ارشيف من :آراء وتحليلات

جولة باسيل.. قوة لبنان في تكامله السياسي والعسكري

جولة باسيل.. قوة لبنان في تكامله السياسي والعسكري

يشهد لبنان باستمرار تحولاً إلى دبلوماسية قوية قادرة تملك المبادرة والمناورة في العمل السياسي المستند إلى قوة تحمي البلد. فلبنان لم يعد كما كان يقال عنه أن قوته في ضعفه، هذا البلد الصغير، أصبح يصنع معادلات القوة سياسياً وعسكرياً. القوة في الميدان لا تنفصل عن القوة في إدارة السياسة الخارجية. لا بد لأي دولة قوية من أن تبني تكاملاً في الدورين السياسي والعسكري مع الأخذ بعين الاعتبار المستويات الأخرى.


لبنان البلد الصغير، الذي يملك شعبًا قويًّا يتحول نحو المزج في الأمرين، بشكل لا يمكن لي ذراعه، لأن الدبلوماسية تأتي في سياق إكمال القوة العسكرية التي تعتبر بدورها الدافع الأساس للعمل السياسي.

التكامل بين إدراة العملية الدبلوماسية - إدارة السياسة الخارجية - وبين القوة العسكرية، يبني معادلات الردع في وجه العدو ويجعله في مكان الضعف ويسقط ذارئعه في السلم والحرب.

مما تقدم، تأتي أهمية الخطوة التي قام بها وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، الذي أظهر للعالم أجمع التكامل القوي بين المفهومين، والانطلاق من قوة الردع اللبنانية في وجه العدو الصهيوني، لتعرية ذرائعه من ناحية، وتوجيه رسالة ردع جديدة بأن السياسة الخارجية اللبنانية تتكامل مع قوة المقاومة.

بدا باسيل موفقاً بالشكل والمضمون. فمن ناحية شكل الخطوة، استطاع جمع ما يربو على 73 سفيراً وممثلاً لدول عبر العالم، لإيصال رسائله للعدو والصديق. استطاع باسيل نقل الأمم المتحدة من نيويورك إلى بيروت بخطوة جريئة ومبتكرة، كانت كفيلة لكي يكتشف الكثيرون حول العالم أن "إسرائيل" كاذبة ومعتدية تسعى إلى خلق الذرائع لشن حرب على لبنان وبذلك استطاع أن يحول التهديد إلى فرصة ليتكامل الشكل مع المضمون الذي أكد فيه على استقلال وسيادة وقوة لبنان الذي أثبت أن العين تنتصر على المخرز إذا امتلكت الإرادة وصممت على صنع المعادلات. هكذا وقفت الدبلوماسية اللبنانية بموقف القوي لتعري "إسرائيل" من زيف ادعاءاتها وتقلبها إلى موقف الضعيف الذي إن حاول الاعتداء على لبنان فإنه سيواجه بقوة رادعة تنتصر عليه وتذله كونها تمتلك مقاومة قوية قادرة.

رسائل عدة اوصلها باسيل بشكل مباشر أو غير مباشر. أما الرسائل المباشرة لدول العالم فكانت أساسية من أجل كشف كذب نتنياهو وتفكيك ذرائعه وعدم إعطائه فرصة أمام العالم لتغطية أي ضربة عسكرية يشنها على لبنان بحجج واهية، فـ"إسرائيل" تُمارس بامتياز الإرهاب الدولي على الشعوب من خلال قتلها وعدم احترام الشرعية الدولية، ولن يقبل اللبنانيون أن تُستعمل الأمم المتحدة منبراً للاعتداء على سيادة لبنان والتحضير لاعتداء جديد عليه.
ووجه باسيل رسالة مباشرة أيضاً للعدو لا شك أنها وصلت وبقوة، بأن من حقّ لبنان الدفاع عن نفسه، واستعمال كلّ وسائل المقاومة المشروعة لتحرير أرضه، ففي لبنان شعب قوي مستعد للمواجهة والانتصار لأنه بات يملك عقيدة قوية تقوم على النظر لـ"اسرائيل" بأنها ضعيفة وتهزم وتذل بوجود قوة ردع صنعتها المقاومة.


الرسائل غير المباشرة، التي يمكن أن تكون قد وصلت عبر باسيل، هي إلى جانبين، جانب يتعلق بكل طرف لم يحضر سواء كان دولة غربية أو عربية، بأنه لا يمكن تغطية أي اعتداء اسرائيلي على لبنان، لا من دولة غربية كالولايات المتحدة الأميركية ولا من دولة عربية لم تمثل بسفيرها كما فعلت دول في مجلس التعاون الخليجي. أما الرسالة الأخرى فهي لبعض الأطراف داخل لبنان التي لم تؤمن بعد بقوة لبنان بمقاومته وتذهب نحو التمسك بمعادلات الضعف والخذلان.

اللافت جداً في نظرة باسيل الاستراتيجية، أنه لم يفته التأكيد على أن هذه الخطوة استثنائية، ولن تكون وسيلة يستخدمها لبنان كلّما هدّد وكذب نتنياهو، لأننا لسنا كشافة للعدو الإسرائيلي، فهذه الخطوة مُبرّرة هذه المرّة، لأنّ لبنان يعرف النيات الإسرائيلية للاعتداء. لكن لبنان ليس مضطراً أن يضع نفسه في موضع يريده الصهاينة من خلال الطلب في كل مرة البحث عن مواقع عسكرية من أجل الدخول إلى بنية المقاومة، مثل ما يحصل عادةً من خلال طلبات تقوم بها الأمم المتحدة من بعض الدول للبحث عن مواقع عسكرية أو أسلحة محددة كما حصل في دول عدة سيما أن الأمين العام لحزب الله أعلن عن وجود صواريخ دقيقة لدى المقاومة.

2018-10-02