ارشيف من :آراء وتحليلات

لماذا يكرهون مصر؟

لماذا يكرهون مصر؟

"بقيام الكيان الصهيوني، عام 1948، فقدت مصر ربع دورها التاريخي، ثم فقدت نصف وزنها بهزيمة 1967، ثم فقدت بقية وزنها جميعًا في "كامب ديفيد". مصر الآن خشبة محنطة، مومياء سياسية كمومياواتها الفرعونية القديمة، ولا عزاء للخونة". هذا ما كتبه العبقري "جمال حمدان"، عن مشروع "قتل وطن"، وكأنه يصف واقعًا عرفه ورآه. وحمدان هو صاحب مؤلف "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان"، الصوت المبكر ضد محاولات تقزيم مصر، وإبعادها عن إقليمها، وفصلها فصلاً عن آسيا، لصالح المشروع الصهيو ـ أميركي.

وجمال حمدان واحد من مثقفين عرب قلائل، نجحوا في حل المعادلة الصعبة، المتمثلة في توظيف أبحاثهم ودراساتهم من أجل خدمة قضايا الأمة، حيث خاض، من خلال رؤية إستراتيجية واضحة المعالم، معركة شرسة لتفنيد الأسس الواهية التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين، ودرّس الأزمات المصرية بعمق وروية هائلين، من خلال دراسة العلاقة المستمرة داخل حدود الوطن المصري بين الإنسان والطبيعة في المكان والزمان.

حقق الكيان الصهيوني نصره الحقيقي يوم سلخ أنور السادات مصر عن الجسد العربي، ففقد العرب القلب، وفقدت مصر الهواء، ومرت بحالة اختناق، معزولة وراء صحاري شاسعة، تفصلها عن التفاعلات العربية، وتلقي بها وحيدة أمام ضباع، يتحينون الفرص للانفراد بالدول العربية، واحدة وراء الأخرى.

لم تتنازل سوريا الأسد، لم تتراجع، ولم تستسلم أمام العدو الصهيوني، وهذا ما يضغط على أعصاب "محور التطبيع"، فسوريا تمثل "ورقة اختبار عباد الشمس" للشرف والكرامة، في مقابل أنظمة تغازل وتغنج في أحضان الصهيوني والأميركي.

في مصر دائرة الحكم الضيقة ـ مساحة وأفكاراً ـ لا يظهر أنها تهتم فعلًا بضرورة وحتمية شمولية الحرب لأدوات الوهابية في الداخل المصري، لكنها تنظر أولًا وأخيرًا للخارج، حتى حين اختاروا الفعل، فقد باتوا يتحسسون ردات الآخرين.

الكارثة الحقيقية في الوضع المصري أنه لا النظام ولا المعارضة يجرؤون على تحديد العدو الذي يحاربه الجيش المصري في سيناء، الكيان الصهيوني، وهو العدو الذي تحاربه سوريا منذ 7 سنوات، والأدوات الوهابية ما هي إلا دمى، تتحرك وتضرب على إيقاع "تل أبيب".

مصر مقبلة على شتاء ساخن، كل التطورات، سواء اقتصاديًّا أو سياسيًّا، تدفع باتجاه الانفجار، وهو انفجار واقع حتمًا، لن ينفع معه هذه المرة نشر المخاوف على مؤسسات الدولة، التي سقطت هي الأخرى كلها من الوجدان، بفعل تآمر جرى على الوطن وأهله، وصفقات حرام لبيع الأرض المصرية، تمت أمام أعينهم.

وقرب النهاية، تصفع كلمات "جمال حمدان" كل أوهام الإصلاح الاقتصادي المزعوم: "مصر مرشحة في ظل خيارها ليس بين السيئ والأسوأ، بل بين الأسوأ والأكثر سوءاً، لتتحول في النهاية من مكان سكن على مستوى وطن إلى مقبرة بحجم دولة".

2018-11-06