ارشيف من :آراء وتحليلات

حلم ابن سلمان.. بين فشل مؤتمر الاستثمار ومقتل خاشقجي

 حلم ابن سلمان.. بين فشل مؤتمر الاستثمار ومقتل خاشقجي

يبدو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يفقد سيطرته الاقتصادية والسياسية داخل المملكة، فيما تتصدع علاقاته مع الخارج بعد أن أظهره الإعلام الغربي على أنه الرجل الأفضل في المملكة التي يترنح فيها عرش ال سعود.

رجل الاستثمارات السياسية أصبح بين فكي كماشة، فشل الإدارة الاقتصادية وفقدان ولاية العهد وبالتالي إمكانية ابتعاده عن اعتلاء العرش، ما يعني سقوط الحلم الذي حارب من أجله أقرب المقربين ونفذ كل السياسات الأميركية التي من المفترض أن تتكفل في حلوله مكان والده.

واشنطن لن تترك قضية جمال خاشقجي لتكون المسمار الأخير في نعش ولاية ابن سلمان أو حكم أبيه

صحيح أن واشنطن لن تترك قضية جمال خاشقجي لتكون المسمار الأخير في نعش ولاية ابن سلمان أو حكم أبيه كونهما الرجلين الأقرب إلى تنفيذ طموحات دونالد ترامب المالية، لكن جريمة قتل الخاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، بدأت ترمي بثقلها على مجمل النظام السعوي بشقيه السياسي والاقتصادي.

أحد أوجه التصدعات السعودية، بعد هذه العملية الاجرامية، هو مؤتمر الاستثمار السعودي أو ما يعرف بـ“دافوس في الصحراء” وهو أحد أبرز الأوجه الاقتصادية التي سقط وهجها نتيجة تأثر سمعة المملكة عقب قتل الخاشقجي، فهذا المؤتمر الذي يأتي ضمن برنامج “رؤية 2030” التي أطلقها محمد بن سلمان، لم يأت هذا العام وفق تطلعاته، حيث انطلق وسط غياب كبير لرؤساء وشخصيات بارزة كان يفترض أن تشارك فيه، فقد انسحبت دول كثيرة وشركات عالمية كثيرة بعد إقرار السعودية رسمياً بقيام عناصر حكوميين بارتكاب الجريمة.

لقد حاول محمد بن سلمان عقب توليه ولاية العهد في السعودية، أن يدعم رؤيته بعقد صفقات استثمار مع اطراف مختلفة من أجل تثبيت سيطرته الاقتصادية في البلاد، فكان أن أطلق مبادرة "مستقبل الاستثمار"، لكن مقتل جمال خاشقجي أتى بمثابة ضربة قاضية للمؤتمر الذي قاطعه أهم الاقتصاديين، فعدد الشركات والشخصيات والوفود الدبلوماسية والصحف والقنوات العالمية المقاطعة للمؤتمر لم يتجاوز الثلاثين.

وتنسحب تبعات الفشل ايضاً على مبادرات وخطط سعودية تستهدف تغيير هيكل الاقتصاد، ما سيؤدي إلى إسقاط رؤية 2030 التي يطمح إليها محمد بن سلمان، وعليه فإن كل ما يندرج تحت هذه الرؤية من مبادرات بات من المفترض أن يكون مصيره الوأد.

ودون أدن شك، كانت السعودية تعول على أن ينجم عن هذا المؤتمر توقيع شراكات علمية ومالية بين المملكة السعودية ودول عربية وبين شركات من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ونقل السعودية من دولة تعتمد في اقتصادها على النفط إلى دولة منتجة للتكنولوجيا، لكن ذلك بدأ يذهب أدراج الرياح.

ومن الواضح أن ابن سلمان كان يأمل في المقابل، أن يغطي انعقاد المؤتمر على قضية مقتل خاشقجي، فضلاً عن إعادة تحسين العلاقات مع الدول الكبرى بعد أن تصدعت نتيجة هذه الجريمة، لكن حصلت المفاجأة بأن قاطعت معظم الدول الصديقة للسعودية فضلاً عن صندوق النقد الدولي، لا سيما أن على رأس الذين قاطعوا المؤتمر يأتي وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشين، ووزير التجارة الدولية البريطاني، ليام فوكس، فضلاً عن مقاطعة وسائل إعلام ومؤسسات اقتصادية أميركية وبريطانية للمؤتمر، ووزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، ووزير المالية الهولندي فوبكه هوكسترا، وكذلك أعلنت الحكومة الأسترالية عبر وزارة خارجيتها أنها لن تشارك بأي مسؤول في مؤتمر الاستثمار السعودي في ضوء مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وفي ظل غياب مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، وشركات ضخمة منها شركة غوغل.

هذه المقاطعة أتت صادمة في وجه محمد بن سلمان، حيث توسعت الهوّة بينه وبين الدول الغربية، وتبين مدى تفاعل المجتمع الدولي مع قضية خاشقجي التي تكاد أن تطيح بولي العهد السعودي، تؤدي ايضاً إلى فشل هذا المؤتمر الاقتصادي الذي لم يلاق أصداء ايجابية كان ينتظرها ابن سلمان على غرار العام المنصرم، لتكون بمثابة الصنارة التي تنشله من الغرق، بل إنها أتت لتعكس الغضب الدولي الذي أثاره موت خاشقجي.

فابن سلمان الذي نظم مؤتمر العام الماضي على أساس أنه الحاكم المستقبلي للسعودية لا يجاريه أحد في النزاع على السلطة، أصبح اليوم مقصوص الجناحين نتيجة الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمملكة، بسبب تصرفاته المباشرة التي أصبحت تقض مضاجع الاسرة الحاكمة، وتواجه بعدم مقبولية الحلفاء الغربيين، ليكون المؤتمر الحالي الضربة الأكبر في فشل رؤية 2030 وبالتالي فشل ولي العهد في تعبيد الطريق إلى العرش الذي أخذ يبتعد عنه لأسباب كثيرة على رأسها ظهور صورته الاجرامية التي انتشرت في العالم بعد التورط بقتل جمال خاشقجي.

 

2018-10-24