ارشيف من :مقالات

السياسة المالية.. رهينة الاسكان

السياسة المالية.. رهينة الاسكان

يعتمد الاقتصاد اللبناني إلى حد كبير على سوق العقارات. إلا أنه ومع وقف الدعم المفاجئ لهذا السوق عبر قروض الاسكان، ازدادت  المخاوف من انهياره مع ما يحمله هذا الإنهيار من آثار سلبية على الوضع الإقتصادي الهش أصلا.

تحرك المصرف المركزي بهدف واضح: ايجاد طريقة لاعادة تمويل هذا الدعم الذي اعتادات أن تقوم به الحكومة اللبنانية. وبحسب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فإن الحل الامثل يكمن بفرض 5000 ليرة لبنانية على البنزين، وبزيادة ضريبة القيمة المضافة.

وخلال اجتماعه مع "لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط" النيابية، رفض سلامة اقتطاع ضريبة من المصارف لتمويل الإسكان. وبالتالي منهجة السياسة المالية للدولة بحسب قطاع العقارات والمصارف متجاهلا أثر ذلك على القدرة الشرائية والسيولة وبالتالي على مختلف القطاعات بما فيها سوق العقارات..

ارتفع العجز المالي في لبنان من 844.73 مليون دولار من أبريل 2017 إلى 1.91 مليار دولار في الشهر نفسه من العام 2018

فالسياسة المالية هي استخدام الإنفاق الحكومي والضرائب للتأثير على الاقتصاد. بمعنى آخر، قرارات الحكومة بشراء سلع وخدمات أو توزيع مدفوعات التحويلات أو جمعها للضرائب تؤثر مباشرة على الاقتصاد وهذا التأثير الناتج عن تغيير في ميزانية الحكومة تشعر به المجموعات المعنية.

إلا ان ذلك لا ينفي تأثيرها على مؤشرات الاقتصاد الكلي بما فيها الانتاج الكلي.

اصطلاحا تستخدم عبارة "السياسة المالية" لوصف التأثير على الاقتصاد الكلي للمستويات الشاملة للإنفاق والضرائب وبالأخص، الفجوة بينهما. فالسياسة الانكماشية تقلص العجز وأما التوسيعية فتزيده. وبلغة الأرقام، يمكن استخلاص الآتي:

وفقاً لوزارة المالية ارتفع العجز المالي في لبنان من 844.73 مليون دولار من أبريل 2017 إلى 1.91 مليار دولار في الشهر نفسه من العام 2018.  

شهدت الإيرادات المالية زيادة سنوية بنسبة 3.44٪ لتصل إلى 3.81 مليار دولار بينما ارتفع الإنفاق الحكومي بنسبة سنوية بلغت 26.39٪ للوقوف عند 5.73 مليار دولار.

ارتفع إجمالي الإنفاق الحكومي بنسبة سنوية قدرها 26.39٪ ليصل إلى 5.75 مليار دولار بحلول أبريل 2018

سجل الرصيد الأساسي العام للبنان والذي يستثني خدمة ديون لبنان عجزا قدره 365.25 مليون دولار  مقارنة بفائض قدره 625.14 مليون دولار بحلول أبريل 2017.

وبالنظر الى الايرادات، شهدت الإيرادات الضريبية (التي تشكل 74٪ من إجمالي الإيرادات) زيادة بنسبة سنوية بلغت 6.51٪ لتصل إلى 2.82 مليار دولار.

وبالتفاصيل، ارتفعت الإيرادات من ضريبة القيمة المضافة (34.21٪ من إجمالي الإيرادات الضريبية) بنسبة 8.65٪ سنويا إلى 964.32 مليون دولار، ويمكن أن يُعزى هذا بشكل كبير إلى معدل ضريبة القيمة المضافة الجديد البالغ 11٪ ، والذي ارتفع من 10٪ اعتبارًا من يناير 2018.

في هذه الأثناء، شهدت ايرادات الجمارك (15.41٪ من إيرادات الضرائب) زيادة بنسبة 3.04٪ على أساس سنوي بلغ 434.44 مليون دولار.

الزيادة في الإيرادات الضريبية قابلها انخفاض بالإيرادات غير الضريبية (16.74٪ من إجمالي الإيرادات) فقد شهدت انخفاضًا بنسبة 23.47٪ لتصل إلى 638 مليون دولار بحلول أبريل 2018. يمكن ربط هذا الانخفاض السنوي بنسبة 30.76٪ في "إيرادات الاتصالات" (التي تشكل 39.54٪ من إجمالي الإيرادات غير الضريبية) لتصل إلى 252 مليون دولار بحلول أبريل.

ارتفع إجمالي خدمة الدين بنسبة 5.34٪ سنويًا ليصل إلى 1.54 مليار دولار بحلول أبريل 2018

على صعيد الإنفاق، ارتفع إجمالي الإنفاق الحكومي بنسبة سنوية قدرها 26.39٪ ليصل إلى 5.75 مليار دولار بحلول أبريل 2018.

وفي التفاصيل، ارتفعت التحويلات إلى شركة كهرباء لبنان وحدها بنسبة 44.14٪ لتصل إلى 521.73 مليون دولار، في أعقاب الارتفاع السنوي بنسبة 25.70٪. بمتوسط أسعار النفط إلى 68.38 دولار للبرميل خلال الفترة.

علاوة على ذلك، ارتفع إجمالي خدمة الدين بنسبة 5.34٪ سنويًا ليصل إلى 1.54 مليار دولار بحلول أبريل 2018.

هذا في وقت ارتفعت فيه مدفوعات الفوائد بنسبة سنوية 5.51٪ لتصل إلى 1.50 مليار دولار بحلول أبريل 2018 بينما سجل سداد الدين الخارجي الرئيسي هبوطًا محدودا بلغ 0.65٪ سنويًا ليصل إلى 41.02 مليون دولار بحلول أبريل 2018.
 
أما قروض الإسكان المدعومة فقد ارتفع سقفها من  800مليون ليرة لبنانية سابقا (حوالي 530.679 دولار) إلى 1.2 مليار ليرة لبنانية (7962020 دولار).

وبالتالي، فإن زيادة الضرائب من أجل دعم قروض الاسكان سيكون ركيزة أساسية لسياسة انكماشية لتقليص العجز والتي ستترافق مع انخفاض بالسيولة، الأمر الذي سيقلل من عمليات البيع والشراء وبالتالي قد يؤدي الى ركود في السوق الامر الذي يجب تجنبه.

الاتجاه الى الزيادة على تعرفة البنزين لتمويل الاسكان يعني التوجه الى زيادة  كلفة التنقل والانتقال

وبالعودة الى الايرادات، نجد أنها ترتكز وبشكل كبير على ضريبة القيمة المضافة الامر الذي يعتبر غير صحي.

فأي زيادة في ضريبة القيمة المضافة سيستهدف جميع السلع والخدمات الامر الذي يعني استهداف جميع الفئات الاجتماعية وبالتالي سيزيد الفقراء فقرا ويقلص القدرة الشرائية والاستهلاك لحد كبير.

كما وان الاتجاه الى الزيادة على تعرفة البنزين لتمويل الاسكان يعني التوجه الى زيادة  كلفة التنقل والانتقال.
 
ومن المعروف ان ازدهار اقتصاد البلد يحتاج الى سهولة التنقل وتقليل كلفته ولبنان بعيد كل البعد عن هذين الشرطين وبالتالي زيادة اسعار البنزين ستؤثر سلبا على كل القطاعات الاقتصادية. اما الانفاق فهو نسبيا غير قابل للانخفاض بالوضع الحالي نظرا الى انه يذهب بمعظمه كخدمة الدين ومصاريف تشغيل للحكومة وتأمين للكهرباء.

ولعل رسم سياسة ضريبية جديدة تتسم بالضريبة التصاعدية والضرائب على أرباح المصارف هي جزء من الحل.
ولكن يحتاج هكذا قرار الى وقف الهروب من هالة حماية ارباح المصارف والتجرّؤ على مصالح النافذين في السلطة.

من جهة اخرى، من الضروري معالجة الهدر الحاصل على صعيد النفقات ان لجهة فعالية القطاع العام وواقعية نفقاته فضلا عن معالجة الانفاق الخيالي في قطاع الكهرباء.

وبالمحصلة، فإن الحل لا يتمثل بدعم قطاع العقارات واعادة العمل بقروض الاسكان أي ليس بسياسة انكماشية متمثلة بزيادة ضريبة القيمة المضافة وتعرفة البنزين بل باعادة جدولة الايرادات والنفقات.

 

2018-09-21