ارشيف من :آراء وتحليلات

أزمة العقارات في مصر.. إلى متى؟

أزمة العقارات في مصر.. إلى متى؟

أثار إعلان إحدى شركات العقارات الخاصة في مصر، طرح وحدات سكنية 58 مترًا، بنحو المليون ونصف المليون جنيه للوحدة، السؤال الجديد - القديم في مصر عن إهدار أحد حقوق المواطن، وهو حقه في الحصول على سكن يناسب متوسط الدخول، والذي تخاصمه الحكومة، قبل أن تسحقه شركات العقارات الخاصة.

المفروغ منه أنه ومنذ بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي الأحدث، الذي تم بدءا من 2015، وتلاه انهيار سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، من 8.8 جنيها إلى 18 جنيهًا، اتجهت غالبية القادرين إلى وضع استثماراتهم في العقارات، ومع زيادة الطلب على الوحدات السكنية، سواء للسكن أو للاستثمار، تحولت الدولة إلى "تاجر" يسعى لمراكمة أرباح من بيع الأراضي، بدلًا عن توفيرها بأقل الأسعار لمن يحتاج السكن بالفعل، عن طريق ضخ مكاسب بيع الوحدات الأغلى مرتفعة الثمن لدعمها.

وعلى الرغم من حديث يجري عن انهيار سوق العقارات، بفعل الأسعار غير الملائمة للغالبية من المصريين، فإن الاتجاه لاستثمار الأموال في العقارات، والذي نتج أساسًا عن عدم الثقة في المناخ الاقتصادي بالكامل، سيعمل على تثبيت الأسعار المرتفعة الحالية، في ظل غياب بدائل أمام مدخرات المواطن، خاصة مع دخول مليارات الدولارات سنويًا من العاملين بالخارج، والتي تبحث دومًا عن الطريقة الآمنة للحفاظ على قيمتها، وبلغت التحويلات في العام المالي 2017-2018 نحو 26 مليار دولار.

المشروعات المعروضة، سواء من جانب الدولة أو الشركات الخاصة، تخاطب الفئة القادرة، التي تريد العقار كاستثمار، وهي لا تمثل بالطبع غالبية الشعب، وتتخلى الدولة تدريجيًا عن "الدعم" كسياسة لازمة في دولة مثل مصر، يُعد مواطنوها الأكثر احتياجًا للدعم، من أجل مكافحة الفقر ورفع مستوى المعيشة للأفراد، والحكومات في جميع أنحاء العالم تُقدم دعم لمواطنيها، أحيانا كنقد وأحيانا في شكل تحويلات عينية من السلع والخدمات، لتمكينهم من الحياة بشكل كريم.

وتخلت الدولة، ممثلة في وزارة الإسكان، تمامًا عن وحدات الفئات متوسطة أو محدودة الدخل، والتي تحتاج لدعم في بنائها وبيعها بأسعار مناسبة، ودخلت للربح في منافسة للحصول على حصة من سوق الوحدات الفاخرة والأكثر ارتفاعًا في أثمانها، ساعية فقط نحو الربح، لم يكن هذا توجهًا من الفراغ لوزارة الإسكان طوال الأعوام الماضية، إذ كوفئ وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولي بتعيينه رئيسًا للحكومة المصرية، مع احتفاظه بمنصبه كوزير للإسكان فيها.

أسعار الوحدات السكنية في العاصمة الإدارية الجديدة مثلًا لا تقل عن المليون جنيه، وهي في أغلبها مشروعات حكومية، ارتفاعًا من نصف مليون جنيه فقط، كانت تعرضها في البداية شركات الإسكان الخاصة، ما يوحي بأن الدولة تدخل القطاع للمضاربة ورفع الأسعار، كاسحة أي هدف اجتماعي أو سياسي مقابل المال.

أزمة أسعار الوحدات السكنية في مصر ذات شقين مترابطين، الأول هو أن الدولة تقوم بدور الباني والبائع، ثم هي التي تتولى تجهيز وبيع الأراضي وطرحها، ومن ثم، تحتكر تحديد أسعار الوحدات، وبالتالي تزيد من اشتعال الأسعار، من خلال تحديد سعر المتر بآلاف الجنيهات، وبذلك تعطي مؤشرا للقطاع الخاص بأن هذا هو الحد الأدنى للأسعار فيبدأ بالتالي في زيادة أسعاره.

وتكشف البيانات المنسوبة إلى الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ووزارة الإسكان ، عن وصول عدد الوحدات السكنية الفارغة في مصر إلى 8 ملايين و300 ألف وحدة، وأن احتياج المصريين من الوحدات السكنية حتى عام 2020 سيبلغ 4 ملايين و600 ألف وحدة على الأكثر، مما يعني وجود خلل في معادلة العرض والطلب، وبحسب الدراسة التي أعدها الدكتور أبو زيد راجح وكيل وزارة الإسكان ورئيس المركز القومي لبحوث الإسكان السابق، فإن مصر لديها وحدات سكنية قائمة تكفي حتى عام 2025 دون إنشاء أية وحدات سكنية جديدة.

بالطبع الحديث عن مصائب سياسة قطاع الإسكان لا يمكن تبريره بأن الدولة فقيرة، أو تريد المال لمشروعات أخرى، فقطاعات الاقتصاد الحقيقي في مصر، من صناعة وزراعة تمر بأزمات عنيفة، تلقي بأي حديث عن دعمها أو توفير بنية تحتية لها إلى القمامة، لكن السياسة الحكومية المعتمدة تخرج الغالبية الكاسحة من المواطنين من مظلة الدولة، وتفقدهم أي معنى كانوا يعرفونه عن "الوطن"، فالوطن ليس مكانًا للمعاناة الدائمة أو تضحيات لا تتوقف لصالح فئات أغنى، والبلد –حقًا- ليست فقيرة، لكنها تدار بفكر فقير وجشع.

 

2018-10-30