ارشيف من :آراء وتحليلات

الأكراد والدور الجديد في المنطقة

الأكراد والدور الجديد في المنطقة

المشكلة مع الأكراد في كل من تركيا وسوريا وإيران والعراق باتت أكبر من مشكلة حقوق ولغة وثقافة. إنها أزمة مشروع انفصالي يهدد أمن وسلامة هذه الدول. بدأ اللعب على أزمة الأكراد في التاريخ الحديث منذ قيام ثورة الضباط الأحرار في اليمن عام 1962، والتي جاءت من أجل تقويض حكم جمال عبد الناصر وزعزعته، بسبب دعمه للثورة ضد الملكيين في اليمن.

اقترح الملك فيصل في تلك المرحلة العديد من الخطوات التي يمكنها أن تضعف عبد الناصر، ومنها احتلال اسرائيلي لباقي أراضي فلسطين وجزء من مصر وسوريا من أجل تعميق انغماسهما في الصراع المباشر مع الكيان الاسرائيلي بدل التعاون فيما بينهما من أجل تحرير فلسطين. كما اقترح فيصل إلهاء أي حكم في العراق يريد أن ينادي بالوحدة العربية بالمشكلة الكردية. ويقر فيصل في رسالته إلى الرئيس الأمريكي ليندون أنه قد بدأ منذ العام 1965 بإمداد البرزاني بالمال والسلاح من داخل العراق أو عن طريق تركيا أو إيران (الرسالة موجودة في كتاب حمدان حمدان، عقود من الخيبات، الصادر عن دار بيسان، وهي وثيقة بتاريخ 27 ديسمبر 1966، وحملت الرقم 342). اذاً فالأكراد استُخدِموا كأداة من أجل تقويض استقرار العراق آنذاك.

تبلورت الخطط الأميركية المتعلقة بالمشروع الكردي في المنطقة منذ العام 1991

تبلورت الخطط الأميركية المتعلقة بالمشروع الكردي في المنطقة منذ العام 1991، حيث بدأت الولايات المتحدة بتنشيط الإرساليات الإنجيلية خلال الثورة الكردية التي قامت في العراق آنذاك. هذه الإرساليات ليست حديثة العهد، فقد بدأت بغزو المشرق العربي منذ نهايات القرن التاسع عشر من خلال افتتاح المدارس الإنجيلية والبروتستانتية في المنطقة، غير أنها لم تستطع التغلغل في المجتمعات العربية المشرقية أو المغربية، بصرف النظر عن دين وطائفة أفراد هذا المجتمع من مسيحيين ومسلمين. ويرجح العديد من الباحثين أن تغلغل هذه الإرساليات بين الأكراد في شمال العراق سببه الفقر والحاجة، فقد حملت هذه الإرساليات معها المساعدات المادية والعينية التي كان أكراد العراق بحاجة ماسة إليها. والأمر الآخر الذي أمنته هذه الإرساليات هو تأشيرات الدخول إلى أميركا هرباً من الأوضاع السيئة في العراق، وعاد هؤلاء من أميركا متأثرين بالكنيسة المشيخية أو المعمدانية أو غيرها من الأسماء التي تفرعت عن الكنيسة الإنجيلية والتي جميعها تؤمن بقيامة ما يسمى "دولة اسرائيل" (أرض الميعاد) الآمنة وإقامة عاصمتها القدس تمهيداً لظهور المسيح. والكنيسة الإنجيلية في كردستان العراق ليست بعيدة عن العلاقة مع الكيان الاسرائيلي وعن الاعتقاد العقائدي بوجوب حماية أمنها. وهناك العديد من التقارير التي تتحدث عن وجود الموساد في كردستان العراق، الذي يعمل جنباً إلى جنب مع المخابرات الأميركية وأتباع الكنيسة الإنجيلية والقيادة الكردية في كردستان العراق، وقد نشر حول ذلك العديد من الكتابات والتقارير في الصحف والمواقع الإلكترونية.

في هذا الإطار، يبدو أنه من السذاجة اعتبار التعاون القائم ما بين الأكراد في سوريا وما بين الأميركيين في منطقة غربي الفرات، هو من أجل محاربة "داعش" فقط، فالأميركيون يحاولون استبدال الأكراد بـ"داعش" على الطريقة العراقية، وما يقوم به الأكراد في الشمال السوري يضع العديد من علامات الاستفهام الكبيرة حول دورهم فيه وعلاقتهم مع الأميركيين. ويقوم الأكراد اليوم بتعليم اللغة الكردية حصراً في المدارس الرسمية في المناطق التي يسيطرون عليها، ما دفع العديد من السوريين إلى رفض إرسال أولادهم للتعلم فيها. كما قامت قوات الأساويش، النسحة الكردية السورية عن قوات البشمركة، باعتقالات تعسفية خلال الأعوام الماضية وبإطلاق النار على المتظاهرين في غرب الفرات والذين ليسوا معارضين فقط لإقامة الفيدرالية الكردية بأي شكل من أشكالها، بل هم الخائفون من فصل غربي الفرات السوري عن حكومة دمشق، ومن نتائج المحادثات التي تجريها الحكومة السورية معهم.

كما أن هناك تذمراً من محاولات الأكراد تملك الأراضي في شمال سوريا، اذ يرفض العرب السوريون بيع أراضيهم للأكراد، لأن الهدف الكردي من شراء أراض في الشمال السوري يقرأه أهالي المنطقة جيداً ومنذ زمن بعيد. وبالتالي فإن توسع الأكراد في مدن عراقية عربية أو محاولة التوسع إلى الموصل التي هي تاريخياً بلدة آشورية وسريانية تضعهم في خانة الحذر والترقب. وهذا ما يحاول الأكراد في سوريا فعله مع أهالي القامشلي والرقة والحسكة وعين العرب. والهدف من السيطرة على هذه المدن هو الدافع ذاته، الذي يدفع أكراد العراق إلى السيطرة على الموصل ألا وهو وضع اليد نهائياً على نفطي الشمالين العراقي والسوري. أي أن ما يفعله الامتداد الكردي في أراض لم تكن له يوماً عبر التاريخ يشبه ما فعله الاستعمار الغربي في فلسطين.

يعرف الأكراد تاريخياً بأنهم الميديون، وهم بحسب تعريف كل من الطبري وابن خلدون: قبائل من البدو سكنوا المناطق الواقعة في جبال طوروس وزاغروس، وأطلق العرب اسم الأكراد على العديد من الشعوب الآرية ومنهم الأفغان والطاجيك و"الفرس". تمدد الأكراد نحو مناطق الحضر في العراق وسوريا، خصوصاً بعد أن فتحها العرب المسلمون، الأمويون والعباسيون، ومن ثم تمددوا بشكل كبير مع جيش صلاح الدين الأيوبي، وكانوا دائماً جزءًا من الدولة العربية التي قامت، ثم جزءًا فاعلاً إبان الحكم العثماني للمنطقة. بعد تقسيم بلاد الشام والعراق بحسب معاهدة سايكس بيكو، لم يعطَ للأكراد دولة في منطقتهم الأصلية التي كانت تعرف بـ "كردستان" والتي تمتد معظم أراضيها في الجبال ما بين تركيا وإيران وجزء مثلث صغير في العراق. لقد أرادهم البريطانيون أزمة دائمة يمكن التلاعب بها من أجل السيطرة على الشمال الشرقي لمنطقة الشرق العربي، ولتكون مصدر قلق دائم لأمن تركيا، واليوم لأمن كل من إيران وسوريا.

2018-10-03