ارشيف من :آراء وتحليلات

مناورات ’الشرق 2018’ ورسائل القوة الروسية!

 مناورات ’الشرق 2018’ ورسائل القوة الروسية!

ليس بعيداً عن الحرب السورية وتحديداً معركة أدلب الإستراتيجية والتي تسعى واشنطن وحلفاؤها الى منعها وروسيا وحلفاؤها الى اطلاقها، تحشد الدول الكبرى قدراتها العسكرية. فالمحاولات الأمريكية لإلهاء الأطراف بعيداً عن ساحة المعركة، من سوريا الى العراق، كلها أحداث تجري ضمن فلك استعراض الأطراف للقوة والقدرة على السيطرة والتحكم بالصراعات. وهنا تأتي أهمية مناورة الشرق 2018 الروسية "فوستوك"، والتي يراقبها الغرب عن كثب.

 

في مقالٍ له مثير للإهتمام تحت عنوان "هل تشكل مناورات المتوسط والشرق - 2018 رسائل جيو سياسية روسية؟"، يُشير الكاتب مهران نزار غطروف الى عدة رسائل تسعى موسكو لإيصالها من خلال المناورة الأكبر للجيش الروسي منذ الحرب الباردة. فبحسب الكاتب تسعى روسيا لإبلاغ واشنطن أنه لم يعد مسموحاً استخدام القوة والتهديد لاستعمار الدول، وتدمير الشعوب، والسيطرة على مقدراتها. من جهة ثانية يعتقد الكاتب أن روسيا تريد أن تُذكر العالم بأن روسيا باتت الأقوى عسكرياً على الساحة، لا سيما فيما يخص الحرب على الإرهاب. إضافة الى ذلك، يعتقد الكاتب أن المناورات تدل على أن كل محاولات تقويض السلوك الروسي عبر العقوبات أو التطويق، واختزاله ضمن حدود روسيا الجغرافية باءت بالفشل، بل إن موسكو باتت اليوم قادرة على حماية حلفائها الإقليميين.

بالإضافة الى ما تقدم، فإن عدة دلالات أخرى تبرز فيما يخص الرسائل الروسية:

أولاً: إن مشاركة الصين الحليف الإستراتيجي لروسيا، في هذه المناورات، لها عدة دلالات خاصة. فالمناورات التي تجري في الشرق الروسي على مقربة من الحدود الصينية، تدل على قدرة القيادتين الصينية والروسية التنسيق على صعيد القيادة والميدان العسكري. مع الأخذ بالإعتبار أن الصين شريكٍ بعيدٍ عن حلفاء الإتحاد السوفيتي التقليديين وخارج حدوده الجيوعسكرية.

ثانياً: نوعية الأسلحة المعتمدة في المناورة، لا تُبرز فقط تغلب القدرات العسكرية للطرفين ومنافستها للقدرات العسكرية الأمريكية بل تدل على نتائج التعاون العسكري بين الصين وروسيا. فعلى سبيل المثال، استعرضت المناورة طائرة "سو35" الروسية المتعددة المهام من الجيل الرابع، والمزودة برادار سلبي قادر على كشف الأهداف في مدى يصل إلى 400 كم ومراقبة 30 هدفا جويا في آن واحد. والتي تُعتبر نتاج التعاون العسكري الروسي الصيني.

على الرغم من أن الحرب السورية ما تزال الحالة السياسية الراهنة والمسيطرة على الساحة العالمية، فإن المناورات العسكرية ولغة عرض القوة، باتت جزءاً من المشهد العالمي، لا سيما بين اللاعبين الكبار، لإيصال رسائل القوة الجيوسياسية والجيوعسكرية. وهنا فالمناورات التي تأخذ طابعاً عسكرياً بطبيعتها، ليست بعيدة عن السياسة التي عادة ما تُفعَّل أوراقها بناءاً لقوة الأطراف. تهدف المناورات عموماً لإفهام واشنطن أن لغة العقوبات العبثية والتي تستهدف دول الممانعة كإيران والصين وروسيا، لم تمنع التعاظم في القدرات والأدوار. ولو أن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ورداً على المناورات حاول إنكار ما يجمع كل من الصين وروسيا، عبر قوله "أن هذه الدول تتصرف وفقا لمصالحهما ولا أجد ما يجمع الصين وروسيا على المدى الطويل"، فإن المناورات هي في الحقيقة نتاج لتعاون سابق وحاضر يؤسس لشراكة مستقبلية استراتيجية، ويوجِّه لواشنطن والغرب، رسائل أكبر من حدود المناورة وأطرافها. فيما يبقى السؤال الأهم، هل تبقى المناورات ضمن إطار الرسائل فقط؟

2018-09-14