ارشيف من :أخبار لبنانية

مؤتمر العلوم الإنسانية: تأصيل وتجديد في الفكر الإنساني

مؤتمر العلوم الإنسانية: تأصيل وتجديد في الفكر الإنساني
 
قدمت العلوم الإنسانية، ومنذ أكثر من قرن، كماً هائلاً من الأدبيات النظرية والمعرفية والتطبيقية في المجالات الإنسانية والاجتماعية. لكن هذه العلوم واجهت أسئلة وتحديات وأزمات عدة، منها ما يتعلق بمستقبلها ومنها ما يعود إلى مرجعيتها الفكرية والفلسفية التي استندت إليها في القطيعة مع الدين. كما واجهت هذه العلوم الإنسانية اسئلة حول الخدمات التي قدمتها منذ بداياتها. أما السؤال الذي يواجه هذه العلوم اليوم خاصة في الغرب، هو حول المساهمة التي قدمها الكم الهائل من النظريات، وما هي طريقة أو منهجية التعامل مع نتاجات تلك العلوم وتطبيقاتها. وعندما نقول ما يجب فعله، فهذا يعني أن نعود إلى مبان فكرية ومرجعية معرفية، أو إلى منظومة أخلاقية أو دينية. 
مما تقدم تأتي أهمية المؤتمر الدولي الذي نظمته جامعة المعارف تحت عنوان "التأصيل الثقافي للعلوم الإنسانية"، حيث جمع باحثين وأكاديميين من كل انحاء العالم، للنقاش في هذه العلوم والدخول إلى مشاكلها وأهمية تطوير هذه العلوم وإمكانية دمجها وتأطيرها بحيث تقدم نتاجات جديدة مستندة إلى نتاجاتها السالفة التي قدمها علماء غاصوا تارةً بالنظريات وأخرى في التطبيق بشكل قدم علوماً لتستفيد منها كل البشرية.
وقد تعرض الباحثون في المؤتمر إلى عناوين كثيرة مقسمة على محاور، وفي هذا الإطار، وتحت عنوان نشأة العلوم الإنسانية الغربية وأسباب هيمنتها، رأى عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة ويسكونسن، الدكتور سيف دعنا، أن الهيمنة بدأت من الاستشراق لكن تحديداً في الثقافة الامبريالية، وتخيل الاخر مثل المسلم على انه ارهابي، وهناك رؤية امبريالية في الاعمال البحثية والمجادلات الاكاديمية. وقال إن إدراك هيمنة العلوم الإنسانية والاجتماعية الغربية يظل ايضاً قاصراً بمعزل عن فهم العلاقة الجدلية للمعرفة والقوة.
 
التعليم الغربي والاستعمار
 
وحول دور الجامعات في نقل هيمنة العلوم الانسانية الغربية واستمرارها، قال الدكتور "شاندراكانت راجو" من الهند بأن التعليم الغربي وصف خلال فترة الاستعمار بانه متفوق وسوق له على هذا الأساس لأنه كان السبيل الموصل الى العلم والتكنولوجيا المتفوقين السائدين في الغرب. وكان إغراء الشعوب المستعمرة بالوظائف الحكومية مقابلاً لزمن من التلقين الطويل، حيث أخضعت الشعوب المستعمرة للسلطة الغربية، وبقى التعليم في جميع المستعمرات السابقة متماهياً مع الوظيفة أكثر من أي عملية تعلم.
ولفت إلى أنه استمر التلقين الاستعماري حتى بعد انتهاء الهيمنة الاستعمارية السياسية المباشرة، لأن الحكومات كانت مقتنعة بأن العلم والتكنولوجيا يشكلان أساساً للتطور الاقتصادي ومصدراً للقوة العسكرية. 
واضاف "لسوء الحظ حتى في مسألة التحرر من الاستعمار، فإن معظم الناس لا يقرأون إلا ما يكتبه الغرب، ويتبعونه ويثقون به ثقة عمياء، ويرفضون بدون تمييز كل ما يكتب خارج الغرب. وبالتالي فإن الغرب قادر على مراقبة وإخفاء وشيطنة المطالب الحقيقية للتخلص من الاستعمار.
 
هكذا يريدون العلوم الإنسانية
 
وتحت عنوان علوم انسانية بلا روح، قال الدكتور الإيراني أحمد حسين شريفي، إن العلوم الإنسانية الشائعة، تعتريها جوانب ضعف مهمة، مما يجيز لنا أن نعتبرها ونطلق عليها أنها علوم إنسانية فاقدة للروح، وناقصة وغير إنسانية، مشيراً إلى أن هذه العلوم تستند وترتكز على رؤية كونية مادية وليبرالية، مشيراً إلى أن "أهم مباني هذا النوع من الرؤية الكونية عبارة عن الإلحاد العملي، النزعة الانسانية، التعددية، العلمانية، وأصالة اللذة والمنفعة، والتي جميعها فاقدة للأسس المعرفة الصحيحة. وأكد شريفي أنه من أجل التمتع بمجتمع معافى وسليم، وتشكيل حضارة سليمة، وبناء الإنسان وتكامله، لا مناص من بث روح الحقيقة والمعنوية والإنسانية في العلوم الإنسانية.
 
يجب المواجهة
 
رئيس جامعة عمران الدكتور محمد ضيف الله علي القطابري، رأى في حديث لموقع "العهد" على هامش المؤتمر أن "هذا المؤتمر يكسب أهمية كبيرة وخاصة من خلال اختيار عنوان التأصيل الثقافي للعلوم الإنسانية وفي هذا التوقيت بالذات فالأمة العربية في اصعب مراحلها نتيجة هرولة بعض الأنظمة على المستوى الثقافي والمنهجي والسياسي إلى الغرب والتطبيع مع اسرائيل وارضاء الصهيونية العالمية حيث بدأت تفرض على الدول العربية حذف مناهج دراسية أساسية، ونحن اليوم يفرض علينا التخلي عن هويتنا الثقافية والوطنية وهذا المؤتمر يأتي في وقت مناسب ليتنبه العرب إلى خطورة المرحلة والعمل على المواجهة". 
ولفت إلى أن "المؤتمر اكتسب صفة دولية نتيجة شمولية الدعوة التي وجهت لمختلف الباحثين من كافة انحاء العالم، وهذه التوليفة تعطي المؤتمر أهمية كبرى لأن الفكر الاسلامي يجب أن يشق طريقه في كل بلدان العالم".
الدكتور رمضان برهومي من تونس قال في حديث لموقعنا إن لبنان يعتبر الفضاء الذي يشكل التنوع الثقافي في البلاد العربية وهو بلد اول مطبعة وأساس المدونات، من هنا تأتي أهمية تنظيم مؤتمر التأصيل في العلوم الإنسانية في لبنان، حيث إن هذا المؤتمر هو الأول في العالم العربي والإسلامي الذي يطرح هذا العنوان، مشيراً إلى أن "هناك أهمية كبيرة للمشاركة المتنوعة في هذا المؤتمر إلى جانب باحثين من كل العالم يعكس أهمية نظرة جامعة المعارف الثاقبة في هذه المسألة".
 
ومن جهته، شدد الشيخ الدكتور محمد سعيد مهدوي كني الذي يشارك من إيران على "أهمية التجربة الإسلامية وخاصة في إيران من خلال المساعي المبذولة في سياق جعل الحوزة حافظة العلوم الإنسانية، حيث تم إصدار الكثير من الأبحاث والدراسات بعد الثورة الإسلامية وتم تقديم الكثير من الاجابات لمسائل هامة جداً، ومن ضمنها مسألة المصارف والبنوك والقروض بعيداً عن الوقوع في الربا على سبيل المثال".
وحول أهمية هذا المؤتمر، قال في حديث لـ"العهد" إن لبنان مركز نشر الأفكار العربية والاسلامية، وهناك انجازات عملية كبيرة على مستوى العلوم الإنسانية، ونحن في ايران نطرح وننشر في بيروت لكي يصل ما نقدمه من ابحاث إلى كل المجتمع الإسلامي لان لبنان منبر وفرصة جيدة للباحثين والعلماء والأكاديميين للاستفادة من هذه الأجواء المهيأة. لكن حتى الان هناك مشكلة في هذه العلوم لا تحل بكاملها مثلا من إيران بل لا بد من اجراء ابحاث في ايران وغير ايران والتعاون في النشر، وهذه مقدمات لتطوير العلوم الإنسانية ومن خلال متابعتها بين الباحثين.
أما الدكتور محمود درويش من لبنان فقد قال إن أهمية المؤتمر تأتي باتجاهين، اولاً تعريف الناس على أهمية الارتباط بين هذه العلوم والتراث الاسلامي الذي هو اساس الحضارة العربية والاسلامية، والامر الاخر انه باجتماع مجموعة من الباحثين من دول مختلفة لعلماء الاجتماع والاساتذة في جوانب العلم الانساني يغني المجتمع بما يحتاج اليه من معلومات وتقاطع بين الحضارات.
2018-11-21