ارشيف من :آراء وتحليلات

اللاجئون في أوروبا: بين مطرقتي الاندماج الصعب واليمين الشعبوي

اللاجئون في أوروبا: بين مطرقتي الاندماج الصعب واليمين الشعبوي

يمر الاتحاد الأوروبي  بمرحلة حرجة، كشفتها النقاشات الساخنة حول مستقبله، حيث يعتبر البعض أن الاتحاد غير قابل للاستمرار سياسياً في بنيته الحالية. ولكن في المقابل، ثمة من يقول إن أوروبا صامدة في وجه التحديات التي تهزها كبروز الشعبوية، وموجات الهجرة، وانبعاث المخاطر الأمنية. فما يثير قلق بعض معسكر السياسة في أوروبا، وخصوصا في اليسار وجماعات حقوقية ومؤيدة لمزيد من استقبال اللاجئين، أن القارة بدأت تركع أمام اكتساح الفكر الشعبوي لخلق قلعة أوروبية مغلقة، وأن الحركات الشعبوية واليمينية  المتطرفة وجدت في ملف الهجرة مطية مناسبة لاقتحام حصون الأحزاب الأوروبية التقليدية والنفخ في موجة "الإسلاموفوبيا"، وولوج البرلمانات عبر بوابة الانتخابات وشعارات التخويف من المهاجرين القادمين لسرقة الوظائف وتهديد النسيج الاجتماعي والثقافي الاوروبي. لذا فقد تحولت مشكلة الهجرة واللجوء الى أزمة سياسية داخل الاتحاد الأوروبي، وأصبحت "قضية رأي عام" ملتهبة، و"حصان طروادة" للحركات الشعبوية واليمينية المتطرفة.

ألمانيا

في ألمانيا، دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الألمان إلى التحرك ضد "الكراهية" التي ينشرها اليمين المتطرف، بعد أعمال عنف جديدة حصلت مؤخراً، وأسفرت عن نحو 20 جريحاً، وقال المتحدث باسم المستشارة:"ما شهدناه للأسف خلال الأيام الأخيرة، هذه المسيرات لليمين المتطرف والنازيين الجدد المستعدين للعنف، لا يمت بصلة إلى الحداد على رجل قتله مهاجرون مشتبه فيهم، لكنها تهدف إلى توجيه رسالة كراهية ضد الأجانب والمسؤولين السياسيين والشرطة والصحافة الحرة".  وجاء تصريح المتحدث باسم ميركل تعليقاً على مسيرة جديدة نظمتها مؤخراً أحزاب كثيرة من اليمين المتطرف يتقدمها حزب "البديل لألمانيا" في  شوارع مدينة كيمنتس ، حيث شارك فيها 8 آلاف شخص للتنديد بمقتل ألماني يبلغ 35 عاماً تعرض لطعنات بسكين في الشارع. وأوقف القضاء طالب لجوء عراقياً يبلغ 22 عاماً ورجلاً سورياً  يشتبه بأنه شريك له.

السويد

وفي السويد، يشعر اللاجئون بالقلق خاصة بعد أن ارتفعت نسبة المؤيدين لقوى اليمين. وشهدت الحملة الانتخابية التي جرت في 9 أيلول/ سبتمبر الحالي، تغيّرا في لهجة الخطاب العام، إذ يمكن رؤية لافتات:"لا لرفع الآذان" و"تحدث بالسويدية لتصبح سويدياً" و"كراهية أم حوار؟" .

إيطاليا

وفي إيطاليا، اتخذت الحكومة الشعبوية موقفا متشددا تجاه قضية الهجرة، حيث ترفض استقبال المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر، ما لم تعرض الدول الأوروبية الأخرى استقبال عدد منهم.  
 
وهنا، يستحضرنا سؤال، هل يعاني مسلمو أوروبا من مشكلة "إندماج"؟! ومن جرائها تظهر عناصر إرهابية بين صفوف المسلمين  الأوروبيين؟

أحد الخبراء المتخصصين في شؤون الإسلام يجيب: "يبدو أن المسألة معقدة والجواب ليس يسيراً، لا سيما أنه لا يمكن بحال من الأحوال دمج جميع مسلمي أوروبا في  تصنيف واحد، فهناك أجيال عرفت طريقها لأوروبا منذ الحرب العالمية الأولى، كالأتراك المسلمين بنوع خاص، وهناك  جماعات من الذين ولدوا في أوروبا وحافظوا على عقيدتهم الإسلامية، وغالب الأمر أن هؤلاء وأولئك قد اندمجوا بدرجة أو بأخرى في المجتمع الأوروبي. إلا أن الإشكالية الحقيقية تتصل بالمهاجرين واللاجئين حديثي العهد بأوروبا، وجُلَّ هؤلاء رقيقو الحال ثقافياً وفكرياً، واجتماعياً واقتصادياً، وقد قذفت بهم أنواء الحروب والفقر والصراعات الأهلية من الشرق الأوسط بنوع خاص، ومن افريقيا عامة. فهذا الفريق لم ينَلْ حظاً وافياً كافياً من التعليم، وربما جرت المقادير بنشأته في مجتمعات متشددة، وبعضها الآخر متعصب، وغالباً ما تحدث لهؤلاء صدمة العولمة أو الانفتاح، وذلك من جراء الانتقال المفاجئ من حاضنات فكرية واجتماعية منغلقة إلى أخرى قد تعاني من وفرة الانفتاح".

بالإضافة إلى ما ذُكر آنفاً، هناك قصور يشوب كثيراً من الجاليات العربية والإسلامية في هذا المضمار، فلا جهد يبذل لتعلُّم لغة الدولة المضيفة، وكذا عدم القدرة على التعاطي بإيجابية مع سوق العمل الأوروبية، إذ إن لها متطلبات مختلفة بدرجة كبيرة عن نظيراتها في العالم النامي، أضف إلى ذلك حالة عدم الاتزان والفصام التي يعانونها، والاغتراب الروحي الذي يتألمون من شأنه، وبالإضافة إلى ذلك هناك إشكالية جرائم الشرف، حيث التعاطي والنظر إلى المرأة تتم من خلال منظور شرقي، لا يعتد به القانون الأوروبي، كل هذا يجعل من غير المندمجين والرافضين التعايش مع الأوروبيين قنابل موقوتة وجاهزة لأي تطرف أو تشدد ديني أو آيديولوجي.

قبل نحو عام أجرى معهد "بيرتلسمان ستيفتانغ" الألماني دراسة عن أحوال المسلمين في أوروبا ومعضلة الاندماج، الدراسة جرت وقائعها في خمس دول أوروبية، وخلصت إلى تقرير جاء عنوانه "المسلمون في أوروبا... اندماج ولكن دون قبول مجتمعي"، وقد حمل كثيراً من الرسائل حول اندماج مسلمي أوروبا وكذا العقبات التي يواجهونها.

في تقريرها المعنون "بداية جديدة" تذكر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه ليس هناك إجماع على تعريف مفهوم اندماج اللاجئ أو المغترب في الدول المضيفة، لكنها تحدد أن عملية اندماج اللاجئ في مجتمع جديد هي عملية تفاعلية تقع مسؤوليتها على الطرفين: اللاجئ نفسه والبلد المضيف، وأن هناك ثلاثة أبعاد رئيسية تحكم تلك العملية وهي البعد القانوني أو الحقوقي، والبعد الاقتصادي، والبعد الثقافي أو المجتمعي.

يبدو أن هذه الأزمة هي الامتحان الأكبر لكيان الاتحاد الأوروبي منذ قيامه، وأن الخروج منها صعب ومعقد بسبب خلافات أوروبية عميقة، وبسبب تغييرات كبيرة طرأت على النظام الدولي، خصوصا بعد وصول ترامب للسلطة في الولايات المتحدة، والتي وفرت للأطروحات الشعبوية واليمينية المتطرفة بيئة ملائمة للتكاثر وتمدد النفوذ سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة نفسها. وفي سياق هذه التغييرات، تبدو العملية التكاملية في أوروبا الآن محاصرة من الداخل والخارج، ومحشورة بين مطرقة نزعات متطرفة تهددها من الداخل، وسندان نظام دولي جديد يهددها من الخارج.

2018-09-22