ارشيف من :آراء وتحليلات

العقوبات الاميركية ضد روسيا تضر بالاتحاد الأوروبي

 العقوبات الاميركية ضد روسيا تضر بالاتحاد الأوروبي

تواصل أميركا سياسة "تصدير" أزمتها الداخلية الخانقة الى الخارج، بتعميق وتوسيع سياسة فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا والصين وايران وغيرها. ويتسابق الرئيس ترامب والكونغرس الاميركي، كما يتسابق السيناتورات واعضاء الكونغرس فيما بينهم على اقتراح مزيد من "قوانين" العقوبات.

وفي هذه السياسة العقوباتية تنتهج أميركا خطاً عدوانياً انانياً لا يقيم أي اعتبار لمصالح الحلفاء التقليديين لأميركا وعلى رأسهم دول الاتحاد الاوروبي.

ويتفق غالبية الخبراء على أن العقوبات ولكي تكون لها نتيجة ملحوظة ينبغي أن تنضم اليها مختلف الدول الى جانب أميركا. ولهذه الغاية فإن الادارة الاميركية لم تتورع عن أن تقرر تطبيق العقوبات ايضا على الدول والشركات التي لا تلتزم بالعقوبات الاميركية ضد الدول المغضوب عليها اميركيا، وعلى رأسها روسيا التي استطاعت حتى الان بنجاح ان تتكيف مع العقوبات وان تخفض الى الحد الادنى من أضرارها عليها.

وعلى هذه الخلفية كان من المهم جداً لأميركا أن تحظى بدعم سياستها العقوباتية المتصاعدة، من قبل حلفائها وعلى رأسهم الاتحاد الاوروبي.

ولكن على هذا الصعيد بالذات، اصطدمت أميركا بعقبات تضع كل سياستها العقوباتية ضد موسكو تحت خطر الفشل.
ويقول العديد من الخبراء إن الانعكاسات السلبية لسياسة العقوبات الأميركية تضر بالدول الحليفة لاميركا 10 و20 مرة اكثر مما تضر باميركا ذاتها. وهذا يمس بشكل خاص الدول الاوروبية التي لها مصالح وعلاقات اقتصادية مع روسيا اكثر بكثير مما لاميركا.   
وهذه السياسة تلحق الضرر مباشرة بالمصالح الاقتصادية للعديد من الدول الاوروبية الرئيسية.

وأبرز مثال على ذلك هو المحاولات الدؤوبة لأميركا لمنع تنفيذ مشروع انبوب الغاز الروسي المسمى "السيل الشمالي ـ 2".
ونشير هنا الى مقالة كتبها كلاوس ستراتمان وموريس كوخ في Handelsblatt الالمانية جاء فيها: "ان الحيرة والحذر اللذين يبديانهما السياسيون الالمان حيال الاجراءات الاميركيية، ينموان باستمرار، لان القوانين العقوباتية الاميركية تضرب ليس فقط خصوم اميركا بل واصدقاءها ايضا... وهي تريد ان تجبر الاوروبيين ان يلتزموا بالخط الذي تضعه".

ويتخوف الاقتصاد الالماني أكثر ما يتخوف على "البيزنس" مع روسيا، لانه يرتهن به ليس فقط آفاق تطور هذا الاقتصاد، وانما ايضا وجوده بحد ذاته.

ومن المعلوم ان قطاع الطاقة الالماني موجه نحو روسيا، بوصفها المورد الاول لحاملات الطاقة، والضغط الاميركي انما يهدد المشروع الرئيسي لالمانيا الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات ونعني به مشروع "السيل الشمالي ـ 2".
من حيث المبدأ تمتلك برلين رأيا سلبيا حيال السياسة العقوباتية الاميركية، لانها ترى ان اميركا تضع اشكالا من الحصار التي ينبغي ان يدفع ثمنها الالمان.

وحسب رأي المحللين في جريدة Handelsblatt سالفة الذكر "ففي وزارة الخارجية الالمانية يؤكدون بقلق ان السياسة الخارجية الاميركية تقوم على اللامأسسة وتفتقد الى الكوادر، وترتبط بنزوات الرئيس الاميركي ترامب". وفي الواقع لا يمكن الان الحديث عن سياسة اميركية حيال روسيا، بالمعنى الكلاسيكي لهذا المفهوم. وعلى الاقل بسبب وجود سياستين على هذا الصعيد، احداهما للرئيس ترامب، والاخرى للكونغرس. وهناك تناقض بين الاثنتين. وهذا يعني ان السياسة الالمانية، وكذلك مختلف دول الاتحاد الاوروبي، تصبح ضحية لتناقضات السياسة الداخلية الاميركية.

ويعترف الخبراء الاقتصاديون الالمان أن المخاوف تجاه الضغوطات الاميركية لاجل مشروع "السيل الشمالي ـ 2" تزداد، ولكن هؤلاء الخبراء مقتنعون ان الحكومة الالمانية لن تتراجع بتاتا عن موقفها حيال هذا المشروع.

تجدر الاشارة الى ان الدول الاوروبية مقتنعة أنها تتضرر أكثر من الأميركيين، ليس بسبب سياسة العقوبات ضد روسيا فقط، بل وضد ايران ايضا. هذا اضافة الى الفرص الضائعة في احتمالات انضمام الدول الاوروبية الى المشاركة في اعادة اعمار سوريا، فيما لو انضمت الدول الاوروبية الى سياسة العقوبات الاميركية.

والسؤال الكبير أمام الدول الاوروبية الان هو: هل أن فوائد الرفض المحتمل لسياسة العقوبات الاميركية ضد دول رئيسية كروسيا والصين وايران هي أكثر أو أقل من خسائر الانضمام الى تلك السياسة؟

ولكن منذ الان يمكن التأكيد ان اليورو يقف أمام احتمال خسارة امكانية التحول الى عملة رئيسية تحل محل الدولار في الفضاء الاقتصادي والمالي الاوراسي الواسع الذي يقوم على كاهل دول كبرى كروسيا والصين والهند، والتي تنضم اليها ايران، وهذه الدول أخذت تنتهج طريقة التعامل بالعملات الوطنية بدلا عن الدولار، في العلاقات الاقتصادية والمالية والتجارية الضخمة فيما بينها.

لم يفت الوقت بعد لامكانية حلول اليورو محل الدولار، ولكن هذا يتطلب من الدول الاوروبية ان تتخلى نهائيا عن سياسة العقوبات الاميركية.

مما تقدم، يمكن الاستنتاج أن حبل العقوبات ضد روسيا والصين وايران، الذي تريد اميركا أن يلتف حول عنق الدول الاوروبية، يمكن ان يرتد ليلتف حول عنق اميركا بالذات التي تزداد عزلة يوما بعد يوم.

2018-10-26