ارشيف من :آراء وتحليلات

المأزق الإسرائيلي و’احتمالات الهروب’

المأزق الإسرائيلي و’احتمالات الهروب’

لا ينكر أحد اليوم، داخل الكيان الصهيوني أم خارجه، أن الأخير تلقى صفعة غير بسيطة جراء ما آلت اليه المواجهة الأخيرة مع فصائل المقاومة في غزة، وحيث أصابت هذه الصفعة بالأساس حكومته مجتمعة، كونها المسؤولة عن أمن و"عنجهية " الكيان، والاثنان بالتحديد ضربا في هذه المواجهة، جاءت استقالة وزير الحرب افيغدور ليبرمان لتشكل بتداعياتها السياسية صفعة أخرى، حيث حكومة نتنياهو مهددة بانفراط عقد إئتلافها، الهش أصلاً.

 

في الظاهر، جاءت استقالة ليبرمان على خلفية خلاف في الرأي مع رئيس حكومته نتنياهو، حول استسلام الأخير لمعادلة جديدة فرضتها المقاومة الفلسطينية وقبوله بوقف اطلاق النار، في جولة المواجهة الأخيرة بين الطرفين، بعد العملية الفاشلة لوحدات خاصة عدوة في خان يونس، وما تبعها من تداعيات، ظهرت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية بمستوى متقدم من القدرة والتماسك والامكانيات العسكرية.

جاءت الاستقالة على خلفية فشل العملية وأجهزة الأمن والمخابرات في ضبط المستوى الذي توصلت اليه فصائل المقاومة الفلسطينية

لكن في الحقيقة، جاءت الاستقالة على خلفية فشل العملية وأجهزة الأمن والمخابرات في ضبط المستوى الذي توصلت اليه فصائل المقاومة الفلسطينية مؤخراً، في ما امتلكته من أسلحة وصواريخ نوعية، أولها صاروخ الكورنت المضاد للدروع، وأيضا في ما توصلت اليه من مستوى متقدم في مناورة اطلاق صورايخها، عجزت القبة الحديدية عن مواجهتها، أضف الى ذلك ما نشرته قناة "الميادين" عن كمين العلم والعبوة الناسفة المركبة، والتي أصابت مجموعة جنود صهاينة، ظهروا بمستوى متدنٍ من الحرفية والخبرة العسكرية، لا يليق "بمكانة جيش العدو".

صحيح أن الصراع العلني الآن يدور حول امكانية استمرار الحكومة التي تحتاج عدم استقالة حزب البيت اليهودي، الذي يشترط تسليم حقيبة وزارة الأمن لرئيسه، نفتالي بينيت، كشرط للبقاء في الائتلاف الحكومي، لكن من الطبيعي أن دوائر القرار لدى العدو تبحث الآن عن مناورة، تعيد المبادرة الى جيشه بمواجهة المقاومة الفلسطينية وما أظهرته من قدرات غير متوقعة، وحيث طالما طبع التوتر السياسي العلاقة بين أغلب مكونات السلطة في "اسرائيل"، لم يكن يوماً هذا التوتر عائقاً أمام ما يتطلبه "الأمن القومي الاسرائيلي"، فكان الجميع يذهب في النهاية نحو تأمين مصلحة الكيان.

فهل تكون مصلحة الكيان الصهيوني اليوم في حرب واسعة، تشنها "اسرائيل" في ميدان أبعد من قطاع غزة تعيد عبرها للكيان ما فقده من توازن ووحدة وتماسك من جهة، وتذهب من خلالها لمواجهة أكثر التحديات خطورة: "تعاظم قدرات حزب الله"؟

لا شك أن تحليل أغلب معطيات المواقف العدوة مؤخراً، تذهب باتجاه امكانية شن عملية عسكرية على لبنان وتحديداً على حزب الله، فالدافع لذلك في مفهوم قادة العدو موجود، وهو تعاظم قدرات حزب الله النوعية  - في الحصول عليها أو في تصنيعها - من صواريخ مختلفة النماذج والأغراض، بين البر والبحر والجو ربما، وربما أيضا من طائرات مسيرة قاذفة ومختصة بالرصد والمراقبة، وكل ذلك - في مفهوم العدو وفي معلوماته وفي استنتاجاته - يتواكب مع خبرات قتالية ضخمة لدى مقاتلي المقاومة، تراكمت بعد مسلسل من الحروب القاسية ، بمواجهته و بمواجهة الارهاب ، ويضاف اليها ما هو اهمها : اقتناع كامل لدى العدو بان مستوطناته المحاذية للحدود مع لبنان ستكون حتماُ هدفا لوحدات النخبة في حزب الله، عند أية مواجهة محتملة.

من ناحية أخرى ، لن يجد كيان العدو أكثر من الحرب على لبنان وعلى حزب الله بالتحديد، ليلملم وحدته الداخلية المشتتة، خاصة أنه يعيش بالكامل في الوعي وفي اللاوعي، عقدة "حزب الله" وحتمية إستمرار الصراع معه.
 
ولا يمكن ايضاً، إستبعاد العامل الاقليمي الدولي في ضرورة هذه الحرب لـ"اسرائيل" وللولايات المتحدة الاميركية الآن، لمحاولة إحداث خرق في الاشتباك المتشعب مع ايران.

من جهة أخرى، لا ننسى أن الحرب على لبنان ستكون واقعة لا محال، فور اتخاذ "اسرائيل" القرار بها، وأصبح كافيا اليوم لاندلاعها، فقط تنفيذها اعتداءً جويا أو صاروخيا على لبنان، مهما كان الهدف، ليرد حزب الله حتماً،  كما أصبح واضحا لدى الجميع.

هذا لناحية كيان العدو وقراره بالحرب ودوافعه لشنها على لبنان وعلى حزب الله، أما من ناحية أخرى، فيجب حتماَ مقاربة الموضوع على الشكل التالي:

اذا كانت فصائل المقاومة في غزة، المحاصرة والممسوكة بحدودها وبمناورتها وبمبادرتها بشكل واسع، استطاعت بامكانيات متواضعة نسبياً أن تفرض معادلة ردع وتوازن رعب ضد "اسرائيل"، وكانت (هذه المعادلة) بصلب أسباب استقالة ليبرمان وربما الحكومة، وكان الهروب من هذه المعادلة، شن الحرب المرتقبة على لبنان، وعلى حزب الله، فكيف سيكون مستوى المواجهة مع حزب الله، في ظل ما يمتلكه الاخير(على الاقل ما يعرفه الاسرائيليون)؟ وكيف سيستطيع هؤلاء التعامل مع جبهة مركبة واسعة من محور المقاومة ستشترك حتما في المواجهة، وسيكون عمادها على الأقل مثلث الجولان - جنوب لبنان -غزة؟

صحيح أن "اسرائيل" ترغب وبشدة شن حرب على حزب الله وتدمير قدراته، وادخاله بمواجهة داخلية تفترض هي أنها ستكون صعبة عليه، وصحيح أنها ترى أن هذه الحرب ستكون مفروضة عليها يوما ما، مهما تأخرت، ولكن الأصح أيضاً، أن "اسرائيل" لا ترغب اليوم ولا تملك الجرأة ابداً، ان تضع وجودها بالكامل في مسار مواجهة مجهولة المصير، تحتمل الهزيمة أكثر ما تحتمل الانتصار.

2018-11-15