ارشيف من :نقاط على الحروف

التصفيق يثير جنون القرود

التصفيق يثير جنون القرود

الفضيحة الإعلامية، الشائعة، الدعاية الكاذبة والنشوز الإعلامي، كانت بالماضي أساليب يستخدمها طرف ما ضد الآخر ليشوّه صورته أو لينسب إليه ما ليس فيه ويُعمِل أخباره الملفّقة لإثارة الناس ضدّ الطرف المستهدف بالحملة. على سبيل المثال فضيحة الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وكما نعلم أن بطلتها كانت مجرّد ظلّا خافتا لا يُشكّل رقما في أخبار الصحافة الأميركية أو العالمية، وحتى موتها كان ليكون أكثر من مهمّش في الإعلام لولا اقتران اسمها بهذا العمل الفضائحي الذي قرنت اسمها به تجاه الرئيس كلينتون ، بغض النظر عن صحّة الخبر أو صوابية الفعل.

يظهر عامل التميّز والجرأة الذي كان عنصرا يخدم الحقوق والرسالة الإعلامية ليصبح مطلبا بحدّ ذاته

إلى ذلك ، يظهر عامل التميّز والجرأة الذي كان عنصرا يخدم الحقوق والرسالة الإعلامية ، ليصبح مطلبا بحدّ ذاته ، كأن يسعى الإعلامي للتميّز من أجل التميّز ، لا ان يكون
مع ازدياد التنافس الإعلامي، وتملّك عامل الشهرة في النفوس بسبب عدّة عوامل ليس آخرها عالم الفن والإعلام والموضة ، ومع انتشار وسائل الإعلام والتواصل بلا حدود جغرافية وديموغرافية ، بات الجمهور أوسع والمنافسة أشدّ لإثبات الوجود ، أخذت الصحافة الصفراء تُصبح أكثر حضورا والحملات الإعلامية الدعائية تصبح أكثر تجذراً كأفكار بديلة عن السائد، حتى غدت الشهرة غاية وهدفا بحد ذاته تُعيي طالبها في هذا البحر المتلاطم من المنابر والمنصّات الإعلامية والتواصلية .

تحوّلت وسائل الدعاية الإعلامية السوداء، التي تقوم على الأخبار الملفقة والتسريبات الفضائحية إلى يد المتّهم نفسه، إذ نشهد حملات يكون مدير الحملة والمستهدف هو الشخص نفسه ، كمن يُطلق على نفسه النار مباشرة عبر شاشات التلفاز أو فيديو مسجّل يبثه على الشبكة الزرقاء طلبا للشهرة. بتنا نشهد كُثر ممن يُعملون أقلامهم وتسريباتهم ليستجلبوا لأنفسهم أخبارا كاذبة وشائعات سعيا خلف الشهرة.

الحقيقة بحد ذاتها لم تعد مطلبا يسعى إليه الإعلامي

الشائعة، الترويج السيء أو حالات الإستنكار التي يعبر عنها الإعلامي حيال قمع الحريات، كأن يُضرب أو يُقمع أثناء تأديته عمله بخدمة الحقيقة، صارت أمراً متداولاً. والحقيقة بحد ذاتها لم تعد مطلبا يسعى إليه الإعلامي بل وتجدهم أحيانا يكادون يصرخون " إضربوني وصوروني كي أصبح أنا الحقيقة والقضية"، شاهدنا هذا في عدة حالات تحقيقية إعلامية ،  انتظر فيه اللبناني أن يشاهد معلومات تحقيقية موثقة،  وإذ بالموضوع تحول من قضية فساد ، ما لبست أن اختفت معالمها، إلى قضية إعلامي "مضروب" بالتالي جُيّرت القضية إلى مصبّها الذي أراده الإعلامي ولو بـ" دعوسة استعراضية " .

حاليا نعايش مشكلة تتكرر بين فترة وأخرى، ويعتبرها البعض أنها تهدد ما يُسمّى بـ "السلم الأهلي" أحيانا، وهي البرامج الساخرة. هذه البرامج التي بدأت خطوتها الأولى للسخرية من السياسيين وأدائهم بمردوده السيئ على المجتمع، باتت عصاً تئزّ المجتمع كلّ حين ضد إعلامي ما أو مخرج ما، يطلب الشهرة لنفسه عن طريق الفئات الشعبية وعلى القاعدة التي ذكرناها سابقا . وإن كان جوزيف غوزبلز المستشار الإعلامي لأدولف هتلر قال: "إكذب إكذب حتى يصدّقكم الآخرون"، فالقاعدة هنا هي أفتن أفتن، حتى يثور ضدك أحدهم ويتعاطف معك الآخر ـ فتصبح قضية حرية تعبير ورز بحليب".

يمكنك كإعلامي القتال من أجل اثبات تميّزك، ولكنه من الغباء أن تعلّق حذاءك فوق رأسك لتسجّل اختلافا تستحق معه التصفيق، وتذكر أن التصفيق يثير جنون القرود..فقط.

مثلاً معد ومخرج أحد "البرامج الساخرة" لم يعد يجد في جعبته من النكات إلا النكات الممجوجة مع ايحاء جنسي يسند المحتوى لتحقيق القفز إلى الجمهور ، ولكن للأسف حتى بهذا المضمون والإيحاءات، لم يستطع أن ينافس، لاحتدام الطرح "المنفلش" في البرامج اللبنانية الأخرى والتي خالفت كل الأعراف الإعلامية، ما اضطره إلى اللجوء إلى خلق حالة النفور والتي تعني التميز السلبي من خلال الحركشة القيادية أو الدينية، وهو إن صدق بما يسوقه من تبريرات متأخرة يذكرنا بالذي أراد أن يتحبب إلى خطيبته فرمى عليها محدلة وقتلها، ولامها لأنها " كشّرت" عن أنيابها، ولا يبقي للآخر سوى أن يقول له "بلاها هالمحبة الي جايي على رفس".

يمكنك كإعلامي القتال من أجل اثبات تميّزك، ولكنه من الغباء أن تعلّق حذاءك فوق رأسك لتسجّل اختلافا تستحق معه التصفيق، وتذكر أن التصفيق يثير جنون القرود..فقط.

2018-07-18