ارشيف من :مقالات

قراءة في مبادرة ’النخالة’.. أولوية المصالحة والمقاومة

قراءة في مبادرة ’النخالة’.. أولوية المصالحة والمقاومة

كان لخطاب الأمين العام لـ "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين"، "زياد النخالة"، دلالات عديدة من ناحية الشكل والمضمون تضافرتا معًا فأعطتا الخطاب قوة لناحية الرسائل المتعددة خصوصًا للعدو "الإسرائيلي".

فمن ناحية الشكل، جاء خطاب الأمين العام لـ "حركة الجهاد" "زياد النخالة" بعد يوم واحد من مسير عسكري نظمته "سرايا القدس" من أمام منزل آل النخالة في غزة الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية سابقًا واستشهد خلاله عدد من أفراد عائلة النخالة. وأدى أعضاء المجلس العسكري للسرايا وأعضاء المكتب السياسي المنتخبون قسم البيعة للأمين العام المنتخب.

ومن ناحية الشكل أيضًا أعطت اللوحة الخلفية التي ظهرت خلف النخالة مؤشرات عديدة؛ فبرزت فيها صورة مقاتل من سرايا القدس تعبيرًا عن المقاومة المسلحة. وتداخل ذلك مع صورة للجماهير الفلسطينية المشاركة في مسيرة العودة وفك الحصار عن غزة، مما يحمل رسالة واضحة على استمرار هذه المسيرات حتى تحقيق أهدافها. والملاحظ وجود علمين فلسطينيين مما يعطي دلالة على وحدة الخطاب شكلًا ومضمونًا.


كما تم وضع صور للأمناء العامين للجهاد: الشهيد القائد الدكتور فتحي الشقاقي، والقائد الدكتور رمضان عبد الله شلّح، والأستاذ زياد النخالة مع كلمات واضحة: أمناء على طريق فلسطين.

وتميّزت اللوحة الخلفية باللون الأزرق الذي يشير إلى الأمل والوثوق بالنصر القادم..

أما لناحية المضمون فقد تميّز الخطاب بمخاطبته الكلّ الفلسطيني بضرورة تحقيق المصالحة التي لم تعد تضر بطرفيها، وإنما بالكل الفلسطيني.

وقدّم النخالة مبادرته بعد أن أكّد على تمسّك الحركة بمبادرةِ النقاطِ العشرِ التي طرحَها القائدُ الوطنيُّ الكبيرُ الدكتور رمضان عبد الله عام 2016، للخروجِ من حالةِ الانسدادِ في مسيرةِ الشعبِ الفلسطينيِّ. وتلخّصت المبادرة بخمس نقاط: اعتبر فيها أن "المصالحةِ أولويةً وطنيةً في صراعِنا مع العدوِّ، وهي مفتاحٌ لتجاوزِ الخلافاتِ والصراعاتِ داخلَ المجتمعِ الفلسطينيِّ"، و"استردادُ المصالحةِ الوطنيةِ لصالحِ الكلِّ الفلسطينيِّ، فجميعُ الشعبِ الفلسطينيِّ ضحيةٌ لهذا الخلافِ"، والدعوة "فورًا إلى لقاءِ اللجنةِ التحضيريةِ التي التقَتْ في بيروتَ بتاريخِ 10 كانون الثاني 2017، ومثلَتِ الكلَّ الفلسطينيَّ، إلى لقاءٍ في القاهرةِ، والشروعِ في معالجةِ كلِّ الخلافاتِ والتبايناتِ بينَنا، وأن نبنيَ على القراراتِ التي اتخذَتْها في حينِهِ"، و"التأكيدُ من قبلِ قوى المقاومةِ أنَّ التهدئةَ لن تُلزمَنا بعدمِ الدفاعِ عن شعبِناـ ولن نذهبَ بها إلى اتفاقياتٍ سياسيةٍ معَ العدِّو، وإنَّنا فقط نبحثُ معَ الإخوةِ في مصرَ سبلَ انهاء الحصارِ عن شعبِنا. وهي خَيارٌ من موقعِ المسؤوليةِ الوطنيةِ، وليسَ من موقعِ الضعفِ الميدانيِّ، فتلك مسؤوليةٌ يجبُ أن نعملَ جميعُنا ومن دونِ استثناءٍ على إنهاءِ هذا الحصارِ الظالمِ، وهذه العقوباتِ غيرِ المبررةِ التي أتَتْ في سياقِ ليِّ الأذرعِ ومكاسرةِ الإخوةِ"، وأن "يلتزمَ الجميعُ بتطويرِ سبلِ المقاومةِ بكافةِ أشكالِها، وبحسبِ ما هو ممكنٌ، في الضفةِ والقدسِ، من أجلِ مواجهةِ ما يُسمونَه "صفقةَ القرن"، والتي هي الإخراجُ الحديثُ لتصفيةِ ما تبقى من القضيةِ الفلسطينيةِ وإنهاءِ حقوقِنا إلى الأبدِ".

وتستند مبادرة النخالة إلى مبادرة "النقاط العشر" التي أعلن عنها الدكتور رمضان عبد الله شلّح في ذكرى انطلاقة الحركة واغتيال مؤسسها الشهيد "فتحي الشقاقي" في (26-10-2016)، والتي ركّزت على تجاوز "المأزق الفلسطيني الراهن"، عبر "إلغاء اتفاق أوسلو"، و"سحب الاعتراف بإسرائيل"، والإعلان أن المرحلة ما زالت مرحلة تحرر وطني، وأن الأولوية هي لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة بما فيها المقاومة المسلحة، و"صياغة برنامج وطني لتعزيز صمود وثبات الشعب الفلسطيني على أرضه".. ما يعكس بشكل كبير وواقعي فَهم الجهاد الإسلامي لطبيعة الصراع، والمرحلة الجديدة والدقيقة التي نمر بها، والمتغيرات الحاصلة؛ فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا..

كما أكد النخالة في خطابه أن المقاومة ليست ضعيفة بل "تملكُ القدرةَ والإمكاناتِ لتجعلَ أيضًا غلافَ غزةَ والمستوطناتِ المحيطةَ مكانًا لا يصلحُ للحياةِ". وأن المقاومة "سوفَ تتقدمُ في الوقتِ المناسبِ لتلجمَ هذا الاستهتارَ بدماءِ شعبِنا... وعلينا أن ندركَ أنَّ ثمنَ الحريةِ كبيرٌ، ويجبُ أن نُقدمَ هذا الثمنَ دونَ تردد".

وأما فيما يتعلق بعلاقاتِ "حركة الجهاد الإسلامي" الوطنيةَ الفلسطينيةَ، فقال النخالة "أنَّها تحظى باهتمامٍ بالغٍ لدينا، ولذلكَ عملْنا خلالَ الفترةِ الماضيةِ على تعزيزِ هذهِ العَلاقةِ معَ الجميعِ ودونَ استثناءٍ"، وأشار إلى أن العلاقة مع "حركةِ حماس قد أخذَتْ حيزًا بارزًا من هذا الاهتمامِ، وتقدمَتْ خطواتٍ كبيرةً إلى الأمامِ، وخاصةً فيما يتعلقُ بالعَلاقةِ الميدانيةِ بينَ سرايا القدسِ وكتائبِ القسامِ"، وأشار أيضًا إلى العلاقة مع "الجبهةِ الشعبيةِ لتحريرِ فلسطينَ.. والجبهةِ الشعبيةِ القيادةِ العامةِ...".

أما الرسالة الأخرى فكانت حول "ملفِ المصالحةِ الذي له عَلاقةٌ مباشرةٌ بالحصارِ"، وأنه لا يمكنُ للأخ أبو مازن أن يُخاطب "العدوَّ التاريخيَّ لشعبِنا وأمتِنا بالسلامِ، ومبادراتِ السلامِ، وتقديمِ التنازلاتِ"... ويخاطب الشعب الفلسطيني "بلغةِ الحربِ، ولغةِ العقوبات.. فنحن نرى أنَّ الوقتَ قد حانَ لأن نجلسَ ونبنيَ جسورَ الثقةِ، ونتجاوزَ الحزبيةَ القاتلةَ، ونبدأَ مع شعبِنا العظيمِ مسيرةَ الحريةِ من جديد".

وأشار النخالة في خطابه إلى ضرورة تخلّي البعض عن مراهناتهم على أمريكا التي تدعم "إسرائيل"، وقال بلغة واضحة "فإن لم تستطيعوا أن تُناصرونا فاتركونا وشأْنَنا، ولا تتآمروا علينا من أجلِ عروشِكُمُ الزائلةِ".

من الواضح أن مبادرة الأمين العام للجهاد الإسلامي، "زياد النخالة"، تكتسب أهمية خاصة في ظل الظروف القاسية والمخاطر الكبيرة التي تتهدد القضية الفلسطينية، ولكونها تخاطب الكلّ الوطني الفلسطيني، وتطرح حلولًا في الصمود والمصالحة والمقاومة لمواجهة التحديات والتمهيد للانتصار.

2018-10-08