الشمال الشرقي وفي عفرين.

2018-07-07