ارشيف من :آراء وتحليلات

بعد نجاح تجربة سوريا... هل تتدخل روسيا عسكريا في ليبيا؟

بعد نجاح تجربة سوريا... هل تتدخل روسيا عسكريا في ليبيا؟

لا يكاد يختلف اثنان على أن التدخل العسكري، فالسياسي والدبلوماسي الروسي في سوريا، كان له دور حاسم في كسر شوكة الجيش الارهابي العالمي الذي هاجم سوريا، ومن ثم تمكين الجيش الوطني السوري من الامساك مجددا بالارض السورية. والان تعمل الدبلوماسية الروسية على فكفكة "العقدة الانفصالية الكردية" في سوريا، وعقدة الوجود العسكري غير المشروع، التركي والاميركي، على الارض السورية بدون الوصول الى الاصطدام العسكري بين الجيش الوطني السوري والقوات الاميركية والتركية المحتلة.

 

في الوقت ذاته، فشل حلف "الناتو" في مكافحة الارهاب في ليبيا، وربما الأصح القول انه بعد الاطاحة بنظام القذافي نجح الحلف في تمزيق ليبيا، من اجل تقاسم خيراتها الطبيعية، ولا سيما النفط والغاز. لكن في مقابل ذلك، تحولت ليبيا الى مناطق نفوذ متنازعة تسيطر عليها مختلف التنظيمات الارهابية والتجمعات القبلية. والأخطر من كل ذلك أ نها تحولت الى مركز تجمع وانطلاق ضخم لشتى التنظيمات الارهابية من مختلف انحاء العالم، التي تطلق مجموعاتها في كل الاتجاهات بما في ذلك في قلب العواصم الاوروبية. كما تحولت الى مركز تجمع وانطلاق لموجات اللاجئين الأفارقة نحو اوروبا.

وأمام هذا العجز للناتو، بدأت تطفو على السطح امكانية اللجوء الى "الروشتة" الروسية لمعالجة المشكلة الليبية. فما هي احتمالات التدخل العسكري والسياسي الروسي في ليبيا؟

كتبت جريدة "صن" الانجليزية عن وجود مجموعة من ضباط المخابرات الروسية (الـ "غي ري أو") في ليبيا. ولكن هل هم موجودون هناك فعلا؟ وهل تصبح ليبيا مكانا جديدا للوجود العسكري الدائم لروسيا؟

تقول جريدة "برافدا" الالكترونية الروسية انه حسب معلومات قدمها مصدر في وزارة الدفاع الروسية ان روسيا بدأت في نقل نخبة من قوات الانزال الجوية الروسية الى ليبيا. وفي هذه الحالة تظهر في دور حليف لروسيا القوات المسلحة الليبية التي يقودها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر. وكما أوضح رئيس فريق الاتصالات الروسي مع ليبيا ليف دينكوف، فإن التفاعل الروسي مع احد الاطراف الليبية لا يعني دعم احدى الفئات دون اخرى.

أما المحاضر في قسم العلوم السياسية في المعهد العالي للاقتصاد غريغوري لوكيانوف فيقول انه "خلافا لسوريا، فإن ليبيا لا تبدو الان منطقة هامة للمصالح الحيوية لروسيا في الاقليم". و"ان تعزيز وجود القوات المسلحة النظامية الروسية لا يستجيب للمصالح السياسية الروسية في ليبيا، ولا في افريقيا الشمالية اجمالا، بقدر ما هو ضار لاهداف القيادة الروسية في ليبيا".

واضاف ان روسيا اتخذت بعض الخطوات لاستعادة العقود (الروسية ـ الليبية) التي سقطت بعد الاطاحة بنظام العقيد القذافي في 2011.
ومن هذه الخطوات الزيارات المتكررة لحفتر ولرئيس حكومة الوفاق الوطني فايز سراج الى موسكو، التي تطمح لان تلعب دور الوسيط فيما بينهما.

ويؤكد لوكيانوف "ان روسيا تريد ان تكون على مسافة واحدة من جميع الاطراف الرئيسية في ليبيا". وذلك "من اجل التوصل الى الاهداف الستراتيجية واعادة العلاقات الاقتصادية والسياسية على مستوى مقبول ولصالح البلدين في المستقبل المتوسط والبعيد".

لقد اعترف الغرب بانتصار روسيا في سوريا، وهو يخوّف نفسه الآن من "المخططات الروسية لليبيا". وقد كتبت الصحافة البريطانية ان رئيسة الوزراء تيريزا ماي تلقت معلومات "ان روسيا تريد تحويل ليبيا الى سوريا ثانية". ويشاع ان "هناك معلومات تؤكد وجود قاعدتين روسيتين تعملان في مدينتي طبرق وبنغازي، وتستخدمان للتغطية الشركة العسكرية الروسية الخاصة المسماة "فاغنر".

تقول بعض وسائل الاعلام الروسية أن ليبيا هي مهمة من الوجهة الاستراتيجية لعدة أسباب منها:

ـ انها مركز تجمع للاجئين الأفارقة الذين يفرون باتجاه اوروبا. ومن هنا فإن الذي يتحكم بهذه الموجات البشرية يمكن ان يحصل على تأثير كبير في السياسة الاوروبية.
 
ـ يمتد من ليبيا الى ايطاليا انبوب الغاز  Greenstream الذي تبلغ طاقته 10 ـ 11 مليار متر مكعب سنويا. وهذا ايضا يمثل وسيلة تأثير على اوروبا.

ـ الحرب في ليبيا، خلافا لسوريا، يمكن أن تكون ذات اكتفاء ذاتي وحتى أن تكون مربحة. والارهابيون يمكن ان يستفيدوا من تصدير النفط.

ـ ان عدد سكان ليبيا هو 6،2 ملايين نسمة مقابل 20 مليونا في سوريا. وهي بلد متجانس دينيا واثنيا، ولا يوجد فيها مثل هذا التنوع الديني والاثني الموجود في سوريا. هذا بالاضافة الى التضاريس الصحراوية في هذا البلد الشاسع. ولهذه الاسباب فإن الحرب في هذا البلد هي اكثر سهولة.

ـ من الزاوية الجغرافية، فإن الموقع الاستراتيجي لليبيا هو ملائم جداً، حيث منه يمكن السيطرة على شرق المتوسط بمجمله.

ـ لا يوجد لليبيا دول مجاورة قلقة كما لسوريا (تركيا و"اسرائيل") اللتان تضعان في الميزان مسألة أمنهما.
 
إن ليبيا وقعت في دائرة اهتمام الغرب بسبب خيراتها الطبيعية. وفي الوثائق والرسائل التي سبق لهيلاري كلينتون أن نشرتها تقول إن الاحتياطات الذهبية لدى القذافي كانت كبيرة الى درجة أن ايجاد عملة افريقية تزاحم الدولار كانت مسألة وقت فقط. وهذا ما لم يكن بامكان الولايات المتحدة الاميركية ان تسمح به.

كما ان الاحتياطات النفطية الهائلة لدى ليبيا كانت تقلق الدول الغربية. وهذا ما دفع اوروبا لان تعتبر اسقاط نظام القذافي "خطوة ديمقراطية".

وفي نظر العديد من المحللين ان هذه العوامل كلها تمثل مقدمات وحوافز للتدخل الروسي وحسم واقع التعايش الحالي بين "الناتو" والمنظمات الارهابية في ليبيا. والكرملين يعمل بصمت لتهيئة المسرح للقيام بخطوته الليبية بعد اخراج الجيش الاميركي المحتل من الاراضي السورية واختتام الدراما السورية.

2018-10-20