ارشيف من :آراء وتحليلات

هل من تكليف لجمهور المقاومة في هذه المرحلة؟

هل من تكليف لجمهور المقاومة في هذه المرحلة؟

خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ليلة العاشر من محرم، كان خطابا مفصليا، ورغم أهمية كل خطاباته، النابعة من أنه لا يخرج للحديث لمجرد التحدث وانما لوضع النقاط على الحروف. الا أن خطابات معينة تكون لها طبيعة خاصة، يستطيع كل متأمل لما بين سطورها ان يستشعر طبيعة المرحلة وخطورتها ومفصليتها.

 

لسنا هنا بصدد تحليل للخطاب فهو بحاجة لكتابات متعمقة ومفصلة لأن كل ملف ورد فيه بحاجة لتعمق وتحليل واستنتاجات، لكن نود هنا التقاط ملف نرى أنه قد لا يلقي عليه الكثير من الضوء مقارنة بملفات أخرى وردت، متعلقة بتواجد المقاومة في سوريا وعدم رضوخها للضغوط طالما أن هناك حاجة لوجودها واتفاقا مع القيادة السورية على هذا التواجد، وكذلك ملف صواريخ المقاومة، وأن أمرها قد أنجز، وملفات أخرى هامة وردت ويتم الحديث عنها باستفاضة لدى دوائر العدو الصهيوني، وكذلك يتم تداولها في معسكر المقاومة وأصدقائها وجمهورها.

وهذا الملف الذي نود الحديث عنه باعتباره لا يقل خطورة لتعلقه بالجبهة الداخلية التي لا تقل أهمية عن الجبهة الخارجية، هو ملف الحرب النفسية والشائعات والاخطاء التي قد يقع بها بعض المحسوبين على المقاومة، والذين خاطبهم السيد قائلا: (أنا أدعو كل المسؤولين وأخواننا وأخواتنا وكل أخواننا وأخواتنا والناس العاديين الذين ينتمون إلى مسيرتنا، خصوصا في هذه المرحلة إلى الانتباه إلى كل كلمة وإلى كل تصرف إلى كل جملة تكتبوها على مواقع التواصل الإجتماعي، للذين يخطبون وهم يخطبون وللذين يتصورون وهم يتصورون، للذين يجلسون مع الناس وهم يتكلمون مع الناس يوجد جو في البلد بل في كل المنطقة بعد فشل الحروب العسكرية يريد أن يأخذ شعوبنا إلى التشتت والتفتت من خلال الشائعات الكاذبة، هذا يحصل الآن بين الشعب الإيراني والشعب العراقي وله تفاصيل كثيرة، وأكاذيب لها أول وليس لها أخر، وأفلام فيديو وتمثيليات مكذوبة، أو غير ذات صلة بالخبر المنقول.)

هذا الحديث يذكرنا بالمنشورات التي كان يلقيها العدو في حرب تموز على لبنان وتحديدا قرى الجنوب والتي كانت تتمحور حربها النفسية حول محاور محددة يمكن تلخيصها فيما يلي:

1/ اضعاف معنويات جمهور المقاومة عبر المبالغة في قوة "اسرائيل" حيث استخدمت مصطلحات مثل الفولاذ في مواجهة بيت العنكبوت التي وصفت بها المقاومة كيان العدو، وكذلك عبر التشكيك في قوة المقاومة.
2/ تشويه صورة المقاومة وقياداتها لدى جمهورها باعتبارهم مختبئين ويقودون جنودهم للهلاك!
3/ تشويه صورة المقاومة لدى بقية الشعب اللبناني باعتبارها تقود لبنان الى الخراب.
4/ الايقاع بين حزب الله وباقي فصائل المقاومة والشعوب القابعة تحت الاحتلال والهيمنة باعتباره نموذجا يقود بلاده للدمار وان الاقتداء به في بلدان اخرى سوف يدمر السلام ولا يقود الا الى "الهاوية" وهو مصطلح تراثي شهير استخدمته "اسرائيل" في الحرب النفسية لتخويف الشعوب من الدمار الشامل ونهاية الخلق!

ولو تأملنا في مضمون المنشورات الصهيونية، وفي ما يبث حاليا من شائعات في قنوات فضائية للأسف (عربية)، وكذلك لو تأملنا مواقع التواصل وما يبث عبرها من "دعايات" سوداء ضد المقاومة، لوجدناها تتمحور حول هذه المحاور المذكورة، لاضعاف المقاومة وعزلها والانفراد بشعوب خائفة مذعورة مستسلمة لا أمل لها في مقاومة ستقودها للدمار، وهو ما يعطي مسوغا لحكومات التطبيع والتخاذل والتفريط لتنفيذ مخططات وصفقات على غرار صفقة القرن، وكذلك ما يضمن للصهاينة حلمهم في "طوق نظيف" كما يخططون له.

بالعودة لكلام السيد حسن، فقد أوضح هذه المرة وتحدث بشكل اكثر تفصيلا، مما يشي بأن هناك استياء حقيقي من بعض التصرفات وانها بالفعل تشكل ضررا كبيرا، فقد قال: "نحن في مرحلة حساسة، يعني من الممكن أي شاب، يا إخوان نحن في حزب الله أجلس أنا والإخوان وأحياناً المجلس السياسي وأحياناً النواب وأحياناً لا أعرف من، نجلس ونناقش متن البيان ونص البيان نقول هذا أو لا نقول هذا، بعد قليل يخرج أي شاب من شبابنا أو أي أخ من إخواننا "بينتع" لا بأس، بالتحديد "بينتع" جملة على مواقع التواصل الاجتماعي يأخذوها، هو ليس مسؤول في حزب الله ولا شيء، يأخذوها بعض وسائل الإعلام تصبح هي الموضوع الأساسي في مقدمة نشرة الأخبار، لماذا؟ لأنه حقيقة هم يريدون فتنة".

وهنا نفهم من هذا الحديث أن هناك خطراً يتشكل من الاصطفاف مع العدو وتقديم المادة الخام للدعاية السوداء ولا يشترط ان يكون بسوء نية أو اختراق لصفوف المقاومة، ولكن يكون بدوافع ذاتية لبعض المحسوبين على المقاومة ممن لا يستوعبون جيدا فلسفتها او لا يستوعبون جيدا حساسية اللحظة وطبيعة المرحلة وما يقال ولا يقال، او البعض من طلاب الشهرة ومدعي البطولة والمنتسبين زورا للمقاومة او البعض من الذين يسقطون اهواءهم الشخصية على المقاومة ويحاولون تكييف المقاومة على حسب فكرهم واهوائهم ويتحدثون باسمها.

المخلصون للمقاومة والواثقون بها وبحكمتها لا بد لهم الانتباه، والذي دعا له السيد حسن عندما قال: "لذلك العنوان الثاني في المواجهة هو الانتباه، عدم ارتكاب الأخطاء، أحياناً نحن نرتكب أخطاء ولها تبعات ولها خسائر، يجب أن ننتبه في هذه المسألة ونعتبر أنه لا، مثلما في أيام الحرب أو الإستعداد للحرب مطلوب استنفار عسكري كبير، مثلما الآن بكل مناطقنا هناك استنفار أمني كبير، أنا أدعوكم إلى استنفار إعلامي وإلى استنفار كلامي واستنفار ذهني كبير، اسمه الانتباه لما يُقال ولما يُنقل ولما يُكتب حتى لا نُعطِ مادة لأحد لاستغلالها. أبسط خطأ يحصل عندنا يعملوا منه أزمة في المنطقة، خطأ صغير، يمكن أيضاً لا نكون نحن مسؤولين عنه".

اما الاخرون والمحسوبون زورا على المقاومة والذين لا يستجيبون لهذه التحذيرات المتعلقة بخطورة المرحلة، فيجب التصدي لهم والتبرؤ منهم، لانهم والمخترقون لصفوف المقاومة من الاعداء سواء، فكم من تدفعهم ذواتهم المتضخمة واطماعهم الشخصية للانقلاب على انتماءاتهم ومعسكراتهم والاصطفاف مع الاعداء.

نعم المقاومة ليست معصومة ولا احد فوق المحاسبة، ولكن جمهور المقاومة الحقيقي والمخلص لا بد وان يعي خطور المرحلة وان ينتبه في كل همساته وتصرفاته وتصريحاته وحتى انتقاداته، حتى لا تخرج من نطاق النقد الذاتي البناء لنطاق التشهير الخادم للعدو، وكل من له نقد او ملاحظات، فهناك مئات الطرق لايصالها وهناك الاف الطرق للتعبير عنها بكياسة وحكمة، ولا بد من التحلي بروح المسؤولية في لحظات دقيقة من لا يستطيع استشعارها برصده، فعلى الاقل ان يصدقها عبر ثقته في قيادة المقاومة  وحساباتها.

 

2018-09-25