ارشيف من :آراء وتحليلات

الخيار الاستراتيجي المعادي في مواجهة إيران

الخيار الاستراتيجي المعادي في مواجهة إيران

يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر الوجوه الأمريكية التي تعبر صراحة عن الجوهر الامريكي، ويعد ملخصاً معلناً لطبيعة أمريكا ونشأتها وممارساتها، هو فقط قام بخلع قناع الديمقراطية والمبادئ وحقوق الانسان، التي حاولت أجيال أمريكية من السياسيين والمفكرين الايحاء بها.

 

ترامب في بيانه الأخير بشأن العلاقة مع السعودية -على خلفية جريمة يتأكد العالم كله بمن فيه مخابرات امريكا المركزية ان محمد بن سلمان متورط بها- يعلن صراحة أن أمريكا أولاً! هو يعني أن بلاده فوق القانون الدولي والمبادئ، وأنها تمارس الميكافيلية بأسوأ معانيها، وهو المعتاد امريكيا، والجديد فقط، هو الاعلان الفج من دون التذرع ومحاولات التزيين!

ولعل اللافت في بيان ترامب، هو الهجوم الشرس على ايران، رغم انفصال القضية موضوع البيان عن ايران، ولكنه انفصال ظاهري، وفي حقيقة الأمر فإن العلاقة مع ولي العهد، كما أعلن عنها ترامب صراحة هي لمصلحة أمريكا و"اسرائيل"، وهي تلخص عمالة العرش السعودي، وتعلن بفجاجة أيضاً عما كان يثار من قبيل الخفاء المعلوم بالضرورة. كذلك توسط "اسرائيل" لولي العهد، وتسارع التطبيع  ومحنة الوضع الداخلي الاسرائيلي واهتزازه غير المسبوق أمام المقاومة في فلسطين، وأمام محور المقاومة ككل، هو اعلان فج عن حقيقة "اسرائيل" وعوامل استقوائها، ولا نقول قوتها.

في زمن الاعلانات الفجة هذه، كيف يمكننا استشراف المستقبل ومحاولة قراءة خطوات العدو الامريكي ـ الصهيوني؟

في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قام المجلس الاطلسي باستطلاع لرأي ستة من رؤساء الموساد الصهيوني، وقد رفض ثلاثة رؤساء سابقين التعليق وهم: تامر باردو (2011 - 2016) ، ناحوم أدموني (1982 - 1989) ، وزفي زامير (1968 - 1974).

بينما اجاب ثلاثة آخرون عن أسئلة الاستطلاع الثلاثة وكانت:

1/ما هي أفكارك العامة حول إيران؟
2/ ما هي أفضل طريقة للتعامل مع إيران؟
3/هل تعتقد أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" تتعاملان مع إيران بالطريقة الصحيحة؟

وقبل استعراض أهم ما جاء في حديثهم، لنا ملاحظة على الاسئلة:

توحي الأسئلة بالحيرة الامريكية والاسرائيلية في استكشاف طبيعة ايران الثورة، وافتقاد طريقة للتعامل مع صمودها، وكذلك تشكك في أن طريقة التعاطي الامريكية والاسرائيلية هي الطريقة الصحيحة في التعامل.

وأبرز ما جاء في الاجابات كان:

أولا: قال إفرايم هاليفي الذي شغل المنصب 1998 – 2002، انه يعتقد أن احتمال قيام أولئك الذين تحمسوا لمواجهة إيران عسكريا اصبح غير قابل للتطبيق وله عواقب وخيمة، لانك تعرف كيف تبدأ الحرب لكنك لا تعرف كيف تنتهي الحرب، وإيران بلد ضخم وقصفها من القرن العشرين يمكن أن يكون شعارًا، ولكن لتحقيق ذلك، سيكون على الولايات المتحدة أن تستثمر في هذا الجهد العسكري. هذا جهد عسكري ضخم ليست الولايات المتحدة مستعدة لإطلاقه، ولا أعتقد أن الرأي العام سيوفره للرئيس الأمريكي، بغض النظر عما إذا كانوا يحبونه أم لا.

ثانيا: دانتي ياتوم الذي شغل المنصب 1996 – 1998، تحدث بلغة الصقور، وقال انه يجب على "إسرائيل" مهاجمة المواقع الايرانية في محيط "اسرائيل". ولا يجب بالضرورة أن تعترف "إسرائيل" علناً بأنها من قصفت وهاجمت، فسيكون معلوما أنها هي من فعلت ولكن من دون اعلان. أعتقد أنه سيكون من الخطأ أن تغادر الولايات المتحدة المنطقة، سوريا والشرق الأوسط ككل، وخلق فراغ يمكن لروسيا أن تدخل فيه إلى الشرق الأوسط، كما هي الحال اليوم.

ثالثا: شابتاي شافيت الذي شغل المنصب 1989 – 1996، كانت خلاصة قوله إنه إذا استمر الوضع السياسي الداخلي والوضع الاجتماعي الاقتصادي الايراني في التدهور، فقد يؤثر ذلك على السياسة الخارجية الإيرانية. وأضاف: ويجب أن يكون لدى "اسرائيل" تعاون كامل مع الولايات المتحدة. بغض النظر عمن هو الرئيس. مع الرئيس ترامب، تتمتع حكومتنا بعلاقة جيدة جداً، ولكن الرؤساء في الولايات المتحدة يتغيرون. الفهم الذي لدينا مع ترامب، لن يعيش بالضرورة مع الرئيس الأمريكي القادم. لذا فإن وضعنا هذا يجعلنا نتصدى للتهديد الإيراني لـ"إسرائيل"، بافتراض أسوأ سيناريو. إن عدونا قوة عظمى، دولة غنية بشكل أساسي بطموح بأن تصبح المهيمنة على الشرق الأوسط، والتي قال قائدها الأعلى في إحدى المقابلات التي أجراها إن مهمته في هذا العالم هي القضاء على دولة "إسرائيل". هكذا أراها.

وبعد استعراض ما رأيناه أهم ما جاء بتصريحات رؤساء الموساد، فإننا يمكننا أن نتأكد مما استنتجناه من الأسئلة وطبيعتها، وهي الحيرة والارتباك وافتقاد بوصلة التعامل الامثل مع ايران ومحور المقاومة، ولعل الرهان على تدهور الوضع الاقتصادي لايران هو الرهان الامريكي والاسرائيلي المتاح. وقد كشفته مجلة "فورين بوليسي" بشكل ملخص في تقرير لها كانت خاتمته تقول انه، وقبل التوقيع على الاتفاقية النووية في عام 2015، لم تكن إيران قد أدخلت مجالًا جديدًا للنفط منذ عام 2007. ومن غير المحتمل أن تتمكن إيران من تطوير حقول جديدة الآن، لأنها تحتاج إلى استثمارات أجنبية للقيام بذلك. حتى الصين، التي قد توفر التمويل عادة، تواجه مشاكل. وعادةً ما تمر الاستثمارات الصينية عبر البنوك في دبي، لكن السلطات المصرفية الإماراتية تقوم بقمع هذه التدفقات.

وإذا لم يكن بوسعها تطوير حقول جديدة، فإن البلاد بحاجة ماسة إلى الاستفادة بشكل أفضل من الحقول القديمة من خلال أحدث التقنيات لتحسين استخلاص النفط. لكن في الوقت الراهن، تعتمد إيران على تقنيات قديمة ومباعدة، بما في ذلك ضخ الغاز الطبيعي في حقول النفط القديمة للخروج من كميات النفط المتضائلة باستمرار. في الواقع، قبل الاتفاقية النووية، أعادت إيران 12.4 في المائة من إنتاجها الإجمالي من الغاز إلى آبار النفط.

بمرور الوقت، سوف تصبح إعادة حقن الغاز أقل قابلية للتنفيذ. وتشكل القطاعات المنزلية والتجارية والصناعات الصغيرة في إيران بالفعل أكثر من 50 في المائة من استهلاك إيران للغاز الطبيعي، والاستهلاك في ازدياد. 14 في المائة أخرى تنتج منتجات البتروكيماويات للتصدير، مثل الإيثيلين والبروبيلين، والتي تشكل لبنات البناء لتصنيع البلاستيك والألياف والمواد الكيميائية الأخرى. تشكل البتروكيماويات نسبة كبيرة من صادرات إيران غير النفطية إلى الصين، وتعد هذه التجارة إحدى أولويات إيران العليا.
هنا يمكننا استقراء الخيار الامريكي ـ الصهيوني، وهو الحصار الاقتصادي، والضغط على حلفاء وأصدقاء ايران، والاستعانة بعروش رهنت مصائرها على الرضى الامريكي ـ الاسرائيلي، هذه هي المقاربة الراجح الاعتماد عليها امريكياً، والمقاومة أمامها معركة مزدوجة، عسكرية على الجبهات الخارجية، ومعركة اقتصاد مقاوم على الجبهات الداخلية، وبالتعاون مع الحلفاء والاصدقاء.

 

2018-11-22