ارشيف من :مقالات

الوحدة الإسلامية.. الفكرة ـ المشروع

الوحدة الإسلامية.. الفكرة ـ المشروع

لم تكن مجرد رد فعل على واقع مذهبي مقيت، ولا عنواناً رناناً يلفت الأنظار، ولم تكن حتى موقفاً دينياً أو سياسياً يصرف في ساحات التنافس العربي والإسلامي، بل كانت فكرة بحجم مشروع، يحصّن أمة محمد (ص) ويقويها، ويمنع عنها فتن الأعداء والمتربصين، وينجيها من التكفير.

بنظرة بعيدة جداً، شخّص آية الله العظمى الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (قده) داء المسلمين ودواءهم، الوحدة الإسلامية وفقط.. كان ذلك قبل نحو أربعة عقود، عندما ابتكر الإمام الراحل من الاختلاف السني الشيعي وحدة وتكاملاً، وتحديداً حول تاريخ المولد النبوي ما بين الثاني عشر من ربيع الأول والسابع عشر منه، فأراده الإمام أسبوع وحدة، في مناسبة طيبة لرسول المحبة والوحدة، لعل في ذلك أساساً للتوحد، ونبذ التفرقة.

تحديات الوحدة الاسلامية .. ومفتاح بابها

دقيقا ومبدعا كان الإمام الراحل في اختصار العنوان، وكأنه استحضر حاضرنا هذا قبل أربعين عاماً. عرف تماماً أن العدو يسعى إلى هدم "البيت الإسلامي" من الداخل، وتحديداً عبر اثارة الفتن والاختلافات الفقهية والاجتهادية، لذلك، كانت تحديات الوحدة الإسلامية ـ ولا تزال ـ بنفس المضمون الفتنوي ـ التفريقي، مع اختلاف في الشكل، دأب عليها أعداء الإسلام، بهدف الاستمرار في بث سموم التخاصم الإسلامي – الاسلامي، والفتن المذهبية والأفكار التكفيرية. إلى هذا الكلام يستند رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة سماحة الشيخ ماهر حمود في شرحه لموقع "العهد" الالكتروني أبرز تحديات الوحدة الإسلامية، ثم يسميها الشيخ حمود "بالوضع الإسلامي العام، المتخلف سياسياً واقتصادياً وحضارياً وثقافياً وعسكرياً". هذا هو التحدي الأكبر، يشدد الشيخ حمود، الذي يربط خطورة هذا الواقع، بـ "واقعية وجود كيان صهيوني غاصب في قلب الخريطة الاسلامية، هنا يبرز تحدّ آخر، وهو واجب التصدي ومقاومة المحتل، لسد ثُغر الفتن والخلاف التي تعمل "اسرائيل"على توسعتها والنفخ فيها".

يستعين الشيخ حمود بـ "حالة انتصار الثورة الاسلامية في ايران، للتدليل كيف أن الأعداء عملوا - ونجحوا - في تحويل الاختلاف المذهبي بين ايران ومحيطها الاسلامي، إلى اختلاف وخصام ومجال فتنة خطيرة جداً على الشعوب الاسلامية". من هنا، يجزم سماحته، أن "من يجتزئ الدين الإسلامي بالموقف المذهبي، لا يفهم من الإسلام شيئاً"، مؤكداً أن مفتاح الوحدة الإسلامية هو الاتفاق على الشعارات السياسية، لتأسيس كيان اسلامي واحد وحقيقي.

رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين في لبنان سماحة الشيخ حسان عبد الله، يتلاقى مع الشيخ حمود في مضمون التحديات وطريق الوصول إلى الوحدة. ويضيف في حديث لموقع "العهد" الالكتروني، أن "مواجهة مشاريع الأعداء والتصدي لها فكرياً وميدانياً، هو السبيل لتكريس الوحدة بين المسلمين". يشدد الشيخ عبد الله على أن "الجميع مطالب بالدفاع عن الوحدة، لأنها لا تخص مذهباً، بل ديناً وأمة وشعوباً". ويشير إلى أن "أصحاب الرؤوس الفتنوية، والأفكار المذهبية المقيتة، لن يتوقفوا عن ابتداع اساليب التخريب والتفرقة، وليس آخرها الحركات التكفيرية والوهابية التي فتكت في شعوب الأمة، وزرعت بذور فتنة دموية، من أجل إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر بين أخوة الإسلام".

يجزم الشيخ عبد الله اذاً، بأن "عدم الوحدة بين المسلمين هو صنيعة الأعداء"، ثم يشرح كيف تطورت أساليب العدو في إثارة الاختلافات لتصبح فتنا، "وما ألاعيب المحتل الاسرائيلي إلا ضرباً من ضروب الفتن هذه".

لكن هل هذا قدر أمة دين الله؟ لا يتنكّر الشيخ عبد الله لصعوبة واقعنا الإسلامي، ربما لأننا نعيش في ذروة الاختلافات والتخاصم، لكن يرفع فيه مفتاح الوحدة وهو شعار لا بد منه: "النظر الى الخلافات والاختلافات المذهبية بين السنة والشيعة، على أنها اجتهادات وليست تكفيراً لبعضنا بعضا، هذا هو طريق الحوار، وطريق الوحدة" .. يختم الشيخ عبد الله حديثه لموقع "العهد" الإخباري.

الوحدة والفرقة.. المصير والمسار

هي منَاسَبةٌ مناسِبة في توقيتها ومضمونها وطرحها وكل ما تحتويه، لأمة باتت تئن تحت وطأة الفرقة والاختلاف والخلاف والفتن والتكفير والمشاريع الهدامة المستهدفة لمعالم دين الحوار والتلاقي والوحدة والتوحد. ربما في ذلك تحديداً، وجد الأعداء مكمن الضعف فعملوا عليه. المفارقة هنا ـ وهي أساس الكلام ـ أن بعض المساهمين في تنفيذ مشاريع فتنة المسلمين، هم من "المسلمين"، دولاً وجهات ومؤسسات. هكذا يصبح التحدي أكبر وأعقد، وتصبح المواجهة أوسع وأشمل، بين من يعمل من أجل أمة محمدية مشرذمة، ضعيفة، تائهة، وبائسة، وبين من يجهد من أجل أمة محمدية موحدة، محصنة، وممهورة بختم من كتاب الله وآياته.

 

2018-11-23