ارشيف من :مقالات

معدل البطالة مرتفع.. والشاب اللبناني: نفّخ عليها تنجلي!

معدل البطالة مرتفع.. والشاب اللبناني: نفّخ عليها تنجلي!

دخان السجائر ممزوجٌ بدخان مُنكّهٍ بالفواكه. "حامض ونعنع"، "تفاحتين" ونكهات أخرى مما فتح الله ورزق. الرائحة تبدو خانقة. خصوصًا في المقاهي المغلقة التي تضم شبابًا بعمر الورد، هربوا من فراغ الحياة برشفة نرجيلة، ودنوا بفرحٍ كاذبٍ نحو الموت.

 

ثمّة فجوة يعيشها هؤلاء المنسيون، الذين يقبعون في المقاهي ونوادي الانترنت، وفي الشوارع والأزقة دون عمل. يسجلون معاناتهم مع البطالة في لبنان ضمن معدل تعدّى الثلاثين بالمئة.

"نفّخ عليها تنجلي" يقول ابراهيم ممازحًا. ابراهيم أحد رواد مقهى "أبو عساف" المشهور، يجد في النرجيلة "راحة راسه" في ظل الضغوطات التي يعيشها، "فينفّس" عن همومه غير آبهٍ بالمضار الصحية للتدخين. ويبرر ابراهيم تمضية أغلب وقته مع أصدقائه في المقاهي بقوله "ما عندي شي تاني ساويه". ابن الثالثة والعشرين عامًا العاطل عن العمل، يرى أن الواسطة وحدها باتت تشغل اللبناني، بينما من يفقدها لا سند له في بلده ولا متكأ.

كافيه "أبو عساف" المليئة دومًا "بالشباب الطيبة" على حد تعبير الأخير، ليست وحدها ما يعجُّ بهؤلاء. فقد تجد في كلّ شارع في بيروت وضواحيها، ودون مبالغة، مقهًى يلجأُ إليه الشباب الذين يواجهون بأغلبيتهم ذات المعاناة.

المؤشرات الميدانية تظهر بشدة ارتفاع نسب البطالة مؤخرًا

حسن مثلاً (25 عاماً) يحب أن يجلس في كافيه "بو صطيف" لا لـ"تعبئة رأسه" بالايجابية وحسب، بل آيسًا مما وصل الوضع إليه. طالب الدكتوراه في اختصاص الإدارة المالية، الذي فقد وظيفته في مؤسسة أفلست منذ مدّة، يتمنى امتلاك وظيفة وإن بغير اختصاصه، ليواجه الوضع الاقتصادي الصعب في ظلّ جلوسه دون عمل. ويعبّر حسن عن رأيه بازدياد عدد المقاهي توازيًا مع ازدياد البطالة، مبديًا اعجابه بفكرة أن يفتح مقهًى. "اذا صحلي ما بقصر" يعلّق حسن، علّه بذلك يكسر قيد البطالة التي يعاني منها.

القهاوي دليل بسيط: نسبة البطالة مرتفعة

الاحصاءات لنسب البطالة عند الشباب على وجه الخصوص ما تزال غير دقيقة بحسب خبراء اقتصاديين. لكن المؤشرات الميدانية تظهر بشدة ارتفاع هذه النسب مؤخرًا. ولا ريب أن انتشار المقاهي التي تعد ملجأً معروفًا للعاطلين عن العمل، يدل بطريقة أو بأخرى على الارتفاع الملموس لهذه النسب. الأمر لا يبدو غريبًا. والمقاربة إن توقفت عند هذا الحد فتبقى محمولة. هذه المقاربة التي تبدو منطقية بالنسبة  للخبير الاقتصادي الدكتور كامل وزنة، لا زالت تبسّط الواقع الذي آلت إليه البطالة. "فلا يكمن الخطر بالمقاهي التي تضم شبابا عاطلين عن العمل فحسب، بل يظهر بشدة في لجوء بعض من هؤلاء الشباب إلى القمار والمخدرات والسلوكيات الممنوعة." وهنا يؤكّد وزنة على حجم المشاكل التي أدّت إليها البطالة والتي لم تقتصر على الأزمات الاقتصادية وحسب بل تفشّت مشاكل اجتماعية.

واقع البطالة في لبنان

"لبنان يعاني أزمة حقيقية من حيث ايجاد فرص العمل"، هكذا يعبر وزنة في حديثٍ لموقع "العهد" الإخباري عن واقع البطالة في لبنان؛ والتي لا تقتصر على من يملكون الكفاءات وحسب، بل تؤثر على حملة الشهادات بكل مستوياتها. والتي طالت أيضًا حملة الدكتوراه الذين يسجلون نسب بطالة عالية. وتعود هذه المعاناة بحسب وزنة إلى "عدم وجود رؤية اقتصادية أساسية لنمو وتحسين الاقتصاد اللبناني."

هل هناك حلول؟

في سؤالنا عن الحلول، يجيبنا الخبير الاقتصادي بالايجاب. لكنه يستدرك كلامه سريعًا: "المشكلة بالبيئة السياسية." كل مشاكل البلد عندما تلامس هذه النقطة تدخل في دوامة المجهول. وهذا ما يراه الدكتور وزنة حين يصف المشكلة قائلاً "لا بيئة سياسية تعمل على الحل، المشكلة بنيوية في الاقتصاد المتعلق بالمديونية وايقاف الموظفين." وهذا ما يجعل وزنة يصف الأزمة "بالمستعصية، والحلول غير موجودة في هذا الوقت."

ألا يبرر ذلك ازدياد أعداد المغتربين التي بلغت حوالي 15 مليون مغترب لبناني؟ الأزمة متفاقمة وتستدعي حلاً سريعًا في ظلّ العوامل التي أسفرت عن ازدياد نسب البطالة، "كارتفاع الفوائد في الأسواق المالية اللبنانية، البيئة المحبطة واليد العاملة الاجنبية، وعجز الشركات غير القادرة على استعادة دينها من الناس الذين اقترضوا منها فأفلست." وهذا ما شهدناه في الآونة الأخيرة في صرف الكثير من العمال في قطاعات مختلفة. ببساطة السياسات المتبعة في لبنان فشلت. "القوى السياسية وتلك التابعة لمصرف لبنان لا تستطيع تأمين واقع كريم بدل الواقع الذي يعيشه اللبناني!".

2018-10-27