ارشيف من :آراء وتحليلات

بوكو حرام تهديد للقارة الأفريقية

بوكو حرام تهديد للقارة الأفريقية

جاء انتماء جماعة "بوكو حرام" النيجيرية في منطقة غرب أفريقيا لتيار "السلفية الجهادية" ليضفي المزيد من الاهتمام على هذا التيار المتطرف، لا سيما من قبل المتابعين والمهتمين، نظرًا لتداعيات أنشطة الجماعة على الأمن والاستقرار في تلك المنطقة.

فقد كانت منطقة غرب أفريقيا هي من المناطق التي انتشرت فيها الجماعات التي تسمّى بـ"السلفية الجهادية"، إذ مثلت البيئة العامة لهذه المنطقة مناخًا داعمًا لانتشار هذه الحركات. فما بين الاضطراب الأمني الناتج عن عدم الاستقرار السياسي من جهة وتردي الأوضاع الاقتصادية، وما ينتج عنها من معاناة معيشية وصولا إلى اضطرابات اجتماعية لسكان المنطقة من جهة أخرى، وجدت هذه الجماعات في تلك المنطقة مناخًا ملائمًا للانتشار.

ظهرت الجماعات التي يطلق عليها توصيف "الإسلام السياسي" والمتبنية لـ"الجهاد"، وفق زعمها، كمنهج حصري للتغيير، نتيجة ضعف النظم الحاكمة، وأقصد بالضعف هنا هو ضعف انتاج نظام عادل لا سيما من النواحي الاجتماعية. وهذا من صلب الأسباب التي أدت لظهور جماعة "بوكو حرام" التي باتت تشكل تهديدًا لوجود دولة نيجيريا والدول المجاورة لها، كما يمكن أن تؤدي إلى تغيير الخريطة السياسية لمنطقة غرب أفريقيا.

شهدت جماعة "بوكو حرام" حالة من الجدل المصاحب لنشأتها واستمرارها

شهدت جماعة "بوكو حرام" حالة من الجدل المصاحب لنشأتها واستمرارها، تماما كما صاحب ظهور تنظيم "داعش"، إذ كان هناك اختلاف حول التوقيت الذي تكونت فيه الجماعة، ويعود السبب في ذلك إلى ظهورها بأسماء مختلفة في كل مرحلة من مراحل تطورها، بدءًا من "أهل السنة وجماعة الهجرة" عام 1995 إلى "بوكو حرام" كما أطلق عليها عام 2005، وقد تطورت الجماعة من خلال ثلاث مراحل، وهي: النشأة، الدعوة، "الجهاد"، حيث كان لكل مرحلة سماتها المختلفة، والهيكل التنظيمي المتبع فيها للجماعة، وكذلك الاستراتيجيات المختلفة للتعامل مع الدولة.

يطابق خطاب الجماعة خطابات الجماعات المشابهة من حيث اعتماده على: التحريض أولًا، ثم العنف ثانيًا، ليبدأ بعدها التحرك نحو القضاء على بنية الدولة. ويمكن ملاحظة تزايد بيانات الجماعة تبعًا لتطور الأحداث في نيجيريا، مع تطور حاد في مفردات الخطابات والبيانات، وذلك يدل على حرص الجماعة على متابعة الأحداث بشكل مستمر، وكذلك فعالية الجماعة ودورها داخل نيجيريا.

يمكن تقسيم نشاط الجماعة وفق خطين محوريّين:

 الأول: يرتبط بالنطاق الجغرافي الذي تمارس فيه أنشطتها، إذ نلحظ، تارة، نشاطًا مباشرًا في دول الجوار منها: الصومال، والكاميرون، والنيجر، وتشاد، وليبيا، ومالي.

وتارة أخرى نلحظ نشاطًا غير مباشر في دول مثل: الجزائر، والسنغال، والسودان، وأفريقيا الوسطى، وموريتانيا، حيث تهدف الجماعة إلى الحصول على التمويل، سواء من الأموال أو الأسلحة، وكذلك توفير مناخات ملائمة لنشر الفكر التكفيري في أفريقيا.

الثاني: يركز على طبيعة الأنشطة التي تمارسها الجماعة، حيث هناك علاقات تظهر في التعاون ما بين هذه الجماعة والجماعات الأخرى التي تتبني الأيديولوجية نفسها، ومن أهمها: حركة الشباب الصومالية، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وفي المقابل هناك علاقات عدائية تظهر في الأنشطة المعادية للجماعة مع حكومات الدول المجاورة ومنها الكاميرون.

اتسم موقف جماعة "بوكو حرام" في تفاوضها مع الحكومة النيجيرية بالقوة

اتسم موقف جماعة "بوكو حرام" في تفاوضها مع الحكومة النيجيرية بالقوة، وعلى الرغم من تدخل أطراف خارجية لتسوية الصراع فإن هذه المفاوضات قد فشلت، حيث سجل انسحاب "بوكو حرام" من المفاوضات عدة مرات، ما يشير الى تفضيل الجماعة استخدام القوة كخيار عن الحوار في التعامل مع حكومة نيجيريا، ويتمظهر هذا الخيار في استمرار الجماعة في القيام بعمليات إرهابية حتى أثناء المفاوضات، وفي المقابل اتسمت استراتيجية الدولة بالعشوائية، ما يدلل على صعوبة إيجاد تسوية قريبة للصراع ما بين الجماعة والحكومة النيجيرية.

دوليا، تسعى القوى الإقليمية والدولية لحل الصراع النيجيري بأنماط متعددة، حيث نجد القوى الإقليمية تسعى لزيادة تأثيرها داخل القارة الأفريقية من خلال عدة محاولات تهدف لفرض الهيمنة والتبعية العقائدية.

وهنا يمكن القول إن مصر تعد القوة الأفريقية الاكثر حظاً في أن تقوم بدور إيجابي في حل الصراع النيجيري، ويرجع ذلك لدور مصر في توحيد الأراضي النيجيرية أثناء الحرب الأهلية، أما القوى الدولية والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي فتقوم كل منها بدور مختلف بما يتفق مع مصالحهم في المنطقة.

مصر تعد القوة الأفريقية الاكثر حظاً في أن تقوم بدور إيجابي في حل الصراع النيجيري

يمثل انتشار جماعة "بوكو حرام" تهديدًا مباشرًا للدولة المصرية، حيث بدأت تظهر ملامح الخطورة من خلال وجود عناصر من الجماعة في ليبيا، ما يدل على تطلعاتها لزيادة نشاطها في شمال أفريقيا. إذ لا نخاطر بالقول إن عدم استقرار الجزء الغربي من أفريقيا، سيؤدي الى زيادة تهديد الجماعات المتشددة الأخرى المنتشرة في القارة الأفريقية ككل ومنها دول حوض نهر النيل، ما يعد تهديدًا مباشرًا لمصالح مصر في أفريقيا.

هذه التهديدات تحتم على مصر القيام بدور فاعل في نيجيريا لدعم وحدتها، ذلك أن استقرار غرب أفريقيا سيحافظ بالضرورة على استقرار دول حوض النيل، ومن ثم الحفاظ على المصالح المصرية في المنطقة، ولا يكون ذلك إلا بتصدي مصر تصدياً فاعلًا لهذه الجماعات شرط عدم انحصار هذا الدور في الجانب الأمني فقط بل في الجانب الثقافي-الديني بشكل أساس.

2018-10-01