ارشيف من :مقالات

’سمعة الرياض’..خاشقجي والقشة التي قصمت ظهر البعير 

’سمعة الرياض’..خاشقجي والقشة التي قصمت ظهر البعير 

لطالما سمعنا عن أموال طائلة دفعتها السعودية للتخلص من "السمعة السيئة" التي تلاحقها. مليارات الدولارات دُفعت في هذا الصدد، لكبريات الشركات العالمية. وفي كل مرّة تدفع فيها الرياض أموالاً لتليمع صيتها، كانت تتلقى الضربة بمزيد من التشويه. القرارات المتهوّرة والمغامرات التي قادها ويقودها البلاط الأميري، أوصلت الرياض الى الدرك الأسفل من الانحطاط، ومعها ذاع صيت المملكة في الحروب والقتل والخطف وقمع الحريات. وباتت مهمة تلميع الصورة كالنقش في الحجر أو كضرب السيوف في الهواء، لا طائل منها سوى دفع المزيد من الأموال. وعلى سبيل المثال، فإنّ الحرب التي شنّتها الرياض على اليمن، وصلت بموجبها سمعة المملكة الى الحضيض. فوجدت نفسها مضطرة للتعاقد مع عدد كبير من جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة الأميركية والبريطانية، للتخلُّص من السجل الأسود الذي اكتسبته جراء حربها الظالمة. التحقيقات الاستقصائية الأوروبية واضحة في هذا المجال لجهة ما كشفته من أموال تتخطى المليارات دفعتها السعودية لشركات مقابل العمل على خطة تبيض الوجه الملوّث بالدماء. وقبلها الكثير من الأموال دُفعت، باعتراف العديد من الوثائق. 

تجربة شركة "كورفيس إم إس إل جروب" خير دليل. عملت هذه الشركة كماكينة للرياض.  تواصلت ستين مرة خلال ستة أشهر، مع مؤسسات إعلامية أميركية، لتقديم معلومات وتحليلات صاغتها عن دور السعودية البناء في اليمن. شركات أخرى أرسلت مئات المقالات والتحليلات إلى أعضاء في الكونغرس الأميركي، زعمت خلالها أن العمليات العسكرية للسعودية في اليمن "تهدف إلى محاربة الإرهاب". والكثير الكثير من الشركات التي لا يتسع المقال لذكرها ربما، والتي دفعت فيها الرياض مليارات الدولارات لاستقطاب جماعات ضغط تعمل لصالحها، وتستعطف الرأي العام الأميركي لصالح ابن سلمان. 

اليوم، وبعد قتل الصحفي جمال خاشقجي، يبدو أن كل الأساليب الملتوية للسعودية لتبييض جرائمها لم تعد تنفع. لم يعد باستطاعتها شراء السمعة الطيبة حتى ولو دفعت مليارات الدولارات، فأمام لوبي آل سعود في واشنطن والماكينات العالمية مهمة شاقة وصعبة. قضية الخاشقجي كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، بعد سلسلة أحداث ضربت فيها السعودية الرقم القياسي في الجرائم والاعتداءات. بدءاً من قمع الحريات وسجن المدونين والناشطين، وقتل المعارضين، مروراً باستخدام دبلوماسية الخطف، وللبنان تجربة مع السعودية في هذا الصدد، مروراً بالحرب الغاشمة على اليمن، ناهيك عن الاعدامات، وغيرها الكثير، وصولاً الى قضية خاشقجي. كل هذه الأحداث جعلت سمعة الرياض على المحك، وجعلت السعي لتحسين الصورة عالمياً بمثابة مغامرة مالية خاسرة.

حرب: الرياض تعيش  أسوء حقبة في تاريخها

الكاتب في الشأن السعودي خليل حرب يُعلّق في حديث لموقع "العهد الإخباري" على ورطة السعودية، فيشير الى أنّ الرياض تعيش ربما اليوم أسوء حقبة في تاريخها لجهة سمعتها المشوّهة. وفق حساباته، ستضطر الرياض لدفع مليارات الدولارات وبشكل خيالي جداً، لتطييب الصورة القاتمة. يرجح المتحدّث أن تنشط حركة الشركات وجماعات الضغط لأجل السعودية في هذه الأزمة المصيرية، وطبعاً بعد حصولها على مبالغ طائلة جداً. برأيه، ستجد نفسها مضطرة للعمل على أساليب أكثر ذكاء ومداراة، لكنه يتوقع أن لا تجدي حيلها وتحركاتها نفعاً كما السابق وكما يشتهي ابن سلمان. فالمملكة أمام اختبار لم تشهده حتى إبان أحداث 11 أيلول/سبتمبر. حينها، اضطرت  لدفع عشرات مليارات الدولارات على اللوبيات والشركات لحماية صورة السعودية، واستعطاف الرأي العام الأميركي. 

لا يُنكر حرب أن المهمة أمام الشركات صعبة جداً، ورغم أنّ جريمة القتل تتعلّق بشخص واحد، لكنّ الظروف تكاملت ضد الرياض، وباتت مؤاتية لتصبح صورة المملكة مخيفة. يُشبّه حرب عمل هذه الشركات بالمحامي الذي سيتولى الدفاع عن شخص ارتكب مجزرة. حتى الكتاب والصحفيين الأميركيين الذين تولوا في الماضي مهمة تمجيد ابن سلمان، سيجدون أنفسهم مضطرين للحذر في هذا السياق. وبطبيعة الحال، سيُطالبون مقابل مقالاتهم بأموال تفوق السابق. وهنا يوضح حرب أنّ سجل المملكة الملوث (خطف، قتل، حروب، اعتقال مدونين) لن يساعدها هذه المرة على غرار المرات السابق، لتصبح مهمة تلميع الصورة صعبة للغاية. 
 

2018-10-19