ارشيف من :مقالات

’ضرورة التشريع’ تجتاز التعثر الحكومي

’ضرورة التشريع’ تجتاز التعثر الحكومي

يحبس رئيس مجلس النواب نبيه بري في فمه الكثير من الماء لناحية إطالة أمد التأليف. تراه ينتقي عباراته الدقيقة للدلالة على وضع ليس على ما يرام آلت اليه الأوضاع، فيكتفي بكلمات قليلة لتوصيف الواقع على قاعدة "خير الكلام ما قل ودل". لا يجد رئيس المجلس ضرورةً لكل هذا الترف السياسي من مماطلة وتسويف في الشأن الحكومي. أكثر ما كان يلفت بري، وفق مقربين منه، منذ اللحظة الأولى لتكليف رئيس حكومة برودة أعصاب سعد الحريري حيال استحقاق التأليف، وكأنّ البلد لم يعد واقفاً على "كف عفريت" كما هو الحال اليوم. لكنّ بري الحريص على تيسير شؤون البلاد والعباد يقوم بواجباته التشريعية، بعيداً عن انتظار قطار التأليف. وفق قناعاته، لكل مؤسسة عملها المطلوب منها، ولا يجوز تعليق عمل المؤسسة التشريعية ريثما يتم تشكيل الحكومة، ففي ذلك مغالطة كبرى، تعني شل البلد بأكمله. وانطلاقاً من هذا المبدأ، شرّع بري أبواب المجلس أمام التشريع أواخر أيلول/سبتمبر المنصرم تحت عنوان "تشريع الضرورة"، ويعمل على استكمال المهمة في جلسة تشريعية دعا اليها في 12 و 13 الجاري، تحت عنوان "ضرورة التشريع".

نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي يصف في حديث لموقع "العهد الإخباري" خطوة بري التشريعية بالطبيعية، وفي محلها. بالنسبة اليه، غالباً ما تكون تحركات بري إنقاذية وفي وقتها المناسب. وضع البلد أشهَر من أن يُعرّف، والجميع يعلم "البير وغطاه". لبنان مهدّد بالظلام، والتشريع يُنقذنا عبر صرف اعتمادات للكهرباء، لتيسير الحال. يؤكّد الفرزلي أنّ أمام مجلس النواب سلة قضايا وجدول أعمال من 38 بنداً بعضها يتعلّق بالصحة والمعاهدات الدولية وغيرها. وهنا يُشدد الفرزلي على أنّ بري لا يساوم على دور السلطة التشريعية، وأهميتها للحفاظ على مصلحة الدولة بأكملها، وهذا موضوع غير قابل للجدل بالنسبة لعين التينة.

وفي معرض حديثه عن ضرورة التشريع الذي تحدّث عنه بري، يشير الفرزلي الى أنّ التشريع ضرورة فقط من ناحية التوقيت، إلا أنه حق بالمطلق. فالمادة 16 تتحدّث بوضوح عن هذا الحق، وتنص على أنّ السلطة الاشتراعية الوحيدة في البلد هو البرلمان. وبالتالي يحق له الاجتماع والتشريع ساعة يشاء، وهذا أمر في غاية الأهمية، برأي الفرزلي، خصوصاً في ظل غياب الحكومة. يوضح نائب رئيس المجلس أنّ الحديث عن التعاون بين السلطات يُلزم المجلس على أن يُصار الى التعاون مع السلطة التنفيذية في تنسيق مشاريع القوانين التي تقتضي ذلك. إلا أن القانون يكفل لمجلس النواب الحق في التشريع على الدوام، وهذا الحق بات أكثر من ضرورة لأنّ مصالح العباد والبلاد بأمس الحاجة الى العمل به.

وجهة نظر الدستور

ورغم أهمية التشريع في ظل حكومة مستقيلة، إلا أنّ الخلاف لطالما كان بين الأفرقاء السياسيين حول شرعيته القانونية. الخبير الدستوري عادل يمين يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري ما قاله الفرزلي. المادة 16 من الدستور تبيّن أن السلطة المشترعة الوحيدة في لبنان هي المجلس النيابي، وليس هناك من نص يمنع مجلس النواب من التشريع في ظل حكومة مستقيلة. 

يشير المتحدّث الى بعض الآراء التي ظهرت والتي يعتبر بعضها أن مبدأ توازن السلطات يفرض امتناع المجلس عن التشريع. وهنا يبرز رأياً مضاداً يقول أن توازن السلطات يبقى قائماً حتى ولو جرى التشريع في ظل حكومة مستقيلة، طالما بإمكان رئيس الجمهورية رد القوانين الى المجلس النيابي، وبإمكان رئيس الحكومة المستقيلة الطعن بالقوانين أمام المجلس الدستوري، وإن كان الأخير قد أصدر قراراته خلافاً لهذا الرأي. هذا التباين في الآراء أدى -وفق يمين- الى ولادة ما سمي بـ"تشريع الضرورة" كتسوية سياسية بين الفريقين المتناقضين، بحيث بات من المسلم أن يتولى المجلس النيابي التشريع حتى في ظل حكومة مستقيلة فيما يخص المواضيع التي يُصنّفها بالملحة وتتصل بالحاجات الاساسية أو بتكوين السلطات، وتُعتبر من الأمور الضرورية. 

2018-11-06