ارشيف من :آراء وتحليلات

الصواريخ الدقيقة: انتصار جديد في ’حرب الأدمغة’

الصواريخ الدقيقة: انتصار جديد في ’حرب الأدمغة’

الوجهُ الآخر لِكَشفِ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، عن إنجاز الأمر واتمامه، في امتلاك الصواريخ الدقيقة، يشكل أحد أهم التجليات الحديثة لـ"حرب الأدمغة" التي ما زالت متواصلة بين حزب الله والجيش الاسرائيلي منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي.  
وبنظرة خاطفة الى الوراء، يتضح أن أحد أهم منابع الإنجازات التي حققها حزب الله في المقاومة ضد العدو الاسرائيلي، يكمن في الابداعات التي أنتجها عقله الاستراتيجي والتكتيكي على حد سواء.

في الوقت الذي كان يخوض الى جانب حلفائه في محور المقاومة معركة الدفاع عن الوجود ضد الارهاب التكفيري، كان حزب الله يخوض ايضا على خط مواز معركة أمنية محتدمة مع العدو الاسرائيلي، وأخرى ردعية تهدف الى منع العدو من استغلال تلك الحرب في أكثر من اتجاه، منها منع تعاظم قدراته كما ونوعا، وأخرى عبر ردع العدو عن استهداف قدراته في الساحة اللبنانية.

احتل امتلاك حزب الله صواريخ دقيقة قادرة على دك العمق الاستراتيجي، رأس اهتمامات المؤسستين الأمنية والسياسية في "اسرائيل"، التي عمدت الى استخدام كل تفوقها التكنولوجي والاستخباراتي من أجل الحؤول دون تحقق هذا السيناريو المرعب، هذا من دون الاشارة الى المساعدة التي قد تكون تلقتها من أكثر من جهة دولية واقليمية. في المقابل، لم تُشغل المعركة ضد التكفيريين حزب الله عن خوض معركة الجاهزية وتطويرها، التي تميزت بأنها أقل ضجيجا، وأكثر أهمية ازاء مستقبل لبنان والمنطقة والمقاومة. وانطوت على تعقيدات كانت فيها الكلمة الأساس للابداع العقلي الذي يدير المعركة في مقابل عدو يتمتع بقدرات هائلة على كافة المستويات، وبدعم لا محدود من المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية.

في مواجهة التفوق التكنولوجي والاستخباراتي والعملاني، ينضم نجاح حزب الله في معركة الجاهزية، وتحديداً بالصواريخ الدقيقة، الى سلسلة الانجازات التي حققها في سياق الحرب الامنية المتواصلة مع العدو. وفي ضوء حجب حزب الله أسرار هذه المعركة الأمنية التي ما زالت متواصلة، وكيفية ادارته لها، خاصة أنها كانت في أغلب جوانبها صامتة - باستثناء دوي الغارات الاسرائيلية - وبعيدة عن وسائل الإعلام والرأي العام، ليس أمامنا سوى الاكتفاء باستخلاص أهم الدلالات العامة في هذه الحرب المعقدة، التي تجلت فيها حرب الادمغة بأعلى صورها، اضافة الى أبعاد عملياتية موازية.

أثبت حزب الله بالتجربة الملموسة حصانة أمنية استثنائية

أثبت حزب الله بالتجربة الملموسة حصانة أمنية استثنائية، في مواجهة مساعي الاختراق التي كثيراً ما تستند اليها الاستخبارات الاسرائيلية لمواجهة سعي أعدائها للتزود بقدرات استراتيجية، وهو ما وفر له الشرط الاساسي لنجاحه في مقابل عدو يتمتع بتفوق استخباراتي وتكنولوجي وعسكري، وبحرية حركة ومبادرة عملانية على الساحة السورية، المعبر الحصري لقدرات حزب الله، نتجت عن الحرب التي خاضتها وتخوضها سوريا ضد الارهاب التكفيري.

أثبت حزب الله كفاءات استثنائية في تعمية العدو الاسرائيلي الذي سخّر امكانات استخباراتية هائلة تتحدث عنها تقارير الخبراء والمعلقين، لما يطلق عليه "المعركة بين الحروب" التي تهدف الى منع تعاظم قدرات أعدائها وعلى رأسهم حزب الله. ويختبئ وراء هذا العنوان (تعمية العدو)، الكثير من التفاصيل التي لا نعلم عنها إلا مفهومها العام. لكن يمكن لأي منا أن يجري تمرينا ذهنياً يتخيل من خلاله سيناريوات واقعية لعمليات نقل الصواريخ النوعية الدقيقة، في مواجهة تعاون استخباراتي اميركي - اسرائيلي - اقليمي، تم لصالحه توظيف أقصى ما تملكه هذه الاطراف من تفوق تكنولوجي. ويحضر في هذا السياق ايضا كيف أن حزب الله صمت طوال الفترة الماضية عن الكثير من نتائج هذه المعركة، حتى أن العدو نفسه - وربما معه العديد من أصدقاء المقاومة - توهم نجاح حربه التي يشنها على قدرات المقاومة النوعية، الأمر الذي دفع العديد من مسؤوليه وخبرائه الى التغني بنتائجها. وهو ما وفر لحزب الله هامشاً في الحركة والمناورة أوصلته الى أن يعلن ما أعلنه السيد نصر الله في خطاب العاشر من محرم.

لا أحد ينكر على "اسرائيل" نجاحها في تحقيق نتائج تكتيكية هامة هنا وهناك لكنها تبقى تفاصيل في معركة كبرى

مع ذلك، لا أحد ينكر على "اسرائيل" نجاحها في تحقيق نتائج تكتيكية هامة، هنا وهناك، لكنها تبقى تفاصيل في معركة كبرى، تمخضت في النهاية عن فشل استراتيجي تجسد في نجاح حزب الله بامتلاك ما كانت تسعى بكل أجهزتها للحؤول دون تحقق ما يمثل السيناريو الأكثر إقلاقا لمؤسسة القرار السياسي والامني في "تل ابيب". وعلى ذلك، يتوقع في فترات لاحقة أن يكون لهذا الانتصار الاستخباراتي - العملاني، لحزب الله، تبعاته داخل المؤسسة الاستخباراتية الاسرائيلية، التي كان لها الدور المفتاحي في معركة الجاهزية.

في الخلاصة أثبت كوادر حزب الله ومقاوموه تمتعهم بكفاءات استثنائية في ادارة أخطر وأعقد المعارك في مواجهة عدو تشكل الاستخبارات بكافة عناوينها البشرية والتكنولوجيا أحد أهم مجالات تفوقه. ومع أن المتوقع ألا يكشف حزب الله عن تفاصيل هذا الانتصار الجديد في "حرب الأدمغة"، كما هو نهجه الدائم ـ طوال تاريخه ـ في هذا النوع من المعارك في مواجهة "اسرائيل"، وهو ما لم يفعله ازاء أكثر المحطات التي خاضها في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي للحزام الامني، لكن كشف السيد نصر الله، جسَّد نتيجتها الاجمالية باعلان امتلاك صواريخ دقيقة والتي سيكون لها مفاعيلها الكبيرة على مستقبل معادلات الصراع مع العدو، وستساهم في رسم مستقبل لبنان والمنطقة.

2018-09-29