ارشيف من :مقالات

معبر نصيب السوري.. ونصيب لبنان منه

معبر نصيب السوري.. ونصيب لبنان منه

بعيداً عن الخوض في التفسيرات والتحليلات السياسية لإعادة فتح معبر نصيب السوري.. فإن للبنان نصيبًا وافرًا من المعبر السوري .. والتجربة القاسية دليل وبرهان.

ففي بداية الشهر الرابع من عام ألفين وخمسة عشر -  أي قبل نحو ثلاث سنوات - سيطرت مجموعات إرهابية مسلحة على بلدة نصيب في محافظة درعا، شمال سوريا، وبالتالي تحكمت بالمعبر البري الدولي مع الأردن، وأوصدت أبوابه أمام آلاف الشاحنات التجارية بين دول الجوار والمنطقة، ومن بينها لبنان. كانت تلك السنوات، عجاف عليه وعلى قطاعاته كافة - المعتمدة على التصريف المنخفض التكاليف - فكانت الدولة اللبنانية أول الخاسرين وأكثرهم من إقفال المعبر السوري. اليوم، عادت سوريا لتعلن رسمياً عبر وزارة النقل، أن المعبر سيعود إلى العمل في العاشر من الجاري، بعد أن اكتملت التجهيزات اللوجستية والإدارية فيه، ليتقدم لبنان كل الدول المجاورة من حيث الاستفادة والربح، وتعويض الخسائر.

وزير الزراعة لـ "العهد": لا بد من التنسيق بين الدولتين

الواقع هذا، استفزّ مزارعي لبنان وتجّاره.. إنه الممر اليسير، والوفير من حيث تكاليف النقل والإجراءات الجمركية المالية، والممر القريب الذي يربط لبنان بالأردن ومن ثم إلى كل الخليج.. عوضاً عن ممرات البحر والجو البعيدة والمكلفة مالياً، والتي رتّبت على الحكومة اللبنانية ملايين، بل مليارات الليرات اللبنانية سنوياً وفق ما أكد وزير الزراعة اللبنانية غازي زعيتر لـ "العهد"، دون أن تُحل أزمة التصدير، مشيراً إلى أن معبر نصيب يؤمن تصدير 85% من المنتجات المحلية اللبنانية، وبالتالي فإن مجرد الحديث عن إعادة فتح المعبر سيكون خبراً لا يُعوض بالنسبة للمزارعين اللبنانيين والتجار، لأن هذا الممر البري الأساس
هو أكثر من ضرورة بالنسبة لقطاعات الاقتصاد اللبناني بحسب زعيتر.

وزير الزراعة: نقوم بما يجب مع الجانب السوري لتأمين المصلحة اللبنانية الاقتصادية

ولفت وزير الزراعة إلى أن وزير الصناعة حسين الحاج حسن وآخرين يقومون بما يجب القيام به للتعاون مع الجانب السوري وتأمين المصلحة اللبنانية الاقتصادية. لكن هذا لا يكفي، يؤكد زعيتر، فالأمر يتطلب تنسيقاً رسمياً ويومياً. ويسأل زعيتر، ماذا لو طالب الجانب السوري بأن تتم معاملات التنقلات التجارية معه عبر القنوات الحكومية؟ هل سيمتنع لبنان الرسمي عن ذلك، ويتسبب بمزيد من الخسائر الاقتصادية على المزارعين والتجار والصناعيين؟ وحذّر زعيتر من مغبة تفويت هذه الفرصة لتعويض ما خسره الاقتصاد اللبناني وقطاعاته خلال السنوات الثلاث الماضية، مؤكداً أن انعكاسات عودة معبر نصيب ستكون أكثر من إيجابية بالنسبة للبنان.

وعبر موقع "العهد"، اقترح زعيتر على الحكومة اللبنانية - في حال أصرت على عدم التنسيق مع الجانب السوري - أن تشتري هي منتج القطاعات اللبنانية وتبيعهم أينما تريد، ووفقاً لطريقة التصدير التي تختارها، على أن تتحمل هي خسائر التكاليف المرتفعة بدل المزارع والصناعي والتاجر.

ترشيشي لـ"العهد": نحن أكثر من تضرّر وأول من سيستفيد

رئيس تجمع مزارعي البقاع: معبر نصيب أكثر من ضروري لقطاعاتنا

لا يتردد رئيس تجمع مزارعي البقاع ابراهيم ترشيشي، في وصف خبر عودة فتح معبر نصيب، بالخبر الأبيض، بعد أن كان أسود عندما أقفله الإرهابيون في بداية عام 2015. سنوات تجاوزت معها خسائر المزارعين اللبنانيين الـ 3.5 مليار دولار أميركي، وفق ترشيشي. وهو رقم يراكم عجزاً فوق عجز قطاع الزراعة في البقاع وكل لبنان. وأشار ترشيشي لـ"العهد" إلى أن معبر نصيب أكثر من ضروري لقطاعاتنا، بل هو حاجة أساسية في يوميات التصدير والحركة التجارة اللبنانية، مشدداً على ضرورة الاستفادة من واقع عودة شريان الحركة التجارية البرية الأساس بالنسبة لدولتنا، والتي كانت تصدّر عبره أكثر من 550 ألف طن سنوياً، قبل أن تخسر أكثر من نصف صادراتها عبره، رغم كل الإجراءات والسياسات والدعم المقدم من الحكومة، يغمز ترشيشي.

حسابات السياسة والاقتصاد في معبر نصيب

عبرت سوريا عين الأزمة، ولم يعبر البعض في لبنان حسابات النكد السياسي اليومي. تجربة معبر نصيب ليست وحيدة، ولكن قد تكون فريدة في تقديم نموذج عن العقلية السياسية اللبنانية المتعنتة، فوق حساب المصلحة الوطنية والاقتصادية والمجتمعية والمؤسساتية الجامعة .. والمتمترسة خلف شعارات لم تعد موجودة إلا في الأرشيف المشوه، والذي لا يقدم للبنان ومواطنيه، ما هو بأمس الحاجة اليه، تحديداً في هذه المرحلة الصعبة اقتصادياً ومعيشياً. اليوم يقف لبنان أمام معبر المصلحة الوطنية أولاً، معبر حسابات رجالات الدولة – المؤسسة .. في قضية يقول القيمون عليها من وزراء وخبراء ومعنيين إنها توفر على خزينة الدولة أموالاً طائلة، وتؤمن للمزارعين والتجار ما يسهّل حركة عملهم وينشّط أسواقهم.. وتعيد لبنان إلى خارطة التصدير الفعلي.. فهل يتجاوز لبنان معبر حساباته المعقدة وغير الواقعية ولا المنطقية.. أم يعلق حيث هو، من دون مبرر سياسي ولا دبلوماسي أو تجاري؟

الجواب لم يعد بعيداً .. 10 أيام وترفع سوريا باب أحد أكبر وأهم معابرها البرية: معبر نصيب الدولي. ويصبح أمام لبنان خيارين: مصلحته الوطنية، أم تصفية حسابات شخصية!

 

2018-10-01