ارشيف من :مقالات

’نصيحة خارجية’ لجعجع: عطّل من ’الداخل’!

’نصيحة خارجية’ لجعجع: عطّل من ’الداخل’!

في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، غرّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بتفاؤل وتحدٍ ووعيد. قال الرجُل في حينه: "مَن يضحك أخيراً يضحك كثيراً"، واعداً بتقديم جدول مقارنة بين ما كان يطرحه من أفكار ومطالب بخصوص تأليف الحكومة وحصّة القوات منها، وما تمكّن من تحقيقه. بالأمس، خرج جعجع بمؤتمر صحافي معلناً "الاستسلام". على الرغم من محاولاته اللجوجة الظهور بمظهر المنتصر، إلا أنه قالها بلسانه إن القوات "تعرّضت لظلم كبير"، مقارناً بين ما بقي لحزبه من حقائب، وما ناله الآخرون.

بعيداً عن الخوض في "المسيرة" التنازلية لجعجع على خط تأليف الحكومة، وتراجعه من المطالبة بست حقائب ثم خمس، إلى أن استقرّ على ثلاث (إضافة إلى وزير بلا حقيبة). وبصرف النظر عن تدرّجه "نزولاً"، بحسب التصنيف المعتمد للوزارات في لبنان، من العدل والصحة والتربية والطاقة والدفاع، مستقراً على الثقافة والعمل والشؤون الاجتماعية. غير أنه من الواضح أن زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الأخيرة إلى السعودية ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان، قد فعلت فعلتها في معراب، ودفعت جعجع إلى "وقف لعبة التعطيل، والقبول بما بقي له من حقائب" بحسب مصادر متابعة لعملية التأليف.

الرئيس المكلّف "استفسر من ولي العهد السعودي عن جدية الدعم الذي يتلقاه جعجع في ملف تشكيل الحكومة
وفي هذا السياق، تقول المصادر إن الرئيس المكلّف "استفسر من ولي العهد السعودي عن جدية الدعم الذي يتلقاه جعجع في ملف تشكيل الحكومة، خصوصاً وأن الأخير بأدائه التعطيلي المتبّع في الأسابيع الأخيرة، بات يشكّل ضراراً بالغاً على مسار تأليف الحكومة برمّته من جهة، كما أنه يضر بصورة الحريري كرئيس مكلّف من جهة أخرى".

استفاد الحريري من الوضع السعودي المتأزم على خلفية قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. تقول المصادر إن استفادة الحريري سببها "قناعة معينة بدأت تتكوّن لدى أصحاب الربط والحل في المملكة، ترى بوجوب خفض مستوى التوتر في الساحات المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسعودية، ومنها لبنان، والعمل على حلحلة ما أمكن من ملفات عالقة، قد تعود بالنفع على الصورة العامة للملكة في هذه المرحلة بالذات".

"قبّة الباط" السعودية لتمرير حكومة الحريري، لا تعني بالضرورة ترك القوات "بلا ضهر". تؤكد المصادر أن سمير جعجع "تلقى نصيحة خارجية بالاشتراك في الحكومة بما تيسّر". الهدف "الخارجي" من وجود القوات في الحكومة مختلف في جوهره عن هدف جعجع نفسه. توضح المصادر أن النصيحة الخارجية لها "وجهها الآخر" يتمثل هذا الوجه في أن "القدرة على العرقلة والتعطيل من داخل الحكومة، أكبر وأكثر تأثيراً منه تحت قبة البرلمان".

رحلة وزراء القوات في "الشدّ والتأخير والأخذ والردّ" ستبدأ منذ اللحظة التي يبدأ فيها البحث في صيغة توافقية للبيان الوزاري
وعليه، تقول المصادر إن رحلة وزراء القوات في "الشدّ والتأخير والأخذ والردّ" ستبدأ منذ اللحظة التي يبدأ فيها البحث في صيغة توافقية للبيان الوزاري، خصوصاً الفقرة المتعلقة بالمقاومة فيه. ستمد هذه السياسة إلى فترة انطلاق الحكومة والمباشرة في قيامها بمهامها المنتظرة على أكثر من ملف، خصوصاً ما يتعلّق منها بملفات الكهرباء والنفط والعلاقة مع سوريا.

لن تلعب القوات منفردة. تتوقع المصادر أن "تنسج القوات تحالفات داخل الحكومة مع أحزاب وجهات ممّا كان يُعرف بتحالف 14 آذار وغيرهم"، الخطّ العريض لهذه التحالفات داخل الحكومة "تكوين رؤية مشتركة حول سوريا من جهة، وعرقلة عمل الحكومة". طبعاً العرقلة لن تكون موجّه ضد الرئيس الحريري وتيّاره، الهدف المشترك للمجتمعين، بحسب المصادر، سيكون "وضع العصي في دواليب العهد، خصوصاً وأن الرئيس ميشال عون يعتبر الحكومة المنتظرة حكومة العهد الأولى، وهو يعوّل عليها كثيراً لتنفيذ بنود خطاب القسم السياسية والإصلاحية".

في هذا الإطار تقول مصادر حكومية مقرّبة من بعبدا، إن الرئيس ميشال عون ينظر بإيجابية إلى الحكومة المقبلة، وهو "لن يحكم على النوايا بل على الأفعال"، وتؤكد أن في "جعبة الرئيس الكثير من الأرانب التي قد يُخرجها عند الحاجة".

الحديث عن الآداء المرتقب لبعض الأفرقاء داخل الحكومة، لا يندرج فقط في خانة "قراءة النوايا"، بل يُمكن وضعه أيضاً في إطار الاستعداد لمعركة إدارة الدفّة داخل الحكومة، بناءً على تجارب سابقة. صحيح أن الرئيس الحريري قال عند تكليفه تشكيل الحكومة قبل خمسة أشهر، إنه يريد حكومة "تكون قائمة على التوافق الوطني على العناوين العريضة وحتى على بعض التفاصيل"، من أجل أن تعمل بإيجابية وتكون قادرة على الإنتاج. إلا أن نوايا التعطيل المسبقة قد تعرقل أي إنتاجية للحكومة، وقد تدفع بعض الأفرقاء داخلها إلى اللجوء إلى المادة 65 من الدستور. تعطي هذه المادة مجلس الوزراء الحق باتخاذ قراراته، إما بالتوافق أو بالتصويت إذا لزم الأمر، خصوصاً أنه لا يوجد آلية مُلزمة غيرها لتنظيم العمل داخل الحكومة، القائم أساساً على تفاهمات مسبقة.

2018-10-30