ارشيف من :مقالات

حاصباني يُعلن تخفيض أسعار الدواء..فتش عن حزب الله

حاصباني يُعلن تخفيض أسعار الدواء..فتش عن حزب الله

وأنت تتصفّح "تويتر" تُطالعك تغريدة من الحساب الشخصي لوزير الصحة غسان حاصباني. وفيها "سيصدر قريباً تعديل بآلية تسعير الأدوية، وستنخفض الأسعار بشكل كبير خلال الأشهر القادمة، وسنعلن عنه خلال أيام".  بُشرى لطالما انتظرها اللبنانيون الذين اكتووا بنار الفاتورة الدوائية و"قاتلوا لأجلها". للوهلة الأولى تشعر وكأنّ حساب الوزير قد اختُرق، ليتنشر الخبر إعلامياً وعلى أوسع نطاق. بعدها بأيام، يستغل حاصباني اطلاق "الحملة الوطنية للتوعية عن نقص الحديد"، ينتهز الفرصة فيعلن عن اتباع آلية جديدة لتسعير الدواء وتخفيضه تدريجياً. ولعلّ الأسئلة البديهية التي تتبادر الى الذهن:  ما الذي تغيّر حتى يُتحفنا الوزير بهذا الخبر الذي لطالما انتظرناه؟!. كيف تحوّل ما كان ممنوعاً لجهة مواجهة "كارتيلات" الدواء ـ بسحر ساحر ـ الى مسموح ومطلوب؟!. أين كان وزير الصحة من هذا القرار حين عُيّن على رأس الوزارة في الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2016؟. أكثر من ذلك، لماذا لم تمنعه غيرته على المواطنين من زيادة 750 ليرة على "الأدوية اليومية" تحت عناوين متعددة؟. 
 
ربما لا يعني المواطنون كثيراً البحث في المتغيّرات التي أدّت الى إعلان الوزير "القواتي" خفض الأسعار، بقدر ما يعنيهم "الأمان الصحي" الذي يمكّنهم من تأمين جرعات الدواء بلا تسول، أو منة من أحد. لكنّ قرار الوزير "الحكيم" في الظاهر، والوحي المفاجئ الذي هبط عليه، يستدعي التوقف ملياً عنده لتقييمه والبحث في الأسباب التي دفعت حاصباني الى تسجيل هذا "الهدف" المطلوب منذ زمن في مرمى "كارتيلات الدواء" ـ إن حاكى فعلاً القرار حاجات اللبنانيين ـ في الفصل الأخير من عهده، أو حتى بعدما باتت صلاحياته في الوزارة في حقبة "تصريف الأعمال". 

لا يجد رئيس هيئة "الصحة حق وكرامة" النائب السابق اسماعيل سكرية حرجاً في الحديث وبكل صراحة ووضوح عن أنّ خطوة حاصباني المذكورة لم تكن لولا الحديث عن تسلم حزب الله وزارة الصحة في الحكومة المقبلة، مع ما يحمله هذا التسلم من تصور للحال الذي ستكون عليه الوزارة. برأي سكرية، فإنّ الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله وعد بمحاربة الفساد بكل المجالات، ـ وهو الذي لا يخلف بوعوده ـ، ما يفسّر الخطوة الاستباقية التي أقدم عليها وزير الصحة، خوفاً من فكرة سعي حزب الله الى تطبيق سياسة دوائية وطنية وعادلة. لكنّ خطوة الوزير التي حاول من خلالها "قطف" السمعة الطيبة قبل مغادرة الوزارة أتت غير مكتملة. بالنسبة لسكرية جاءت ركيكة وضعيفة ومفخخة لما احتوته من مغالطات قانونية، ليسقط الوزير في الامتحان المذكور. فكيف ذلك؟.

 

حاصباني يُعلن تخفيض أسعار الدواء..فتش عن حزب الله

 

قبل الحديث عن المغالطات التي ارتكبها الوزير، يُضيف سكرية على الأسباب التي دفعت حاصباني لاتخاذ الخطوة، فبالإضافة الى خوفه من الأثر الطيب لحزب الله، يسود لديه إحساس بأنه لم ينجز شيئاً على مدى عامين، بدليل ثورة الرأي العام المحقة على غلاء الأسعار في لبنان، ومقارنتها  بدول الجوار. أراد حاصباني أن يكسب ود الناس ـ الذين تجاهل أوجاعهم على مدى عامين ـ، قبل مغادرة الوزارة، لكنّه لم يُفلح. حديثه خلال المؤتمر الصحفي أمس، بيّن بما لا يقبل الشك أنّ تغريدته لم تكن سوى "فرقعة" إعلامية، بدليل احتواء تصريحه على مغالطات جمة. وهنا يشير سكرية الى أنه ورغم إعلان الوزير عن اتباع آلية تسعير جديدة، إلا أنّ المؤتمر لا يزال يُحاكي مصالح الشركات. كيف ذلك؟. يُجيب سكرية بأنّ حاصباني لم يتبع أي مرجعية تسعيرية أو أي قاعدة واضحة وثابتة في هذا الصدد. ارتكب مغالطتين أساسيتين في حديثه: الأولى، حين أشار الى أنّ القانون يمنع تاجر الدواء من التلاعب بشهادة المصنع، وفي ذلك تجاهل واضح من قبل الوزير بشهادة سعر بلد المنشأ التي تعتبر أساسية لمحاربة التلاعب بالأسعار، فباستطاعة المصانع وضع الأسعار التي تريدها، والأمر قابل للتواطؤ، تماماً كما يتورّط حاصباني نفسه مع أصحاب "الكارتيلات". 

نقطة أخرى يلفت اليها المتحدّث يُحاول من خلالها حاصباني القول "أنا هنا أشجع الصناعة الوطنية"، عندما أعلن العمل على تشجيع الدواء الوطني، فيسأل سكرية: لماذا لا تُفعّل دور المختبر المركزي للرقابة على الدواء؟، وإذا كنت حريصاً على النهوض بهذا القطاع، فلماذا تتجاهله؟. 

وهنا يؤكّد سكرية أنّ إعلان الوزير "ملغوم" والمقصود منه كسب تأييد الرأي العام فقط، لأنه لا يحتوي على خطة موسّعة تطال أدوية السرطان والأمراض المزمنة التي تُتعب جيب المواطن، بل اختار عدداً من الأدوية الرخيصة أصلاً والتي لا تُحدث فرقاً كبيراً في السياسة الدوائية المتبعة.

قبل أن يختم سكرية حديثه بأنه لم ير أي جدية بتخفيض الأسعار، والدليل تجاهل سعر بلد المنشأ، إذ لا تزال أسعار الأدوية تسجّل أضعافاً عن ما هي عليه في بلد المنشأ، يكرر أن حاصباني رسب في الامتحان، ولم تكن قراراته سوى "فقاعة هوائية".
 

2018-11-27