ارشيف من :آراء وتحليلات

تأملات في قضية خاشقجي

تأملات في قضية خاشقجي

بقيت الممارسات الاجرامية للسعودية لفترة طويلة تتخذ اقنعة وذرائع وتتستر بها، ومهما كانت منافاتها للاخلاق والقيم ولمصلحة شعبها، الا انها حرصت على البقاء تحت سقف القانون الدولي.

الا ان الحادث الاخير، والخاص بقتل الصحفي جمال خاشقجي، كان من الفجاجة والحماقة التي يصعب التواطؤ معها دوليا من قبل المتواطئين على دماء اليمنيين والسوريين والعراقيين وحتى رعايا النظام من شعب الحجاز القابع تحت سلطة نظام ال سعود.

ولعل هذا الحادث يكشف عما وصل اليه النظام السعودي بنسخته الحديثة واهم مميزاته:

1ـ الاستهتار التام بالقيم والقانون وضمان الافلات من العقوبة.

2ـ الصلف والغرور والذي تجسد في استهزاء القنصل بفريق تفتيش القنصلية عندما فتح له ادراج المكاتب!

3ـ الجبروت والطغيان الذي يصل لاستدعاء ابن الضحية لتعزيته من طرف قاتليه!

كل هذه المشاهد التي غالبا ما نراها في الدراما وتكاد تكون غير واقعية وتعد من المبالغات الدرامية، تجسدت في الواقع على يد ولي العهد والذي افصح فقط عن الممارسات الخفية لنظام ابيه واعمامه وجده منذ النشأة، وخرج بها للعلن، ظنا منه ان الاموال ستشتري العالم بكل تناقضاته وتنافساته وصراعاته البينية، والتي سيذهب هو في الغالب كأول ضحاياها.

وقد لاحظ الجمهور ان محور المقاومة بقي صامتا في أول الامر في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ثم توالت التعليقات مقتضبة تعليقا على التداعيات، الى ان تحدث الرئيس الايراني لاختبار مصداقية العالم المنادي بحقوق الانسان في التعاطي مع هذه القضية.

وما نود القاء الضوء عليه هو تعاطي محور المقاومة مع هذه القضية لاستكشاف قيم المقاومة وفكرها وجوهرها والذي لا يتتبع عورات وفضائح في الصراع والذي يكمن جوهره فيما هو اعمق كثيرا.
استقراء بعض الدلالات التي توضح الفارق بين معادن الرجال وبين منظومة المقاومة وعمقها وبين سطحية وصغر منظومة اعداء المقاومة
ويمكن استقراء بعض الدلالات التي توضح الفارق بين معادن الرجال وبين منظومة المقاومة وعمقها وبين سطحية وصغر منظومة اعداء المقاومة ومرتزقة الاستعمار ومعسكر التبعية:

1ـ محور المقاومة لم يتوقف عند الحادث بعينه كتعامل بالقطعة، ولكن تناوله للتدليل على منظومة متكاملة من الاجرام، وكذلك منظومة كاملة من التواطؤ مع الاجرام، وهو يدل على ان جوهر الصراع هو صراع على قيم التحرر والاستقلال الوطني ومقاومة الهيمنة وعلى عزة وكرامة المستضعفين، وليس صراعا جنائيا يتعامل بالقطعة على جرائم وانتهاكات مهما كانت مدانة.

2ـ ان تكالب الغرب على ولي العهد وفيما يبدو انه اصرار على الاطاحة به، هو لاسباب تختلف تماما عن اهداف محور المقاومة، فصراع المحور ليس مع اشخاص مهما بدوا ممثلين لتوجهات باغية، وانما مع منظومات البغي وترساناتها.

3ـ يعلم محور المقاومة كما يعلم الجمهور، ان الغرب لو اطاح بولي العهد فان لديه بديل يخدم مصالحه، وانه لن يفرط في كنز الا لو عثر على كنز بديل، وان منطق التحرك الغربي انطلق من قاعدة التخلص من "صديق احمق" لان وباله عليه قد يكون اكثر من منافعه، ولعل الكاتب الامريكي "ستيفن كوك" قد لخص ذلك في مقاله بمجلة "فورين بوليسي"، عندما قال ان الامير محمد بن سلمان يغتال السياسات الامريكية في المنطقة!
تتضاءل جريمة اغتيال خاشقجي امام جرائم المملكة في اليمن وسوريا والعراق والجرائم التاريخية بنشر التكفير
4ـ ربط محور المقاومة تعليقاته منذ البداية بالحرب الظالمة على اليمن، حيث تتضاءل جريمة اغتيال خاشقجي امام جرائم المملكة في اليمن وسوريا والعراق والجرائم التاريخية بنشر التكفير، وجريمة نشأة المملكة ككيان وظيفي خادم للاستعمار، ومهما كان محور المقاومة رافضاً لمبدأ الاغتيالات حتى للمخالفين، فإن توقفه عند جريمة بعينها، هو بمثابة طمس وتعمية على الجريمة الكبرى ومشاركة للغرب في حصر جرائم النظام الدولية على جريمة واحدة بعينها وبشكل حقوقي بحت، ولذا كان حديث محور المقاومة يشمل التذكير بمظلومية اليمن في شق منه، ويشمل الغطاء الدولي المتواطئ واختبار مصداقية النظام الدولي في الشق الأخر.

لا شك وان اطراف عديدة تضغط الان على السعودية وعلى الاطاحة بولي عهدها، اما من منطلق المزيد من الابتزاز، او من منطلق تغيير الشخص القابع على راس السياسات لحماقته واضراره بمصالح الغرب، ومحور المقاومة ليس هذا ولا ذاك، فهو لا يبتز، ولا يستهدف اشخاص، وانما ينظر الى القيم والتوجهات.

صمود محور المقاومة في سوريا واليمن، هو الذي فجر التناقضات وافشل الخطط
والمتأمل لانقسام معسكر العدوان الدولي والذي يشمل المعسكر الصهيو امريكي وتابعيه المحليين عربيا، لا بد وان يدرك ان صمود محور المقاومة في سوريا واليمن، هو الذي فجر التناقضات وافشل الخطط، وان الوضع تبدل الان بدلا من وضع هادئ عنوانه "تقاسم الغنائم" الى وضع متوتر عنوانه "تبادل الاتهامات".

ربما يتم الاطاحة بابن سلمان وتتم تسوية صفقات بحاكم جديد وبأسلوب مختلف لكنه في فلك المشروع الاستعماري طالما بقي نظام ال سعودK وربما تأخذ تركيا دورا اكبر عبر هذه التسوية، قد يكون دور شرطي الخليج الجديد.


أما مشروع بن سلمان الذي يتخطى نطاق الداخل السعودي الى نطاق النظام العربي وصفقة القرن المزعومة واسهم ترامب في بورصة التوازنات السياسية الدخلية الامريكية، قد يشهد تغييرات شكلية في انظمة الحكم العربية وكذلك في امريكا وتسويات السلام المزعوم ربما بمبادرات فرنسية او غيرها.

لكن صمود محور المقاومة هو الكفيل بنقل هذه التغيرات من نطاق التغيرات الشكلية، الى نطاق التغيرات الجذرية.

ان تعاطي محور المقاومة مع الحدث دون شماتة او استغلال وانما للتدليل والاشارة على الاجرام التاريخي والمتواصل والتواطؤ معه، يكشف قيم المقاومة وعمقها ونضجها ومعدنها الحقيقي.

2018-10-26