ارشيف من :آراء وتحليلات

تقديرات ’تل أبيب’ الخاطئة ورطتها مع الـ’أس 300’

 تقديرات ’تل أبيب’ الخاطئة ورطتها مع الـ’أس 300’

ما زال سقوط الطائرة الروسية يتفاعل في الساحة الإسرائيلية، خاصة وأن موسكو قررت تسليم الجيش السوري منظومة أس 300 المتطورة، ما قد يشكل - نظرياً حتى الآن - تهديداً لحركة سلاح الجو الإسرائيلي. وتكشف المحطات التي توالت منذ الاعتداء الإسرائيلي في اللاذقية وما رافقها من تطورات ميدانية ومواقف، عن أكثر من رسالة ومؤشر إلى إمكانية ما في تطور المعادلة التي تحكم حركة الصراع في سوريا.

منذ فشل الرهان الإسرائيلي على دفع موسكو للعب دور كابح للوجود الايراني، وجدت "إسرائيل" نفسها أمام خيار وحيد وهو استمرار وتصاعد الضربات العسكرية في الساحة السورية، مع ادراكها أن هذا المسار غير مجدي بالنتيجة الاجمالية، وهو ما كشفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالدليل، من خلال الاعلان عن اتمام الأمر في التزود بالصواريخ الدقيقة التي تمر عبر سوريا، من دون أن تتمكن طائرات العدو من استهدافها. لكن "تل ابيب" تجد نفسها ملزمة بهذا الخيار العدواني انطلاقا من أن البديل أشد خطورة، وسيساهم في إضعاف "إسرائيل" حتى على المستوى السياسي.

القضية تدحرجت من الدعوة إلى تطوير التنسيق الامني إلى محاولة فرض ارادات

في ظل اندفاعتها العدوانية، تسببت "إسرائيل" بسقوط الطائرة الروسية،"إيليوشن- 20"، وبمقتل 15 ضابطا كانوا على متنها، خلال عدوانها على اللاذقية. وأظهرت التفاصيل التي كشفتها وزارة الدفاع الروسية، أن "إسرائيل" تعمدت شن غارتها في الوقت الذي كانت الطائرة الروسية في أجواء منطقة الاعتداء وضمن مدى صواريخ الدفاع الجوي. وهو ما يُظهر استهتاراً بأمن الجنود الروس. الأمر الذي دفع موسكو لاتخاذ موقف حاد والدعوة لاعادة النظر بصيغة التنسيق السابقة، وهو ما رفضته "تل أبيب" مطلقاً.

انطلق رفض "تل أبيب" من تقدير أن أي صيغة جديدة تطرحها موسكو ستُقيد حركة سلاح الجو وستقلص من هامش مناورته، وتوفر مساحة أمان يمكن للنظام السوري ومحور المقاومة الاستفادة منها. ويبدو أن تصلب الموقف الإسرائيلي استند إلى تقديرات خاطئة، مفادها أن الروسي سيكتفي ببعض المواقف الاستعراضية من أجل امتصاص الغضب الشعبي الناتج عن الخسارة المؤلمة التي مسَّت هيبة الدولة الروسية.

 وهكذا يبدو من الواضح أن القضية تدحرجت من الدعوة إلى تطوير التنسيق الامني إلى محاولة فرض ارادات، وإلى قرار بتسليم منظومة اس 300 للجيش الروسي. وكل ذلك، كان خارج توقعات المؤسسة الإسرائيلية التي غامرت استنادا إلى تقديرات خاطئة. ولا يتعارض ذلك، مع كون الطرف الروسي قد استغل الحادثة للاستفادة منها، في أكثر من مجال بما فيها تعزيز قدرات النظام السوري في ضوء التهديدات الإسرائيلية المتواصلة.

مع ذلك، ينبغي التأكيد على حقيقة أن تسليم موسكو الجيش السوري منظومات اس 300 ليس نتيجة قرار بمشاركة روسية في المعركة القائمة بين "إسرائيل" ومحور المقاومة. ولمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتقطعة من فترة إلى اخرى، وانما تبقى هذه الخطوة في اطار الحفاظ على مصالحها وتعزيز حماية الجنود الروس. من دون أن يتعارض ذلك مع حقيقة أن تسليمها للجيش السوري وتفعيلها، سيفرض قيوداً إضافية على اداء سلاح الجو الإسرائيلي.

في المقابل، ينبغي عدم الذهاب بعيداً في التوقعات. فما جرى لم يردع "إسرائيل" عن مواصلة اعتداءاتها على الساحة السورية، بل ستواصل ذلك ولكن بمنسوب أعلى من الحذر، وبما يراعي الخطوط الحمراء الروسية التي تمس مصالحه المباشرة. واذا كان من رهان لاحق على كبح "إسرائيل" عن مواصلة اعتداءاتها، من المرجح أن يتم ذلك في أعقاب أولى الجولات القتالية في الساحة السورية يدرك معها صناع القرار السياسي والأمني في "تل أبيب" أن مخاطر وكلفة هذا المسار باتت أكبر من جدواه. عندها فقط يمكن توقع تبدل المعادلة التي تحكم حركة الصراع مع "إسرائيل" عبر الساحة السورية.

 

2018-10-01