ارشيف من :مقابلات

السفير السوري لـ’العهد’: حريصون على مصلحة سوريا العليا والعلاقة الأخوية مع لبنان

السفير السوري لـ’العهد’: حريصون على مصلحة سوريا العليا والعلاقة الأخوية مع لبنان

الشعب الأردني بما يمثله من تجار وصناعيين وعائلات اعتادت التردد على سوريا من أجل التبضع والاستجمام، كان الدافع الأساس نحو قرار فتح معبر نصيب الحدودي مع سوريا. وإذا كان هناك قرار حكومي أردني مرتبط بهذا الأمر فقد جاء نتيجة للدفع الشعبي في الأردن، والذي ترافق مع الاعتصامات والتظاهرات المطلبية في الأردن. للحقيقة والتاريخ ورغم المعارضات الدولية والإقليمية التي وقفت ضد فتح المعبر، قال المواطن العربي في الأردن كلمته وتجاوبت سوريا مع حاجات المواطنين والصناعيين والتجار فيه. مع العلم أن هناك بعض الإشكالات التي تتعلق بالإجراءات الأردنية وترتبط بالمواطن في سوريا والتي جعلته (المواطن وليس التاجر) يعتبر أن فتح المعبر نقمة وليس نعمة، من حيث منع دخول السيارات السورية الخاصة والعامة أسوة بالسيارات الأردنية، والخشية من ارتفاع الأسعار نتيجة مسارعة الأردنيين نحو شراء البضائع السورية الجيدة والرخيصة، في ظل نقص في الإنتاج المحلي. فضلًا عن أن الأردنيين يقومون بشراء الليرة السورية من السوق الأردنية، الأمر الذي لا يراه السوري مبشراً بدخول القطع الأجنبي عبر الحدود الأردنية.

غير أن لفتح المعبر دون لقاءات "معلنة" على مستوى القيادات السياسية قراءات سياسية، خاصة وأن المواطن السوري لديه تخوفاته. السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي يتحدث لـموقع "العهد" الإخباري عن المعنى السياسي للموقف السوري، فيقول "السياسة هي ترجمة لكل هذه المواضيع، في السياسة يجب أن لا ينفصل ما تريده الدولة عما يريده المواطن، فكلاهما يمثل الدولة، وسياسة الدولة مبنية على حاجات المواطن وكرامات المواطن ومصلحة المواطن التي يجب أن تكون هي مصلحة الدولة، وبتقديري هذا جوهر السياسة والمواقف التي تنتهجها الدولة السورية بقيادة الرئيس الأسد. ومعبر نصيب هو واحد من التعبيرات والتجليات التي يجب أن ينظر إليها من خلال قراءة عميقة لكل الحرب العدوانية أو الأزمة المركبة أو التخطيط المبرمج للعدوان على سوريا خلال سبع سنوات، فأن تصل الأمور الى أن يفتتح هذا المعبر الهام والحساس، الذي يعني سوريا مواطناً ودولة، ويعني الأردن كمصلحة ويعني لبنان ويعني المنطقة وتجارة الترانزيت التي تمر عن المعبر، يعتبر انتصاراً سياسياً لسوريا".

ورداً على سؤال حول استفادة بعض الدول والأطراف التي دعمت الارهاب في سوريا، من اعادة فتح المعبر، يكرر السفير السوري "ما تقوله الدولة دائماً، نحن لا ننتقم ولكن يجب أن نتعلم من درس هذه الأزمة، هذه الحرب، هذا العدوان، هذا المخطط، الذي تتداخل فيه خطوط كثيرة، ويجب أن تكون هناك ضوابط! وهذا ما تطرحه الدولة بتقديري بوضوح. نحن وشعب الأردن وشعب لبنان مكونات عائلية متداخلة، وحتى لو كانت هناك قوى خضعت لضغوط وموثرات عوامل كثيرة، كانت فيها عدوة لنفسها وعدوة لسوريا".

سوريا قادرة على تمييز مصلحتها ومصلحة أشقائها

ويتابع "لا يمكن أن نتحدث بمنطق الانتقام ولكن بمنطق الوضوح، واضعين نصب أعيننا مصلحة هذه الشعوب في المستقبل. لذلك يجب أن تحدد ضوابط بين سوريا والأردن في معبر نصيب، ضوابط تفرضها حقائق هذه الحرب وانتصارات سوريا على هذه المكونات المختلفة بمموليها وبمسلحيها. لذلك يذهب الأردني إلى سوريا برغبة كبيرة، وهم في غالبيتهم محبون وضد الحرب وضد الولاء للإسرائيلي والأميركي والدول التي استخدمت كل ما تملك لتدمير سوريا، وراغبون في العودة إليها. ولكن يجب أن يكون هناك تعامل بالمثل، ولا يصح أن تمنع السيارات الخاصة السورية من دخول الأردن ويسمح للسيارات الخاصة الأردنية بدخول سوريا. وبتقديري أن الأمر يدرس من أجل ضبطه. ليس لدي معطيات نهائية أو حاسمة ولكن هذا تدرسه الدولة. ونحن حريصون على التمييز بين من ارتكب جرائم وأخطاء بحق سورية وبحق الأردن، فنحن ننظر بعين مسؤولة، وعندما ننظر بعين مسؤولة يصل لكل ذي حق حقه".

يوضح السفير عبد الكريم علي، أن افتتاح معبر نصيب جاء بناء على مبادرات من جمعيات الصناعيين والتجار في كل من سوريا والأردن، وخصوصاً خلال معرض دمشق الدولي، اعلامياً، لكن في الأردن وسوريا ما تزال سفارتا البلدين تعملان. في هذا الإطار، يؤكد على حرص سوريا على أن يكون للأردن القرار السياسي الحرّ فيما يخص العلاقة مع سوريا، مشيراً الى أنه "لا يخفى على أحد أن الأرض الأردنية والمواقع الأردنية قد استغلت للضغط على سوريا، لكن هذا لا يمثل الرأي العام الأردني والقوى الوطنية الأردنية المتعاطفة مع الدولة السورية، والتي ترفض الإرهاب وغرف الموت والتدخل الخارجي، والتي عبرت عن قلقها وخوفها من ارتدادات هذا الإرهاب على الأردن". ويرى السفير أنه "إذا كان هناك مراجعة للمواقف من قبل الأردن فمن المؤكد أنه مرحب بها وإن جاءت متأخرة"، منوّهاً إلى "أن من أدلى بمواقف مناوئة شيء، ومن كان شريكاً بالدم السوري شيء آخر".

يبدو جلياً أن سوريا لن تتخلى عن دورها العربي، بحسب السفير علي، ولكن: "ضمن المنطق السليم". يقول في حديثه لـ"العهد" إن "مصلحة سوريا الأولى هي مصلحة مواطنيها وسيادتها وحدودها، ومصلحة حقوق أشقائها. لذلك فسوريا في أوج الهجوم الإرهابي المعولم عليها، والذي استخدم فيه الإعلام والمال السياسي بأبشع صوره لم تنجر إلى ردات الفعل، وبقيت فلسطين قضيتها المركزية وهذا ما عبر عنه الرئيس الأسد عام 2014 في خطاب القسم في الولاية الرئاسية الثانية". يتابع السفير السوري في لبنان: "مع أن الكل يعرف أن بعض الفصائل والقوى الفلسطينية كانت تسيء إلى قضيتها وإلى سوريا ولكن لم نتعاطَ بردات الفعل". وينبه إلى أن: "سوريا ترى أن الانتصارات التي تحققها هي التي تفرض على الآخرين مواقفهم اليوم، سواء كانوا الذين قادوا هذه الحرب أم الذين كانوا مغلوبين على أمرهم فيها".

لا يمكن تهميش العامل الاقتصادي المساعد على فتح المعبر

ولكن، لا يمكن تهميش العامل الاقتصادي المساعد على فتح المعبر، اذ يقول السفير: "إن الاقتصاد هو هدف كل السياسات وهو مادتها ـ وذلك لا يعني عدم وجود اختراقات هنا وهناك ـ ولكن سوريا حريصة على ضبط الإيقاع ما أمكن بين السياسة والاقتصاد، والذي هو سلاح السياسة، ويلحظ أن اليوم ومن خلال هذه الحرب وما قبل هذه الحرب ومن خلال الجماعات التكفيرية، هناك مآرب من أجل خدمة "اسرائيل" ومنها سياسات تفكيك المنطقة. ولم تسر الأمور كما أرادت "اسرائيل" والإدارة الأميركية أو الإدرات التي معها أو الأدوات والحلفاء في المنطقة من وراءها. وسورية تحرص على أكبر قدر من رسم المخارج التي تضمن تلاقي السياسة والاقتصاد بما يخدم السيادة في سوريا ومصالح المواطن، واذا ما كانت هناك بعض الاختراقات سواء كانت لبنانية أو أردنية أو عراقية أو غيرها، وبقدر المستطاع سيكون هناك تصويب وضوابط. بالطبع ليس لدي علاج لحظي، ولكن سوريا تضع ضوابط بالنسبة للاستيراد وبالنسبة للعبور وبالنسبة للاستثمار فيها"!

ورداً على سؤال "المنتجات في لبنان لها مدلولات سياسية: فالبطاطا بقاعية، والموز جنوبي، ولكن هل سيمر تفاح اهدن؟"، يجيب السفير السوري "انت تشيرين إلى بعض المنتجات التي تقع ضمن نطاق سيطرة بعض القوى وهي القوات اللبنانية وتيار المستقبل وكل القوى التي كانت في الاصطفاف في مكان آخر، في البداية إن القواعد الشعبية لهذه الأحزاب ترى وبنسبة غير قليلة أن ما حققه الجيش العربي السوري وما حققته الدولة السورية فيه مصلحة لأمنها ومستقبلها هي أيضاً. ويدرك كل الذين يرفعون صوت المكابرة أن ما قامت به سوريا يشكل ضمانه للجميع. ويجب أن تعالج الأمور بمنطق مسؤول، وأنا لست مع تحميل المواطنين  ثمن ما يفعله السياسيون. ولا يمكن المعاملة بالمثل، ونحن استوردنا الموز اللبناني في وقت كان هناك حجر على المنتجات الزراعية السورية والصناعات السورية. ولكن أصحاب الإنتاج الزراعي في لبنان هم أقرب إلى السعادة بما تحققه سوريا، إن لم يكونوا سعداء حقيقة. فبالتالي هناك معالجات محسوبة ومسؤولة تحرص سوريا عليها ولذلك أنا قلت يجب أن توضع ضوابط. في المحصلة، سوريا ترى في لبنان شقيقاً جرى التشويش على نسبة كبيرة منه وبالتالي هي حريصة على القوى الغيورة والمسؤولة. وهي حريصة على التمييز بين من ارتكب ومن كان شريكاً في سفك الدم السوري أو في تمويل الإرهاب أو في تمرير الإرهاب ولكنها تستخدم سلاح المسامحة الذي تديره هي، بمعنى هي التي بيدها جهاز التحكم، وليس بيد المستغل".

يختم السفير علي بالقول إن "سوريا المنتصرة هي الأخ الأكبر للبنان، قادرة على تمييز مصلحتها ومصلحة أشقائها مع الاستمرار في التمييز بين من ارتكب ومن كان شريكاً مع سوريا في مواجهة الإرهاب. نحن حريصون على العمل ضمن ضوابط وليس بمنطق ردة الفعل، بل بمنطق من يقرأ مصلحة سوريا العليا، ومصلحة العلاقة الأخوية مع لبنان".

2018-11-06